الإعلام الالكتروني والتطرف الديني لدى الشباب بين المسؤولية والمواجهة

07-09-2019 09:21 AM - عدد القراءات : 2597
كتب د.عادل عبد الصادق* مجلة ذوات ،مؤسسة مؤمون بلا حدود ، العدد 51 ،ديسمبر 2018 ص ص 48-57
لطالما حازت قضية العلاقة المتداخلة بين وسائل الاعلام والخطاب المتشدد على الكثير من الجدل والبحث ،والذي يدور حول ايهما محفز للاخر ، هل الفكر المتشدد هو الذي يوظف تلك الوسائل لنشر خطابة وامتداد تاثيره ؟! ام ان وسائل الاعلام بطبيعتها الذاتية هي من تحفز وتنشط وتجذب تلك الحركات المتشددة لاستخدامها على النحو الذي يخدم على اهدافها ،أم انها تعبر عن عملية تفاعل كلا من البعدينوالذين يرتبطان في نفس الوقت بالسياق العام والواقع المعاش بابعاده المختلفه .
الإعلام الالكتروني والتطرف الديني لدى الشباب بين المسؤولية والمواجهة

وأصبح  الخطاب  المتشدد له فاعلية في التأثيرعلى الجمهور المستهدف  من الشبابوالمراهقين ،وذلك على اعتبارهم  الفئة الاكثر فاعلية وناشطية داخل مجتمعاتهم .وتاريخيا حظيت كافة وسائل الاعلام والاتصال على اهتمام خاص من قبل الجماعات المتطرفة على اختلاف توجهاتها الفكرية،واشتركوا جميعهم  في  الاهتمام ليس فقط بعدد ضحاياهم  بل بحجم وانتشار تاثير الخوف والرعب بين الراي العام . وهو ما يطرح التساؤلات حول ماهية الدور المنوط بوسائل الاعلام في مواجهة ظاهرة التطرف لدي الشباب ؟ وما هو تاثر تصاعد  الاعلام الالكتروني في نمو الظاهرة وعلى اي مدى ساهم ذلك في تعقد المواجهة ؟ وكيف يمكن صياغة رؤية إستراتجية تجمع بين انماط الإعلام المختلفة سواء اكان مسموع او مقروء ام مرئي او تقلدي او الكتروني في المواجهة الذكية لظاهرة التطرف .وكيف السبيل لخلق اعلام مسئول وقادر وفاعل في  معركة العقول والقلوب ؟

الاعلام والراي العام في بيئة جديدة

تعد العلاقة بين المجتمع والاعلام والراي العام والقيم علاقة متشابكة من منطلق مسئولية  الاعلام عن منظومة القيم السائدة داخل المجتمع، سواء  أكانت تتعلق بمهمة  الدفاع عنها او بقيادة  معركة التغيير للقيم السلبية ،وهو الامر الذي يكون له تأثير ايجابي في تغيير  الافكار  المغذيه للسلوك المدمر  للفرد وللمجتمع على حد سواء.وذلك من قبيل ان وظيفة  الاعلام هيرفع الوعي والإدراك وتغيير السلوك.واصبح دوره كعملية اتصال"وفق نموذج "جاكوبسن" يتكون من سته عناصر لاي خطاب تتكون من المرسل الذي ينشئ ،والرساله التي هي مضمون الاتصال "النص" ،والمتلقي وهو هدف الرساله"الجمهور" والرمز وهو الطريقة التي يتم بها اعداد الرساله ، الى جانب اداة الاتصال وهي الوسيلة المستخدمة ، ويرتبط ذلك بالسياق العام وهو ما يساعد في فهم الرساله على نحو افضل من جانب المجتمع ، 1]

 بينما يقدم نموذج "هارولد لاسويل" تفسيرات تركز على التاثيرات بالتركيز على من ؟يقول ماذا ؟وفي أي قناة؟ ولمن ؟وبأي تاثير ؟ ، بينما يركز "ماكلوهان" على ان الوسيلة هي الرساله ، وان الوسيلة اكثر اهمية من مضمون النص الذي تحمله في حين ان الوسيلة لها تاثير مهم في المحتوى الذي تحمله ،  وظهرت حالة من التطور في  وسائل الاعلام والاتصال مع الثورة العلمية والتكنولوجية،والتي أثرتفي طبيعة الفاعلين والقائمين بعملية الاتصال ،والتحول في الإعلام الجماهيري الذي كانت تحت سيطرة  الحكومات والذي كان يستخدم في عملية نقل المعلومات والاخبار وتبرير السياسات ،وفي لعب دور لتأطير ونمذجة وتعبئة الراي العام،
وبرز ت انماط جديدة من الاعلام كان لها الدور في  بروز فاعلين جدد  في تشكيل الرأي العام،وذلك مع التغير  في انماط ملكية وسائل الاعلام وبخصاصة مع ظهور القنوات الفضائية،و اصبح لديهم قدرات في  التعبئة والحشد للراي العام ،و بروز دور للفرد والجماعه في نقل وتبادل وانتاج المعلومات ونشرها بين قطاع عريض من  الجمهور وهو ما ساهم في نشأة "المجتمع الافتراضي"للاشخاص الذين لديهم مصالح واهتمامات مشتركه ، وبما يفتح ذلك المجال للتاثيرعلى اولويات القضايا لدى الراي العام .ومكن الاعلام الالكتروني كذلك الأفراد من صنع وسيلة إعلام خاصة بهم سهلة الانتشار ورخيصة التكلفة وتتميز بالتنوع الإعلامي على شكل نص او صوت او صورة او فيديو بما ينعكس بشكل ايجابي في صياغة الرسالة الاعلامية فيما عرف بصحافة "المواطن"،والتي تظهر عبر الشبكات الاجتماعية او عبر المنصات الاخري. .
ودفعت تلك الادوات الجديدة الى استخدامها بشكل ايجابي في تحقيق نوع من التواصل الانساني بين العديد من التجمعات البشرية والافراد من كافة انحاء العالم واصبحوا يجتمعوا حول قضايا مشتركة تؤثر فيهم ويؤثرون في انتشارها ودعمها  ، وذلك في ظل حوار ندي بين العديد من الافراد حول العديد من القضايا المحلية والعالمية ، ومن جانب اخر كان لاستخدام تلك الادوات جانبا سيئا في استغلال طابع الاعلام الالكتروني الفردي في تغذية العنف والكراهية وبث الشائعات والحرب النفسية وتضليل الراي العام ونشر الاخبار الزائفه. 
    وجاء ذلك مع المساعدة في توفير أدوات للراي والتعبير امام الجمهور تتميز جميعها بالسهولة والانتشار وقلة التكلفة سواء اكانت في شكل انشاء مواقع على الانترنت او الرسائل النصية القصيرة او المدونات او غرف الدردشة او المجموعات البريدية،او استخدام الهاتف المحمول او استطلاعات الراي الالكترونية او التعليقات الالكترونية على الأخبار او الأحداث او عن طريق نشر المقالات عبر الفضاء الالكتروني  او ما يتعلق بالتطور في تقنية استطلاعات الراي العام عبر الاستثمارات الالكترونية او الاستطلاع عبر المواقع .  وعبرت تلك الأدوات عن ثورة في الأداء الديموقراطي ما بين الحاكم والمحكوم  او ما بين الرأي العام المحلي والأخر الدولي او حتى ما بين المختلفين عرقيا او دينيا او ثقافيا بشكل يعكس ثورة معلومات متدفقة مقابل رأى عام سريع التلقي والتأثير . 

 الاعلام  والقيم والشباب ايهما يؤثر في البناء الاجتماعي  ؟

أثرت  الثورة التكنولوجية وتطبيقاتها المختلفة على منظومة القيم بكافة انماطها مثل منظومة القيم الاجتماعية والدينية والذاتية للفرد اي ما يتعلق برؤية الفرد لذاته ومجتمعه ونظرته الى الله والدين .وفي ظل ثورة المعلومات والافكار تتم عملية الانتقال والانتشار العابر للحدود وللثقافات ،وهو ما يعكس حالة التفاعل التحتي بين الشعوب  ،وهذا قد يؤثر في انماط الاستجابة لتيار العولمة ،حيث ينشأ تيار يتبني مقابل تيار اخر مضاد للقيم الدخلية بدعوى الحفاظ على القيم الاصلية ،وتؤدي حالة الاستقطاب تلك الى حالة من الاحتقان والتطرف ،وذلك دون التفكر في رؤية موضوعية لما يصلح وما لا يصلح لتنمية المجتمع والفرد .
وعلى الرغم من إن الإعلام بطبعه قد يكون عاكسا للقيم المحلية الأصيلة فانه في حالات اخري يكون هو الذي يملك الريادة في تغيير القيم ، وتبقى مسألة الحكم على القيم التي تتغير والاخري التي لا تتغير أو تقع ضمن النسق العقيدي للجماعة متوقفا في الأخير على درجة تماسك النخبة ومستويات التعليم والثقافة داخل المجتمع ، وحالة رأس المال الثقافي أو الإعلامي وموقفة من قيم المجتمع .والتي تتشكل على اعتبار أنها " مجموعه المعايير والأحكام التي تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته يراها جديرة بتوظيف إمكانياته وتتجسد خلال الاهتمامات او الاتجاهات او السلوك العلمي او اللفظي بطريقة مباشرة او غير مباشره " . ا
[2]

وتساهم القيم  في لعب عدة وظائف لعل اهمها،أولا،تشكيل شخصية الفرد وتحديد اهدافها والقدرة على التكيف والتوافق وتحسين القدرة على الادراك ومعتقداته لاتضاح الرؤية  وثانيا ،المحافظة على تماسك المجتمع وتحديد اهدافه ومواجهة المتغيرات التي تحدث وثالثا،القدرة على التعبير عن الهوية والمصلحة الوطنية . وعند الحديث عن علاقة القيم بوسائل الاعلام فانه يرتبط بطبيعة السلطة التي يتوجب أن تخضع لها ،في ظل تراجع دور الدولة وكيفية فرض القيود امام تناول قيم بعينها او الحد من استغلالها لبث قيم سلبية دخيلة.وهو ما يرتبط بلأزمة الفعلية -وفي العمق هي أزمة القيم- وأزمة غياب منظومة فكرية متكاملة، منظومة ترجع إلى أصل ثابت، قادرة على تقديم درجة معينة من الحصانة الفكرية للإنسان، تمكنه من إدراك أبعاد خطاب الإعلام .[3]

وتواجه القيم  والمؤسسات التي تدافع عنها تحديات تتعلق بحرية انتقال الأفكار والمعلومات والرموز ما بين الداخل والخارج ، ،ودرجة التعاطي الايجابي لها مع تلك الثورة المعرفية وقدرتها على تسويق قيمها وتطوير خطابها في ظل السيل الجارف.وبقيت مناعة المجتمعات من التأثير المتصاعد لذلك التيار متوقفا على إدراك القيادة السياسية والنخبة ومؤسسات المجتمع لمعطيات الثورة المعرفية الجديدة ، فأصبحت كلما امتلكت القدرة على التحديث والسرعة والاستجابة للتحديات كلما كان لها القدرة في حفظ الأمن الثقافي والسيطرة على المحاور الرئيسية للتوافق المجتمعي على الأقل .وهو ما يتعلق بخطورة انعكاس ذلك في عنصرين هامين في البناء الاجتماعي وهما عنصرا الشباب والنسق القيمي للمجتمع، وذلك من خلال ما يتم رصده من علاقة بين الشبكات الاجتماعية ،كمتغير مستقل والنسق القيمي الأخلاقي كمتغير تابع، الى جانب علاقة ذلك بمتغيرات وسيطة تتعلق بدوافع تعرض الشباب والفجوة الديموغرافيه ومعدل ثقتهم في المؤسسات الحكومية .
وعلى النقيض فانه في حالة العجز وفقدان الصلة بين حجم التغييرات على الأرض وملائمة السياسات المتبعة من الحكومات تحدث القطيعة الثقافية بين المواطن والمؤسسات ذاتها وتعزيز حالة الانعزال والغربة الثقافية وتدهور القيم المحلية وتراجعها في مقابل إدخال أنماط جديدة لا تعمل على استقرار المجتمع بل على تفككه بنيويا وقيميا ،ويظهر تاثير ذلك في عجز المجتمع عن التوصل إلى بوصلة توجهه نحو الطريق الصحيح في ظل موجات العولمة الثقافية العاتية،والتي تعمل على الاستفادة الايجابية مع المعطيات الجديدة  والتخلي عن القيم  السلبية ،واعمل من جهة اخرى على تبني قيم جديدة ترتكز على الانفتاح والتسامح والإبداع والعمل وغيرها
4]

وهو ما يفسر الأثر الكبير للشبكات الاجتماعية والإعلام البديل بشكل عام في المجتمعات التقليدية ،وذلك نتيجة حالة الضعف في الثقافة العامة، ولا شك فان الظروف الاقتصادية إلى جانب الظروف الاتصالية تؤثر كذلك على القيم وبخاصة في ظل  حالات الانتقال والتحول التي تمر بها المجتمعات،-كحالة الانتقال من المجتمع الزراعي الى الصناعي – وتحدث حالة التغير  في القيم نتيجة عمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي ،والتي تظهر في تدهور حالة القيم داخل معينها وخزينها الأول إلا وهو الريف والذي شكل دوما خط الدفاع الأول للحفاظ على القيم المحلية داخل المدن ،ولكن ما اعترى الريف من تشوهات اقتصادية وتدهور حالة الزراعة دفع  إلى الهجرة سواء إلى الخارج أو إلى المدن الحضرية ،وهو ما ساهم بشكل لا يستهان به في هذا التدهور.
وجاء ذلك مع فقدان مؤسسات ثقافية واجتماعية مهمتها نتيجة لبروز جيل جديد تمرد على تلك المؤسسات من منطلق أنها لم تعد هي مصدر الإلهام المعرفي والقيمي بعد الانترنت ، ومن جهة أخرى تراجعت مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن القيام بدورها والطابع التقليدي لخطابها ، وهو ما أدى إلى واقع انفصالها عن طموحات وقضايا الجيل الجديد ، وفي مواجهة تحديات جديدة أمام قدرتها على بسط نفوذها القيمي والولائي على الفرد ، وهو ما يشهده تراجع دور المدرسة ودور العبادة والاسرة في تشكيل الوعي الثقافي والمعرفي.
وأثرت التكنولوجيا في قضية تسليع القيم وبخاصة ذات الطبيعة الدينية أي اعتبار القيم سلع يتم الترويج لها والإنفاق على تبنيها من قبل اباطره من رجال الأعمال والإعلام ، حيث يتم الترويج للقيم الاستهلاكية للمزيد من تحقيق المكاسب لأصحاب رؤوس الأموال ودون النظر إلى السلام الاجتماعي والسياسات الاحتوائية لمعدلات الفقر والبطالة في المجتمع.ويتم تقريب "القيم "بـ "السلع والمنتجات" ويتم ترويجها ضمن حسابات الربح والخسارة،وبناءً على تقدير الكلفة والمردود على الوضع الاجتماعي والرمزي داخل المجتمع
5]

  التطرف  من الاعلام التقليدي الى الجديد

 يعد الإعلام من الركائز الأساسية في فكر وممارسة الجماعات المتطرفة لانتشار خطابها المتطرف ولعملياتها العدوانية ،وقد تطور الإعلام في فكر التنظيمات المتطرفة وذلك تبعا للتغير الحاصل في  التطبيقات التكنولوجية ،والتي أثرت دون شك في نمو واتساع تاثير ظاهرة التطرف والتشدد والارهاب  مثل ذلك التاثير الذي كشفة التحول من جيل المنتديات الى المواقع الالكتروني ومن المدونات وغرف الدردشة الى الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكيه  . واكتسب الاعلام الالكتروني شعبيه بين الشباب ،لما يتميز به من خصائص ذاتية وقله التكلفة واتساع المشاركة وسهولة الاستخدام ،وهو ما يعزز من ان تكون المسئولية تجاة مكافحة التطرف والتشدد  تتم أخذا بعين الاعتبار التوازي والتكامل الوظيفي بين  الاعلام التقليدي والجديد.

ويتميز الاعلام الالكتروني بدور هام وحيوي في التاثير في الراي العام ،وذلك عبر  ثلاثة مسارات الأول يتعلق بنقل التأثير من الفضاء الالكتروني إلى الواقع والثاني بنقل ما يجري على ارض الواقع إلى الإعلام الالكتروني أو عبر تحول الإعلام الالكترونية إلى وسيط وناقل للحدث فقط.وتحولت تطبيقات الإعلام الالكتروني إلى مصدر للإخبار للصحف التقليدية والقنوات الفضائية أو تحول نشطاء الإعلام الالكتروني إلى ضيوف ومتحدثين لوسائل الإعلام التقليدية ، أو قيام الصحف والفضائيات بتخصيص أقسام لتغطية ما يجري عبر تطبيقات الإعلام الالكتروني وبخاصة الشبكات الاجتماعية ،
وان عجز الاعلام الرسمي  عن التعبير عن اولويات الراي العام او  بالتوقف عن كونه متنفسا للمطالب الجماهيرية او  بالعجز عن كونه قناة وسيطة بين الحاكم والمحكوم ،وهو ما يوفر ارض خصبه لصناعة الحقد والكراهية المولدة لآله التطرف . وان معالجة وسائل الاعلام للخطاب الديني والتراث والعرف الاجتماعي عبرتشجيع الافكار المضادة  مثل تشجيع سياسات العلمانية في ظل مجتمع محافظ  ،او العمل على العلاج بالصدمة للمشكلات الثقافية اوالدينية ،يمكن ان تساهم كل ذلك في بروز موجه تطرف وعنفا مضاد لتلك التوجهات ،وبخاصة ان عملية التغيير الفكري هي عملية ذات طبيعة اجتماعية ممتدة. وان قيادة عملية تغيير القيم المعوقة للاستقرار يجب ان تتم وفق إجماع من قبل كافة المؤسسات المعنية بالاضافة الى تأهيل وتمهيد تقبل الناس لتلك المتغيرات سواء من خلال الإقناع او التحفيز ،وتغيير قناعات او سلوك الشباب يجب ان يتم في ظل فهم تلك المتغيرات الجديدة،و تصاعد دور الاعلام الالكتروني في  صناعة وتشكيل الرأي العام ليس فقط على المستوى المحلي بل العالمي كذلك ، وزيادة  حجم الانتشار والنفاذ داخل المجتمعات العربية حيث تضاعفت جراء السياسات التي اتخذتها بعض الحكومات ، ومن ثم تعززت العلاقة بين حركة المواطن وتلك الأدوات التكنولوجية التي أصبحت منصة له ، ومعبرا عن توجهاته وثقافاته .
ويصبح هناك مسئولية لوسائل الإعلام امام الراي العام وذلك باعتباره مؤشرا هاما لقياس مدى رضاء القاعدة الشعبية عن السياسات العامة للدولة من جهة بالإضافة إلى دوره في تشكيل وتحديد توجهات المواقف الشعبية المختلفة حول القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء ، وتتيح عملية تدفق المعلومات وتفاعلاتها عبر وسائل الاعلام المختلفة إلى الدفع بتكوين معرفي جديد لدى الأفراد ونقل الأحداث والقضايا.
واكتسب التطرف عدة مكاسب مقارنه بالاعلام التقليدي لعل اهمها فرصة الالتحام بشكل مباشر مع الجمهور المستهدف من الشباب وتعزيز فرص التجنيد والتعبئة والتاثير فيهم ومن خلالهم ، وتوفير منصة اعلامية غير مسبوقة ورخيصة التكلفة وامكانية قبول مساهمات من اعضاء عابرين للحدود وامكانية تلقي التمويل اللازم دون مراقبة السلطات المحلية ، امكانية تكوين مجموعات سرية لتبادل الخبرات وتنسيق العمليات الارهابية،فرص المراوغه والكر والفر من خلال الانتقال السريع سواء من منصة الى اخري او تدشين حسابات اخري على الشبكات الاجتماعية في حالة الحذف .    

 التواصل الاجتماعي في مواجهة  القيم  المحليه للشباب

 مثل الإعلام الجديد تحدياً ثقافياً غير مسبوق،يقوم على الاجتياح الثقافي بحيث تفقد الدول الصغيرة ثقافتها تحت ضغط اجتياح التيار الثقافي العالمي، وتبدأ في التخلي تدريجياً عن خصائصها الثقافية لصالح الثقافة العالمية6]

وبرزت إلى السطح قيم جديدة على المجتمع من أهم مفرداتها الكراهية والعنف المجتمعي واللفظي ،وأصبح الصراع الاجتماعي في حقيقته صراع قيمي ما بين ما يفرضه الواقع والمؤسسات التقليدية من قيم وما بين القيم الوافدة من الخارج ،وسواء أكانت من خارج النسق العقيدي للفرد أو من خارج الحدود الجغرافية للدولة، وما نشهده من تجاذبات عبر الشبكات الاجتماعية هو في الحقيقة كذلك انعكاس لحالة التردي الراهن في منظومة القيم ونتيجة لتراكمات عهود سابقة من سياسات تعليمية وثقافية ماضية .وبخاصة مع افتقاد الشبكات الاجتماعية عنصر المركزية في التوجيه وطغيان الفردية والعشوائية في نقل المعلومات والأفكار والقيم والرموز الثقافية. 
وأصبحت تستخدم المضامين الثقافية في شحن الكراهية والعنف على النحو الذي يضر في النهاية كل مكونات المجتمع ، إي إن إقدام أي طرف على استخدام الشبكات الاجتماعية على نحو سلبي يؤثر في نشر القيم السلبية من جهة ويؤثر على خلخلة السلام الاجتماعي من جهة أخري ويزيد من الاحتقان الاجتماعي والثقافي ويزيد من الهوة بين الفرقاء من جهة ثالثه .
      وأصبحت تستخدم الشبكات الاجتماعية في التأثير القيمي داخل المجتمع عبر بث حالة من الاغتراب الاجتماعي والتأثير السلبي على القيم الدينية أو قيم اجتماعية كقيم الأسرة والزواج والعائلة والجيرة ، وبرزت خطابات العنف والكراهية ضد الاخر ليس فقط ذو الطبيعة العرقيه والمذهبيه بل كذلك لاختلافات سياسية وفي حتى وجهات النظر حول بعض القضايا على النحو الذي اثر في تحول تلك الشبكات الاجتماعية الى ادوات للإقصاء والاحتقان وليس للانفتاح والتسامح وبناء الحوار ،واستخدمت منصات الشبكات الاجتماعية  في بث الكراهية والعنف ضد التنوع العرقي والمذهبي والديني داخل المجتمع على الرغم من وجود تلك المكونات قبل ظهور الانترنت والشبكات الاجتماعية .
وظهرت أنماط جديدة من الجريمة داخل المجتمع تعكس حالة التغير في القيم كجرائم العنف المنظم والعنف المجتمعي والتحرش  الجنسي واستغلال الأطفال والأعمال المنافية للآداب العامة ، وحتى بروز توجهات قيميه جديدة لدى فئة محدودة كالدعوة للإلحاد أو اعتناق مذاهب دينية مختلفة أو جديدة أو التحلل التام من قيود المجتمع وذلك في مقابل استقطاب أخر تقوده قوى التطرف والإرهاب ونشر الكراهية والاقصائية  .
وعلى الرغم من إن تلك قد تكون حالات فردية إلا إن طبيعة التواصل الاجتماعي تجعل منها قضية كبري نتيجة إلى التغطية الواسعة لها داخل الشبكات الاجتماعية ووجود آليات الإعجاب والمشاركة بما يعمل على زيادة تأثيرها ، وتحولها إلى مادة خبرية للصحف والفضائيات بما يعمل على اتساع نطاق التأثير من الانترنت إلى الشارع .ولعل فهم منظومة التغيير في القيم ثم السلوك وتعلم تكتيكات التجنيد كانت من ضمن التطبيقات الابرز من قبل الجماعات الارهابية لجذب الشباب عبر الشبكات الاجتماعيةحيث ارتكزت على ثلاثة مراحل تعلقت "الأولى  منها بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية او البحث عن عالم مثالي لا يمت للواقع بصلة كفكرة "الخلافة"او" المدينة الفاضلة "، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر كافة الوسائط الاعلامية .
وفي المرحلة الثانية،ترتبط بالتأثير المعرفي عن طريق دور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية.وفي تلك المرحلة تتحول الصفحات والحسابات على شبكات التواصل الى بوقا للتطرف ونقل وجهات النظر الاحادية  تجاه الاخر .
وتأتي المرحلة الثالثة والتي هي أخطر المراحل،لأنها تعمل على تحويل الفكر الى سلوك عن طريق التغيير السلوكي لدى المنتمي ،وان يتحول من مجرد متعاطف الى فاعل والمشاركة الفعلية في التغيير بالقوة والعنف وهو ما يظهر في التغيير السلوكي ، وهي مرحلة تتم عبر المشاركة في ارض القتال الفعلي او القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ تحت دعوى رفعة الجماعه والانتقال الى العالم الافضل .  
وذلك الى جانب عدد من العوامل والمتغيرات لعل اهمها
[7]، ما يتعلق بأولا،البعد الجيلي: ان الشباب هم القاعدة العريضة من المجتمع السكاني وهم الاكثر استخداما للاعلام البديل والشبكات الاجتماعية  . وثانيا ، البعد المؤسسي :ضعف دور الأحزاب السياسية والمجتمع المني والمؤسسات السياسية في القيام بدورها كمؤسسات وسيطة ،وثالثا ،البعد التكنولوجي : الانتشار والدخول الكثيف لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات  وبخاصة بين الشباب ،رابعا ،البعد التنموي : ان الشباب الاكثر معاناة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والفجوة وعدم المساواة ،وخامسا ، تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودور العبادة والمدارس والجامعات والاسره ووسائل الاعلام ،وسادسا ، ضعف سيادة القانون وسوء حالة التشريعات القانونية القادرة على مواكبة تطورات العصر المعاناة من البطالة والفقر وضعف فرص العمل  

 الدور المطلوب في معركة العقول والقلوب

 لاشك ان عملية الدخول في معركة كسب العقول والقلوب لدى الشباب تتطلب ان يكون لدى وسائل الاعلام والقائمين على الاتصال والفاعلين الثقافيين وغيرهم القدرة  اولا على فهم دوافع هؤلاء الشباب للنزوع الى العنف وفهم السياق الاجتماعي والسياسي ،وتعزيز القدرة على طرح البدائل والحلول للمشكلات الاقتصادية ،ومن ثم فان تفعيل الخطاب الاعلامي في مواجهة التطرف يحتاج الى رؤية وإستراتيجية شاملة تعمل بشكل متوازي داخل الدولة وتشارك فيها كافة المؤسسات المعنية بالشباب والثقافة وبالإعلام والمؤسسات الدينية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وغيرها ،والعمل على تحديث المنصات الإعلامية لمؤسسات الدولة للعمل على مخاطبة الشباب بشكل أسرع ، ومواجهة خطابات التحريض والكراهية بالمعلومات الصحيحة ، والارتباط المباشر بين المسئولين  والشباب ومعرفة احتياجاتهم ومشكلاتهم ، ان ترك الساحة خالية امام تسويق الخطاب المتطرف يقع على مسئولية مؤسسات الدولة ،ومن ثم فان الدور المنوط بها يجب ان يرتكز على ملئ الفراغ سواء عند الشباب او في وسائل الاعلام التقليدي او الالكتروني .
إن تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات لمن الأهمية بمكان يجعلها هي أساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات ووقف تدهور الطاقة البشرية وقيمة الوقت للعمل على استخدام الاعلام  في احداث تغيير قيمي ثم سلوكي على النحو الذي يؤدي الى تعزز القيم المحفزه على التنمية مثل قيمة  العمل والانجاز والتطوع ،أن من شأن  طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي إذا ما جري استخدامها في مجتمع صحي إن تساهم في الحوار البناء والتعاضد الاجتماعي وتعزيز ثقافة التسامح إلى جانب تنمية رأس المال الاجتماعي والذي من شأنه إن يحول تلك العلاقات المتكونة عبر الشبكات الاجتماعية إلى حالة ايجابية يتم توظيفها في المجال الاقتصادي وتنمية الإبداع والابتكار.
 ويجب إن يتم الدفع بالترادف بتيار مدني قوي عبر تنشيط دور المنظمات الأهلية والمؤسسات الثقافية ،ودعم الاهتمام بتنوير الشباب والمواطنين ورفع الوعي والمعرفة  وتحديث الدور والأدوات والآليات من اجل مواكبه التغير في التحديات وتعزيز فرص الاستفادة من الثورة المعلوماتية والاتصالية .ولا شك إن العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله وبخاصة إن الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعة بشكل عام،ومن ثم فان العمل على تحسين الدخول والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية ولا ينفصل ذلك عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة وخاصة بين الشباب وهم الكتلة الحرجة داخل المجتمع وهم الأكثر استخداما لها والأكثر ناشطيه ومعاناة  في نفس الوقت من ظروف الواقع المعاش.
إن عملية إنقاذ الفرد و المجتمع والدولة من تدمير القيم الاصيله عبر تلك الوسائط الإعلامية الجديدة تتطلب  ان يكون الشاب هو منصة الانطلاق في تلك المواجهة وتعزيز ثقافته العامة ،ورفع مستويات الخطاب الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية ليكون لها الدور الحاضن للشباب ،واهمية ان تلتزم وسائل الاعلام بالشفافية والمصداقية في طرح المعلومات ، وتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع،وذلك لان ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر التعرض للخطاب المتطرف  .  وذلك من خلال العمل على تحديث الاطار التشريعي المنظم لوسائل الاعلام التقليدية وتلك الخاصة بالاعلام الالكتروني ، وتبني تشريعات لمواجهة الجريمة الالكترونية ونشر الكراهية والعنف عبر وسائل الاعلام ، وبخاصة في ظل مجتمعات تمر  بحالة انتقالية مثل المجتمعات العربية .

وهوما يستتبع اهمية دور الدولة بالتعاون مع غيرها بالتنسيق في الرؤى والخطط في المكافحة لهو امر هام وحيوي في طريق النجاح لمكافحة التطرف والعنف ،حيث انه لا يمكن ان تقود الجزر المنعزلة حربا منفردا ضد الارهاب والتطرف بل ان تتم في اطار التعاون الشامل والامين والمهني في المكافحة .واهمية ان يتم رصد ظواهر الارهاب وكشف الفاعلين والمتورطين وطبيعة الممارسات الامنية ضدهم امام الراي العام،وكشف زيف افكارهم  وخطابهم المتطرف ، والعمل على تحسين القدرة على مواجهة العمليات النفسية عبر وسائل الإعلام عبر تعزيز الامن الفكري .والعمل على  تشجيع روح الاعتدال والوسطية والحوار الهادئ والتسامح وقبول الاخر ، سواء داخل المؤسسات التعليمية او الثقافية او الدينية ، والعمل على تغيير المناهج التعليمية بشكل يجعلها قائمة على الفهم والنقد البناء وليس الحفظ والتلقين للمساهمة في خلق جيل جديد قادر على بناء الحوار والفهم والذي هو ركيزة لتنمية الإبداع والابتكار عند الشباب والذين هم عماد الامة وأساس نهضتها الحديثة .والعمل على تعزيز التكاتف الشعبي مع المؤسسات الأمنية في مكافحة الإرهاب و إطلاع الرأي العام  على حجم المخاطر الناتجة عن ظاهرة الإرهاب ،ورفع الوعي باتخاذ كافة التدابير اللازمة في مواجهة التطرف والعنف ، والعمل على تعزيز قيم المواطنة والعمل والوقت لدي الشباب باعتبارها قيم لازمة للنهضة الاجتماعية والاقتصادية.
تعزيز قدرة وسائل الاعلام في  اكتساب الأفراد -خاصة الشباب- جملة من الخصائص السلوكية ،والاجتماعية ،وذلك من خلال العديد من المؤثرات والحوافز والدوافع ،ويمثل الإعلام منصة هامة وضرورية للعمل على تنوير الراي العام ،وتحديد أوليات المجتمع في مجال التنمية ، وغربلة القيم المحلية التقليدية بشكل يجعلها قادرة على تعزيز التنمية والتقدم ، ومن جهة اخري أهمية العمل على تفسير السياسات والتطبيقات التي يقوم بها صانع القرار امام الراي العام بما يجعله شريكا سواء بالمراقبة او بالمساهمة الفعلية في عملية التنمية    والتي تحتاج الى وعي جماهيري –شعبي  .
*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


[1]آرثر آىسا بيرجر ،وسائل الاعلام والمجتمع :وجهة نظر نقدية، ترجمة ، صالح خليل ابو اصبع ، سلسلة عالم المعرفة، العدد 386، مارس 2012 ، ص ص 35

[2]تعريف القيم لغه واصطلاحا ، موقع "موضوع" ،  https://mawdoo3.com، اخر زيارة 2/9/2018

[3]محمد جكيب،أزمة القيم في عصر الإعلام،قضايا فكرية،مجلة حراء ،,العدد 61, 05/08/2017,، 

[4]عادل خميس الزهراني،هل يغير الإعلام الجديد في منظومة القيم الاجتماعية؟مجلة المدينة ،السعودية ، 18 / 05 / 2017

[5]محمد مصباح، الإعلام الجديد: العولمة وتحدي "خصخصة" القيم،  قسم الدين وقضايا المجتمع الراهنة ·، مؤسسة مؤمون بلا حدود،  مارس 2014

 [6]د. خالد حربي،الإعلام الجديد.. تحدي القيم، المجلة العربية ، 14/8/2015

 [7]عادل عبد الصادق ، الفضاء الالكتروني والراي العام :تغير المجتمع والادوات والتاثير ، قضايا استراتيجية ، المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني ،العدد 12،  2013

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>