معركة كشف الأخبار الزائفة بين «الأسلحة اليدوية» والذكاء الصناعي

24-04-2019 08:11 AM - عدد القراءات : 793
كتب الشارقة: رنيم حنوش - لندن: «الشرق الأوسط»
في عصر تضخ قنواته الإعلامية العالمية بشتى أنواع الأخبار، وفي عصر منحت التكنولوجيا الحديثة، الحياة الجديدة لفنون الدعاية السياسية وأساليب قلب الحقائق والتزييف، تواصل وكالات الأخبار العالمية المرموقة بث التقارير من مختلف مدن العالم، وتحاول جاهدة المحافظة على سمعتها المهنية خالية من أدنى درجات التحيز، أو الوقوع في نشر أخبار كاذبة أو مغلوطة.
معركة كشف الأخبار الزائفة بين «الأسلحة اليدوية» والذكاء الصناعي

إن الانتشار الكبير للوكالات في وسائل الإعلام العالمية، بما في ذلك الصحف، ومحطات البث الإذاعي، والوكالات والهيئات الحكومية المختلفة يقتضي منها أن تلتزم جانب الطمأنينة والدقة فيما تنشره في الوقت الذي تواجه الثقة الإعلامية مختلف أوجه التهديد.

إلى ذلك، أعلنت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية (أ.ب) اقترابها من تطوير وإطلاق أحدث أدواتها للتحقق من صحة الأخبار عن طريق توظيف الذكاء الصناعي تحت اسم «أ.ب فيريفاي» (AP Verify).

وكشفت آنا جونسون، مديرة الأخبار في منطقتي أوروبا وأفريقيا لدى الوكالة، في تصريحات صحافية نهاية الشهر الماضي، عن أن أداتها الجديدة تستند إلى التكنولوجيا السحابية وتستفيد من إمكانات تقنيات الذكاء الصناعي المتطورة للتحقق الفوري من – أو الكشف العاجل عن – الآلاف من فيديوهات المستخدمين التي تخضع لفحص صحافيي الوكالة بصفة أسبوعية.

برنامج التحقق لدى الوكالة يجمع بين تقنيات التعرف البصري والتعلّم الآلي لأجل إجراء التقييمات اللحظية السريعة لفيديوهات المستخدمين قبل نشرها. وظلت تلك الأداء الجديدة قيد الاختبار منذ عام 2017، عندما حازت الوكالة الموافقة على تمويل الأبحاث بشأنها كجزء من مبادرة «غوغل» لدعم الأخبار الرقمية.

وفي ظل تزايد احتمالات الفيديوهات المزيفة حديثاً (من الجمع بين تقنيات الذكاء الصناعي مع اللقطات الفعلية لأحد الأشخاص بغية الخروج بمقطع مزيف تماما)، تقر جونسون بأنّ التلاعب بالمحتوى الذي يبدو أكثر واقعية بات أسهل ما يكون عن ذي قبل.

لكن يمكن استخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي على قدم المساواة من أجل الصالح العام وذلك من خلال بناء ثقة الرّأي العام في محتويات وكالة «أسوشييتد برس» الإخبارية، ومن ثم في وسائل الإعلام الإخبارية بصفة عامة.

وتعتقد جونسون أنّ المقدرة على تطبيق تكنولوجيا الذكاء الصناعي للتحقق من فيديوهات المستخدمين من شأنها الإسراع من عملية الإبلاغ عن الأخبار العاجلة وإنقاذ الصحافيين من عبء مراجعة المحتويات الهائلة للغاية من فيديوهات المستخدمين. وهي تقول عن ذلك: «تساعد تلك التكنولوجيا في تنقية الضوضاء من الفيديوهات، وإزالة الإطناب والأجزاء التي لا تستحق الاطلاع عليها. ونحن نواصل البحث عن الوسائل المبتكرة لتسريع المراجعة، وجعلها أكثر بساطة وفاعلية؛ حتى يتمكن الصحافيون من التركيز فعلاً على التقارير الإخبارية ذات المغزى والأهمية».

واتفقت معها ليسا غيبس، مسؤولة الذكاء الصناعي لدى «أسوشييتد برس»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عند التقائها في أبريل (نيسان) 2018؛ إذ قالت: إن «الطريقة اليدوية للتحقق اليوم من قِبل الصحافي تتضمن بحثه عن مصدر المعلومات وتاريخ نشرها ومكان النشر أيضاً، خصوصاً عند التأكد من صحة الصور. لكن، أصبح من الممكن اليوم من خلال التكنولوجيا المتوافرة بناء أداة تختصر العملية الشاقة على الصحافي وتنجز المهمة بوقت أقل».

وأضافت غيبس: «قد نعتبر تجهيز أنفسنا بالتكنولوجيا معركة تسليح بين قوى الخير الصحافية وطاقات الأخبار الكاذبة»، مشيرة إلى أن «كل حقبة إعلامية زمنية تشهد تغيرات تكنولوجية تربكها أو تعطلها، لكن المعايير التحريرية والمهنية يجب أن تظل ثابتة بغض النظر». وأكدت على أهمية الوفاء لمعايير المهنة بقولها: «يتوجب علينا أن نعمل معاً لنحرص على تطوير طرق تبرز عملنا وتمنحنا القدرة على الكشف عن المعلومات المغلوطة بسرعة، وبإمكان تقنيات الذكاء الصناعي مساعدتنا على ذلك».

قد يكون الذكاء الصناعي هو الخلاص من أعباء تدقيق وتصفح مواد ومقاطع فيديو مهولة، إلا أن غرفة أخبار قناة «آر تي إل» الألمانية سلّحت نفسها ضد الأخبار الكاذبة بنجاح بأدوات غير مكلفة، ودربت صحافييها على استخدامها. هذا ما كشفه أندرياس غراول، المشرف على وحدة التحقق من الأخبار لدى القناة، بقوله: «لا نستخدم التكنولوجيا المتطورة الباهظة الثمن للتّحقق من الأخبار، بل نعتمد على ما توفره لنا القناة مثل أداة (reverse image search) التي لا تكلف أكثر من 300 دولار». وأضاف غراول لـ«الشرق الأوسط» على هامش ورشة عمل «إنيكس» خلال فعاليات الدورة الثامنة من منتدى الشارقة الدولي للاتصال الحكومي: «منذ بدأنا هذه الوحدة عام 2016 لم نقع في أي فخ ولم نخطئ إلى الآن».

الوحدة جرى تأسيسها بعد اعتداء ميونيخ الإرهابي في يوليو (تموز) 2016. يستذكر غراول ذاك اليوم الدامي الذي عانت منه ألمانيا بقوله: «كان (تويتر) متفاعلاً، وكان مصدرنا الرئيس لأن مراسيلنا في ميونيخ كانوا ممنوعين من التنقل لأسباب أمنية». وأضاف: «اضطررنا إلى الاعتماد على ما كان ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، واحترنا في غرفة الأخبار حول مصداقية ما يتم مشاركته وما هي الأنباء التي بالإمكان أن ننقلها». ووفقاً لغراول، وسط الزحمة والضياع التي حلت في غرفة الأخبار، تقدم رجل من قسم الأرشيف وتبرع بخدماته للتحقق من الأنباء المتواردة، وتسلم دفة القيادة. تحقق هذا الرجل الذي لطالما عمل في الإعلام التقليدي في قسم الأرشيف من الكم الأكبر من الصور مؤكداً مصداقيتها، أو زيفها. مهاراته الدقيقة في الأرشفة أفادته والقناة في عالم التواصل الاجتماعي، واستطاع الكشف عن صور وأنباء مزيفة تم تداولها لم تكن من الاعتداء الإرهابي، كما استطاع الكشف عن حسابات زائفة.

وبعدها شرح غراول: «عقب واقعة ميونيخ، نظم زميلي في الأرشيف ورشة عمل لتدريب كادر القناة على التعامل مع أحداث مستقبلية في مجال التحقق، وكنت في الدفعة الأولى». واستطرد: «وسّعنا شبكتنا على مدار السنوات الثلاث لنتعاون مع مجموعة (انيكس) العالمية و(آر تي إيه) في لكسمبورغ، وأصبحنا ندير ورشات العمل لتدريب الصّحافيين والطّلاب على مهارات التحقق من الأخبار والصور».

مهنة «خبير التحقق» أصبحت رائجة في غرف أخبار المؤسسات الإعلامية الألمانية، لكن غراول يعتقد أنّ المهارات التي يمتلكها هذا الخبير، مهارات أساسية يجب أن يمتلكها أي صحافي خلال عملية البحث لكتابة القصة، لكن الفرق توظف أدوات إلكترونية قد لا تكون مألوفة للجميع.

هناك الكثير من الأدوات المجانية على الإنترنت تساعد الوحدة في عملها، فعلى سبيل المثال، يعتمد غراول وزملاؤه على «ويكيمابيا» للتّحقق من أسماء ومواقع المناطق الجغرافية العربية، إلى جانب أدوات مماثلة تساعدهم في ترجمة إشارات المرور في الصور. وأضاف: «لدينا أيضاً شبكة من الشركاء نتواصل ونتعاون معهم، خصوصاً في قضية اللجوء إلى أوروبا، استثمرنا في بناء علاقات مع بعض اللاجئين الصحافيين الذين قدموا واستفدنا من خبراتهم والمامهم».

وعن أداة «أب» التي تعتزم الوكالة إطلاقها، قال: «لو نجحت الأداة قد نوظفها نحن أيضاً، لكن سنضطر إلى تغطية قضايا محلية وداخلية بالآلية الحالية، والتطور التقني لن يلغي أهمية عملنا، بل سيساهم في تحسينها».

- ليست كل الأخبار الخاطئة... كاذبة

> «الأخبار الكاذبة»... مصطلح أصبح فضفاضاً، وأداة بأيدي الساسة لتغريم الصحافيين وانتقاد عملهم، عندما يفيدهم اتهامهم بالزيف والتحريف. لكن، ليست كل الأخبار المتداولة، الخاطئة هي كاذبة، من شأنها الأذى.

- الأخبار الساخرة: قد تكون الأخبار المنشورة ساخرة، وقد يسيء فهمها المتلقي ويظن أنها حقيقية.

- السياق الخاطئ: قد يكون المحتوى ذا مصداقية، إلا أنه قد يستخدم في سياق مختلف؛ ما يجعل الخبر غير دقيق.

- الارتباط الخاطئ: قد يكون العنوان أو الصور المصاحبة للخبر لا تعبر عنه.

- المحتوى الدخيل: عندما يقوم أحدهم بانتحال مصدر حقيقي؛ ما يؤدي إلى نشر أخبار مغلوطة.

- المحتوى المتلاعب به: عندما يتم التلاعب عمداً بصور حقيقية لخداع الوكالات والمؤسسات الإخبارية.

- المحتوى المفبرك: عندما يتم تداول محتوى مزيف كلياً من شأنه الأذى وخداع الصحافيين.

لذا؛ أمام الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام مهمة التحقق من الأنباء الواردة، لكن بعض التحديات أمامهم.

- ثقافة الإعلام الإلكتروني: هذا تحدٍ يواجه الصحافيين من الأجيال التي تعتبر التطور التكنولوجي دخيلاً على حياتها، واعتادت العمل في غرف أخبار تقليدية، لكن الحل قد يكون مجرد دورات في هذا المجال.

- التكتلات الإلكترونية المغلقة: تطبيقات مشفرة مثل «واتساب» و«تلغرام» قد توفر حيزاً سرياً لإنتاج أخبار زائفة، يصعب الوصول إلى مصدرها والتحقق من صحتها.

- إساءة استخدام التكنولوجيا: بغرض التضليل أصبح من المتاح توظيف التكنولوجيا التي كانت يوماً حكراً على هوليوود فقط لتزييف الفيديو وفبركة الصور. هذه التكنولوجيا تمكن مستخدميها من تغيير الوجوه، والأماكن، والصوت.
 


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>