تطبيق تحدي الشيخوخة والهروب الى الامام

13-07-2019 10:28 AM - عدد القراءات : 2499
كتب د.عادل عبد الصادق*
تعد البيانات الشخصيه من اهم الموارد التي تتصارع عليها الشركات والدول من اجل عمليه الاستحواذ والمعالجه لها وتحويلها الي قوه وانتشار واتساع حجم الاسواق . ومن ثم يتم نشر التطبيقات والخدمات المجانيه كمنصه للوصول والتمكين
تطبيق تحدي الشيخوخة والهروب الى الامام

انتشر تطبيق يقوم فيه المستخدمين للاشتراك لمعرفة شكلهم بعد عشرين سنه وجاء ذلك بعد انتشار دعوات اطلقت من قبل لتحدي العشر سنوات عبر قيام المستخدمين بنشر صورة قديمة وحديثة لهم ، وبدون ان يدري ملايين المستخدمين المشتركين انهم قد خضعوا بالفعل لتجارب حول تطبيقات خوارزيميات الوجه والتي يتم من خلالها تحديد بصمه وملامح الوجه بدقه وحجم ومدى التغير وعلاقته بالتقدم في العمر وغيرها من عناصر يتم تحويلها الي أرقام يتم توظيفها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ،وياني ذلك كجزء من البيانات البيومتريه او البيوتقنيه.والتي تشكل الهويه الرقميه للفرد والتي من المتوقع ان تكون اساسيه لتحديد هويه الافراد وتقديم الخدمات . والمدهش في الأمر ان مساهمه المستخدمين في تلك التطبيقات جاءت بارادتهم الحره في ان يكونوا "فئران تجارب" لشركة الفيسبوك والتي تتشارك تلك البيانات المستخلصه مع "الطرف الثالث " المتمثل في شركات اخري يتم التعاقد معها للقيام باجراء ابحاث ودراسات على المستخدمين ذات طبيعة نفسية او اجتماعية او سياسية او اقتصادية .
وتعكس ذلك الظاهرة والاقبال عليها مؤشرات اخري يمكن ان يتم ترجمتها وتفسيرها على اسس عمرية او جيلية او مناطقية ، او الحالة النفسية من خلال انتشار موجه التقليد دون وعي بالدوافع الخلفية وراء ذلك ، ومدى خطورة ذلك على خصوصية المستخدمين ، والذين اصبحوا في وضع "الاختراق العميق" ليضاف الى الكم الهائل من البيانات الشخصية الموجوده بالفعل في مراكز بيانات شركة الفيس بوك من جهة وبقاء واستغلال الصور الشخصية في خوادم الشركة المالكة لتطبيق FACEAPP وبدون ضمانات للحماية ،ووجود تطبيقات اخري شبيه يتم فيها خداع المستخدم للحصول على البيانات الشخصية.
 وتقيس تلك التطبيقات حجم انتشار الشائعات او سياسة القطيع او مدى التقدير للذات ، ويعكس حجم المشاركة في تطبيق الوجه بعد عشرين سنة الرغبة في الهروب الى الامام بعد قياس الرغبة في العودة الى الماضي،وعلى الرغم من جاذبيه الفكرة ، فقد اصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تساهم في تشكيل الوعي بالذات وبالمستقبل ، وبرؤيته المستخدم لنفسة ورؤية الاخرين له ، وبالتاكيد على الرغم من الانتشار لتلك الظاهرة الجديدة الا انها لا تعكس الواقع بالضرورة ، وتساهم من جهة اخري في المزيد من الاستحواذ على البيانات الشخصية للمشتركين ، وتنشيط اخرين للدخول الى ان تصبح بياناتهم سلعة يتم الاتجار بها بدون قدرة صاحبها على الاستحواذ عليها او استرجاعها او او منع بيعها استغلالها من قبل طرف ثالث .
ومن ثم تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تقودها شركة الفيس بوك مع شركات اخري الى المزيد من التنميط ليس للفكر وحدة بل للشكل كذلك ، وهو خطورة التحول الى نسخ مكرره في الشكل والسلوك ووضع مقياس واحد للجميع في بيئة هي بالاصل مختلفة، ويزيد من خطورة ذلك غياب العقل النقدي والوعي الكافي بالتصرفات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ،
فيعني تحول الالاف او الملايين من المستخدمين الى نزلاء في دور المسنين انهم بصورة اخري يهربون من الواقع الى الخيال ومن قبول الذات الى ترك الفرصة للاخرين لتشكيله ، ومن الامل في الغد وفي المستقبل الى الوصول الى مراحل الياس والشيخوخه ،وهو توجه قد يعكس حالة من الاحباط وعدم القدرة على الاشتباك مع الواقع ، وترك المحطات الاولي من حياة الانسان للوصول الى المحطة الاخيرة ، وتستخدم الشركات تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال عملية الاستثمار في الحنين الفطري لدي البشر للعودة الى الماضي أو للتطلع نحو المستقبل لتحقيق الاهداف الخاصة ، من خلال اللعب بعملية التحول من الميل الى الاستغراق في الماضي الى الاستغراق في تصور شكل المستقبل ، وكلا الاتجاهين لا يحملان بالضرورة رؤية واقعية للحاضر ،
و قد يكون تطبيق تحدي الشيخوخة لعبة مسلية وجذابة ولكنها تحمل أثار سلبية على مستقبل حماية البيانات الشخصية للمستخدم بشكل فردي وتزداد اهميتها في حالة التحليل الجماعي واسع النطاق للمجتمعات ومعرفة تطلعاتهم ورؤيتهم ، وهو ما يعمل على تعزيز القدرة في النفاذ في مكامن التاثير والتغيير للقيم والسلوك معا ،وهو ما يتم الاستثمار فية لتحقيق ارباح ومكاسب تجارية وامنية وبخاصه في ظل تصاعد العلاقه بين الدول والشركات التكنولوجيه ،
ويتيح ذلك للشركات ليس فقط القدرة على تفسير السلوك الانساني بل التنبؤ كذلك بالمستقبل وبخاصه مع وجود ذلك الكم الهائل من البيانات الشخصيه منخفضه التكلفه والمنتجه اما عبر تطبيقات التحليل الاستخباري للمحتوي او عبر التجسس والاختراق او عبر الاستحواذ الطوعي من قبل المستخدمين .
وتبقي حقيقة ان تطبيقات الذكاء الاصطناعي تخضع لعمليات محوسبة "خوارزميات "ويغيب فيها العامل الانساني او البشري في التفسير والتحليل بالرغم من الفارق في القدرات والانجاز. قد يري البعض ان الامر بسيط ولكن حبات الرمل المتراكمه تصنع جبلا من البيانات الشخصيه القابله للتعدين والتنقيب والمعالجه والتي تتحول الي قوه في النفوذ والثروه والتأثير لمن يمتلكها ويستخدمها . وربما يعكس انتشار تطبيق تحدي الشيخوخه الرغبة من جهة اخري في الهروب لملاقاة الله !!!



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>