هل تقود مصر الفضاء الافريقي من الهيمنة الى الاستقلال؟

28-03-2019 05:46 AM - عدد القراءات : 797
كتب د.عادل عبد الصادق* مجلة الدبلوماسي ،مارس 2019 ،وزارة الخارجية المصرية
شهدت مصر خلال شهر فبراير اطلاق القمر الصناعي المصري الى جانب فوز مصر باستضافة وكالة الفضاء الأفريقية، حيث اتخذ المجلس التنفيذى للاتحاد الأفريقى، قرارا باستضافة مصر لوكالة الفضاء الأفريقية.وهو ما يعبر عن ثقة اولا في الدور المصري ،وثانيا اعطاء الثقة فى قدرة الوكالة على خدمة القارة بأسرها على صعيد تكنولوجيا الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، وهو الامر الذي يساعد في دفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الأفريقية، وفقا لأجندة أفريقيا 2063.
هل تقود مصر الفضاء الافريقي من الهيمنة الى الاستقلال؟

 وعلى المستوى الدولي طرأت  العديد من المتغيرات التي تعبر عن تصاعد الاهتمام الدولي بالفضاء الخارجي والى تكالب القوى الكبري على توظيف الفضاء الخارجي لتحقيق اهداف استراتيجية على حساب قارة افريقيا ، ومن جهة اخري تصاعد المخاوف بشأن المزيد من عسكرة الفضاء الخارجي وتاثير ذلك على الامن الدولي.

والأمن الجماعي الدولي ،وبخاصة في ظل تحول الفضاء لساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ، إلى جانب حالة التعدد في الفاعلين والتصاعد في التأثير جراء ثورة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة في ظل حالة الاستخدام المزدوج للفضاء الخارجي،.

،ومن ثم نشب صراع محموم  من اجل الاستحواذ علي " القوة الفضائية " بين القوى الكبري في النظام الدولي.والتي ارتكزت بدورها علي  نظرية "جيمس أوبرج ".والتي تعبر عن 'حاصل جمع  القدرة التكنولوجية،والسكان،والاقتصاد،والصناعة،والقوة العسكرية،وإرادة الدولة وغيرها من العوامل التي تسهم في دعم إمكانيات الدولة علي ممارسة الإكراه،أو الإقناع أو ممارسة التأثير السياسي علي أعمال الدول الأخري،بغرض الوصول للأهداف الوطنية من خلال القدرات الفضائية.

ومن ثم تسابقت العديد من الدول في تبني مشروعات وطنية للفضاء الخارجي او بالتعاون مع القوى الكبرى الحليفة ،وحظيِ الاستخدام العسكري والسلمي للأقمار الصناعية باهتمام كبير بالنظر إلي دورها في حماية الأمن القومي والرخاء الاقتصادي ،وبخاصة دورها في التكتيكات الحربية،والتجسس ،وتأمين نظام الملاحة الجوية،والإنذار المبكر،وفي مجال الاتصالات وبخاصة الانترنت،والبث الإذاعي والتليفزيوني،والاستشعار عن بعد،والأرصاد الجوية،والملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي. 

وعلى الرغم من ذلك فقد بدت مؤشرات تكشف عن تصاعد الاتجاه نحو عسكرة الفضاء الخارجي سواء عبر تطوير قدرات عسكرية في الفضاء او في تطوير أسلحة فضائية يكون من شأنها ان تحمل معها احتمال تعرض أي دولة تمتلك"قوة فضائية" للهجوم ،أو أن تصبح هدفا لهً في حالة النزاع المسلح ،وهو ما يكون له تأثير يتجاوز طرفي او اطراف الصراع المفترضين ،وإصابة  كافة أنظمة الاستخدامات السلمية،وهو الأمر الذي يكون له تداعيات ذات طبيعة سياسية واقتصادية وأمنيه على المجتمع الدولي قاطبة.

وهو الامر الذي فرض على القارة الافريقية بان يكون لها دور في صياغة السياسات العلمية المتعلقة بالفضاء الخارجي على اعتبار انها من اكثر المتضررين  سواء عبر التوظيف العسكري للفضاء الخارجي او عبر التوظيف التجاري والاقتصادي ، وهي مقدرات استراتيجية للشعوب الافريقية ، ومن ثم جاء مشروع  انشاء  وكالة الفضاء الإفريقية والتي رأت النور بعد ما يزيد عن ثماني سنوات من الجهود المضنية التي قادتها مصر ، ادراكا من ناحية لدورها والتزامها المعنوي تجاه القارة ، ومن جهة اخري  تعزيزا لان يكون الفضاء الخارجي منصة التعاون المشترك .

وبدأ ذلك منذ  قرار وزراء الأرصاد الأفارقة دراسة إنشاء برنامج فضاء أفريقي ، بالتنسيق مع المفوضات والجهات المعنية، وشكلت مفوضية العلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي مجموعة عمل من بعض الدول الأفريقية المهتمة بمجال الفضاء ، لإعداد رؤية مبدئية للسياسات والاستراتيجيات الفضائية في أفريقيا.

وتكثفت الجهود في هذا الصدد عبر عقد سلسلة من الاجتماعات ما بين عام 2012 لعام 2015 ، والتي اسفرت عن إعداد مسودة للسياسة والاستراتيجية  المتعلقة بالفضاء الأفريقي، وتم عرضها على مجلس وزراء البحث العلمي الأفارقة ، وتقدمت مصر - التي استضافت ثلاثة اجتماعات من اجتماعات مجموعة العمل - بطلب لاستضافة وكالة الفضاء الأفريقية  في  القمة الإفريقية  والتي عقدت في يناير 2016.

و بعد إقرار سياسة واستراتيجية الفضاء الأفريقية من جانب اللجنة الوزارية الفنية المتخصصة للتعليم والعلوم والتكنولوجيا ، وصدر قرار المفوضية بتكليف قسم الموارد البشرية والعلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي بالعمل مع مصر؛ لدراسة الجوانب القانونية والمالية، الخاصة بتنفيذ سياسة وإستراتيجية الفضاء بأفريقيا، وإنشاء وكالة فضاء أفريقية ،ووأهمية بحوث الفضاء لأفريقيا في دعم الأمن القومي والأمن الغذائي والتنمية ، والإنجاز الذي حققته القارة الإفريقية من إعداد سياسة وإستراتيجية للفضاء ، وأهمية إنشاء وكالة فضاء أفريقية لتحقيق أهداف القارة .

وجاء ذلك بفعل المقومات التي تتمتع بها مصر الى جانب الدور التاريخي لمصر في القارة الافريقية  ، وقيامها باحراز تقدم في مجال صناعة الفضاء الخارجي عبر الانتهاء من الموافقة على انشاء وكالة فضاء وطنية ، وتعتمد العديد من الدول الافريقية على الدعم والتعاون الدولي في تدشين برامجها الفضائية مثل دور الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا .

وكانت مصر قد اعلنت عن اطلاق قمرها الصناعي  "اجيبت سات A " في فبراير الماضي ، واعلان  روندا اطلاق اول قمر صناعي لتقديم خدمة الانترنت في 3 مارس 2019 ، واطلقت أنجولا أول قمر صناعي للمواصلات "أنجوسات" ، وشهد عام 2017 اطلاق العديد من الأنشطة الفضائية بالنسبة للقارة الأفريقية، حيث أطلقت أربعة أقمار صناعية تابعة لدول منتمية لهذه القارة. وأصبحت أنجولا سابع دولة أفريقية تملك آلة ذات مدار ثابت فوق الأرض بعد المغرب وغانا .

ويضاف ذلك الى التطور الذي قدمته اربع دول افريقية اخري  في مجال الاقمار الصناعية وهي الجزائر ومصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا.

وتمثل الاستخدامات المدنية للاقمار الصناعية محط انظار القارة الافريقية  الى جانب الاستخدامات الامنية ،وذلك من خلال دورها في نمو الروح الوطنية و تعزيز المكانة الدولية ، والمساهمة في تنمية الوعي باهمية العلم والتكنولوجيا كاساس للتقدم ، وهو ما يمنح الشعور بالفخر لدي الشباب الافريقي ،والاستجابة لطموحه وكفاءاته وإمكانياته ، وتساعد الاقمار الصناعية في مواجهة الاثار السلبية للتغير المناخي والتصحر ومكافحة الهجرة والارهاب .وتوفر قاعدة اقتصادية  افريقية يكون لها  رؤية طويلة المدى وفي نفس الوقت تسعي  لامتلاك التكنولوجيا الحديثة لجميع دول القارة ،وهو ما يصب في نمو الصناعات الفضائية داخل القاره الافريقية وهو ما ينعكس بشكل ايجابي في النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة .

 والاهم من ذلك تطوير برامج فضائية وطنية وبخاصة ان القارة تستهدف بالاساس تحقيق التنمية والتعاون الدولي المعزز لبناء القدرات الوطنية ، وبخاصة في ظل ليس فقط تكالب الدول الكبري بل  تكالب الشركات الدولية الخاصة لاطلاق اقمار صناعية للاتصالات داخل القارة وبخاصة الانترنت مثل مشروع شركة جوجل وشركة الفيسبوك  وشركة "سبيس اكس " فضلا عن الاقمار الصناعية التي تمتلكها القوى الكبري .

وكان الاتحاد الافريقي قد اعتمد  في 2016،   "السياسة والإستراتيجية الفضائية الأفريقية" لتطوير البرامج الفضائية ودعمها ماديا ودفع التعاون في هذا المجال وبخاصة في ظل تضاعف الطلب الإفريقي على الترددات في كل عام، متخطيا سعة شبكة ألياف الاتصالات الأرضية، وتشجيع  شركات تشغيل الأقمار الصناعية التجارية على إطلاق المزيد منها.

وكان من المتوقع على نطاق واسع أن ينهي وصول الكابلات البحرية إلى شواطئ شرق إفريقيا قبل خمس سنوات فحسب، حقبة اتصالات الأقمار الصناعية التي ظلت لعقود حلقة الوصل الوحيدة للمنطقة بالعالم الخارجي.

لكن ما يحدث هو العكس، حيث تبدد عوامل الجغرافيا السياسية للقارة -وبخاصة وجود عدد كبير من البلدان الحبيسة مثل زامبيا وجنوب السودان ورواندا.

وتبقى الأقمار الصناعية الوسيلة المثلى لمد شبكات الاتصالات إلى أعداد غفيرة من الناس وفي المناطق النائية والفقيرة وبخاصة انه ما زال مئات الملايين في القارة محرومين من شبكة الإنترنت ، وهم هدف استراتيجي من قبل الشركات الخاصة الدولية .والتي ان فلحت ستعمل على عزل تلك الشعوب والمناطق عن الانترنت المحلي وعن توجهات النظم السياسية الافريقية ، وهو ما يعرض مقدرات القارة الى الاستغلال والتوظيف السياسي والاقتصادي من قبل قوى خارجية جديدة .

والحصول علي المعطيات الفضائية للبلدان الإفريقية والتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية وكذا تحسين معرفة الموارد الطبيعية وإدارتها المستدامة".،وذلك الى جانب إقامة نظام لجمع المعطيات اللازمة للتوقعات الخاصة بالمحاصيل الزراعية والتحكم في تنمية المناطق الحضرية وقوع الكوارث الطبيعية معالجة وتحليل معطيات الأقمار الصناعية الواردة المساهمة في الميثاق الدولي "الفضاء و الكوارث القصوى" التابع للأمم  البلدان المعنية في شمال إفريقيا والساحل.

فعلي سبيل المثال في حالة نجاح اقامة  شبكة من الأقمار الصناعية الأفريقية في تقديم خدمة الإنترنت  بحلول عام 2035. سيؤدي ذلك الى التاثير السلبي على  شركة SpaceX الأمريكية ،و التي  تسعي الى تقديم خدمة الانترنت عبر  أقمارها الخاصة من بداية  عام 2019.

وتساعد وكالة الفضاء الافريقية  في توسيع دائرة الاستكشافات الفضائية وغيرها من أعمال الاستشعار عن بعد ، بما يعزز العمل الأفريقي المشترك لتطوير علوم الفضاء من خلال تكامل كافة الأبحاث التي تجريها الدول الأعضاء في الوكالة ، خاصة في مجال السيطرة على مصادر المياه الخاصة بالدولة، ودعم حماية الحدود وترسيم مشاريع تطوير المدن.

وتتيح وكالة الفضاء الأفريقية عملية  دخول القارة السمراء لـ " نادى الكبار" الذي يضم الدول التي تمكنت من امتلاك وكالات للفضاء ، مما يعزز انطلاق القارة بقوة نحو العالمية ، ومن الاهمية بمكان تعزيز قدرة الوكالة في  حماية الأقمار الصناعية لدول القارة في الفضاء الخارجي ، واستحداث ونقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء ، وامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية ، بما يخدم استراتيجيات دول القارة في مجالات التنمية والأمن القومى

فإن ما تتوقع الدول الأفريقية تحقيقه في الفضاء يمكن أن يؤثر في الأجندة الجيوسياسية للبلدان في آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا. بالنسبة لكل قمر صناعي ومركبة يتم إطلاقها ، ستتأثر مجموعة من الدول بشكل إيجابي وسلب. وبهذه الطريقة ، لا يغير الفضاء توازن القوى في أفريقيا فحسب ، بل قد يغير في النهاية مصائر بلدان بأكملها.

.وهو ما يفرض ضرورة البحث عن حلول وبدائل لمنع عسكرة الفضاء،واهمية التوصل الى معاهدات لمنع مضادات الأقمار الصناعية، والأسلحة المنشورة في الفضاء،وضمها الى اتفاقيات الحد من التسلح،الى جانب الإجراءات الطوعية التي قد تساعد علي بناء الشفافية والثقة المتبادلتين.وتفعيل اتفاقية عام 1976،واعتماد اتفاقية اخري للحد من التسلح في الفضاء الخارجي وان تقوم مصر ذلك بالتعاون مع دول القارة  ، وأهمية تعزيز دور الأمم المتحدة والمجتمع المدني العالمي والرأي العام والإعلام لفرض قيود على مثل ذلك التطور المدمر لأمن واستقرار المجتمع الدولي.

وعلى القدر الذي يتطلب ذلك ان تكون هناك قوة عملية وتكنولوجية سواء بالتعاون الدولي او من خلال بناء المشروعات الوطنية للفضاء الخارجي ،ومواجهة تحدي تحول الهدف من السيطرة علي القمر أو استكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية الى مجال لممارسة الهيمنة والسيطرة من جانب الدول الكبرى او بتحول الفضاء الى منصة للصراع والتنافس الدولي بدلا من ان يكون مجالا للتعاون والتكامل لخدمة الإنسانية.

 * خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>