بناء الجيش اليمني بين التحديات والفرص

09-03-2019 01:30 PM - عدد القراءات : 681
كتب د.عادل عبد الصادق*
أحرز "الجيش اليمني" خلال عام 2018 تقدما في مواجهة حركة "أنصار الله " سواء على مستوى العمليات العسكرية أو على مستوى قطع الإمدادات الخارجية،وفي ظل تعثر المسار السياسي لإنهاء الحرب الأهلية ،ورغم ذلك ما زالت فرص "بناء جيش وطني " تواجه بتحديات منها ذات طابع هيكلي وأخري ذات طابع خارجي ،والذي يعول عليه في حماية السيادة الوطنية وتعزيز عملية بناء مؤسسات الدولة .
بناء الجيش اليمني بين التحديات والفرص
اولا، ميراث ثقيل
تعاني اليمن  من تبعات ميراث  "الدولة الفاشلة "،وضعف مؤسسات الدولة،وعانى الجيش  إبان حكم " صالح" من مشكلات بنيوية،و ضعف في القدرات القتالية والتنظيمية،و تعدد الولاءات وعدم امتلاك عقيدة قتالية ،والتوظيف السياسي ،وأصبح منصة لشراء الولاء والدعم من القبائل والعشائر المقربة،وهو ما اثر سلبا في طبيعة الهيكل القيادي داخل الجيش ،
 وتم تطبيق ذلك فعليا  بعد حرب 1994 ،وبناء الحرس الجمهوري علي أساس مناطقي " غالبيتهم من مدينة "ذمار" بينما كانت قياداته من "سنحان" وتم إمداده بأقوى واحدث أنواع الأسلحة،فيما تم ترك الجيش تحت قيادة اللواء علي محس الأحمر  بأسلحة قديمة،وتم إضعافه عبر  زجه في "الحروب الست " مع "الحوثي" في الفترة من  2004 الي 2010 .
وجاءت عملية انطلاق الاحتجاجات في 11 فبراير عام 2011 دافعة الى بروز مرحلة جديدة من حالة عدم الاستقرار ،والتي انتهت مرحلتها الأولي بمبادرة مجلس التعاون الخليجي بتنحية "صالح "عن السلطة ،وربط ذلك بعملية الانتقال السياسي والاصلاح الامني ،وتم تشكيل لجنة " الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار". والسعي الى إعادة هيكلة الجيش عام 2012 بموجب قرار مجلس الأمن.
ورغم ذلك لم تلعب المبادرة دورا محوريا في عملية الإصلاح والبناء وإعادة الهيكلة،وواجهت صعوبات تتعلق بمواجهة تصاعد البعد القبلي والعشائري وتأثيرهما على عملية التقدم في الإصلاح الأمني ،وتصاعدت من جهة أخري وتيرة التدخل الخارجي في الشئون الداخلية على النحو الذي أعاق جهود بناء الجيش والأجهزة الأمنية .
وفي مارس 2013 جاءت فرصة أخري للدفع بجهود الإصلاح بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته في يناير2014، للبحث في خطة لإعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية، ولكن قوبلت مخرجات الحوار بالرفض من قبل المكونات الأخرى وعلى رأسهم "الحوثيين".
ثانيا :جهود الإصلاح 
 في العام الماضي تم فعليا وضع نواة الجيش الوطني الجديد بعد تحرير العاصمة المؤقتة عدن،وتم ذلك  من خلال دمج عناصر المقاومة الشعبية في أجهزة الجيش والأمن، وذلك بعيدا عن الاعتبارات القبلية او الدينية ،واتخذت خطوات لمكافحة الفساد ،وإزالة  الأسماء الوهمية والمزدوجة،وترشيد الإنفاق وتأمين الاحتياجات والخدمات الأساسية. و الحافظ على سيادة الدولة والقانون و إنهاء الانقلاب "الحوثي" وتسليم السلاح ،وقيادة حوار وطني للبحث عن التوافق بشأن العديد من القضايا كقضية الشكل الاتحادي للجمهورية والقضية الجنوبية ،والعمل على الانتقال إلى مستقبل آمن بعد تنفيذ العدالة الانتقالية،وتبني  صياغة الدستور اليمني الجديد وإخضاعه للاستفتاء الشعبي واحترام الديمقراطية وسيادة القانون .
ونصت وثيقة الحوار الوطني الذي توافقت عليها جميع الأطراف اليمنية، على أن القوات المسلحة ملك الشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها، ووحدة وسلامة أراضيها، وسيادتها، ونظامها الجمهوري، وأن الدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة أو تنظيم أو قبيلة إنشاء أي تشكيلات أوفرق أو تنظيمات عسكرية أو شبة عسكرية تحت أي مسمى.
وتم الاتفاق على إنشاء مجلس أعلى للدفاع الوطني والأمن القومي، وان يكون  الرئيس اليمني في النظام الرئاسي، أو المختلط،أو رئيس الوزراء في النظام البرلماني، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة،و تم الاتفاق على تحييد الجيش والأمن والمخابرات عن أي عمل سياسي ،و تجريم ممارسة العمل الحزبي أو أي نشاط لصالح أي حزب سياسي، أو تنظيم أو جماعة سياسية .
وحظرت الوثيقة تعيين أي من أقارب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس السلطة التشريعية، ووزيري الدفاع والداخلية، ورئاسة المخابرات حتى الدرجة الرابعة في أي مناصب قيادية خلال مدة عملهم بتلك المناصب.
وتم تجريم  الاتجار في مختلف أنواع  الأسلحة والمتفجرات و حيازة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والمتفجرات من قبل أي حزب، أو تنظيم، أو جماعة، أو قبيلة، أو فرد.وعدم تجنيد الأطفال دون الثامنة عشر او مشاركتهم  في النزاعات المسلحة، والتزام القوات المسلحة بحقوق وحريات الإنسان، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي لا تمس السيادة الوطنية ووفقاً للدستور.
ثالثا، التحديات التي تواجه بناء الجيش اليمني
تواجهه عملية بناء الجيش اليمني عدة عقبات او تحديات منها ما يتعلق بالإرث الضخم المرتبط بحالة الضعف المؤسسي ، ومنها ما يتعلق بطبيعة التحديات الإقليمية ، ومنها ما يتعلق بتنامي عسكرة المليشيات وتهديدها لسيادة الدولة ، وأخري تتعلق بتصاعد وتيرة التدخل العسكري في الشأن اليمين ، وهو ما انعكس على وجود عدد من التحديات لعل اهمها  .
أولا ، حالة الاستقطاب السياسي الداخلي وتأثيرها السلبي على عملية الإصلاح و المقاومة الداخلية لبعض الفصائل للإصلاح ضمن القطاع الأمني ومن جهة أخري تأثير حالة الاستقطاب الخارجي بين إيران من جهة  والإمارات والسعودية على طبيعة الأوضاع في اليمن.
ثانيا ، ضعف دور الدولة التقليدي في مقابل القبلية بما  يشكل تحدي لاستعادة هيبة الدولة وسيادة القانون وهو ما يشي بإطالة أمد الجهود لبناء جيش وطني،و مواجهة عسكرة المجتمع اليمني حيث أصبح السلاح جزء أساسي في ثقافة اليمن وبما يضعف معه القيام بعملية التسليم او الضبط والسيطرة على انتشاره وبخاصة انها تفوق معدل 8 قطع لكل فرد.
ثالثا،العقبات التي تواجه عملية نزع سلاح المليشيات دون الدولة ودمجها في الجيش الوطني سواء تلك التي محسوبة على الجيش او تلك التي تعمل في صفوف المليشيات الحوثية الى جانب مواجهة كيفية التعامل مع الرتب العسكرية بين المعايير الاحترافية النظامية والاخري المرتبطة بقوة  المسلحين  على الأرض  .
رابعا ، يعاني الجيش اليمني من ضعف  بناء القدرات وفي الصناعات العسكرية وضعفا كبيرا في مجال القوات الجوية والبحرية و نقص الخبرة في مجال الإصلاح الأمني لقطاع القوات المسلحة والشرطة ، وضعف الموارد المالية والمخصصات للتحديث العسكري وضعف التدريب والتسليح .
خامسا ،تهديد الحراك الجنوبي للوحدة اليمنية والذي يطالبون بالانفصال عن الشمال، والذي يضم  المتقاعدين العسكريين والذي يلقى تأييد من "الامارات " والتي تسعى بدورها لإيجاد نخب أمنية وعسكرية تتبع كل محافظة وليس في اطار جيش مركزي.
سادسا ،خطر التنظيمات الجهادية العنيفة في اليمن مثل تنظيم القاعدة وداعش والذين يجدا متنفسا كبيرا للتحرك في ظل غياب دور الدولة ووجود الحاضنة،وذلك مع الهزائم التي مني بها التنظيم في سوريا والعراق .
سابعا ،الموقف من طبيعة دور دول الجوار  في وضع محددات أمام  بناء جيش وطني  لاعتبارات تتعلق بمصالح تلك الدول من ناحية ومحاوله الحفاظ على نفوذها ،إلى جانب السعي إلى حماية المصالح الدولية في باب المندب
 أخيرا ، تواجه عملية الحسم العسكري بتحدي يتعلق برفض بعض القوى المتدخلة في الشأن اليمني ان يكون هناك جيش وطني يرونه نوعا ما محسوب على "حركة الإصلاح" رغم ضمه لمكونات أخري من المقاومة الجنوبية والناصريين والبعثيين والاشتراكين والمؤتمر الشعبي لصالح إعادة احياء الحرس الجمهوري .
  ثالثا ، أبعاد وسيناريوهات بناء الجيش اليمني
تعتبر التجربة اليمنية متمايزة عن نظيرتها في العراق وسوريا بالنظر الى طبيعة الدور الإيراني ففي كل من العراق وسوريا كان له الدور الأعمق وشمل وجود رسمي عسكري بينما في اليمن يتم الاقتصار على بعض المستشارين الايرانين او من المنتمين الى"حزب الله "اللبناني الى جانب تقديم الدعم السياسي والعسكري لحركة "انصار الله" ،وعلى الرغم من سعي ايران الى دعم عملية إعادة بناء الجيش العراقي والسوري الا انها تحاول ربطة بالمصالح الايرانية .
 وتواجه عملية بناء الجيش الوطني تحديات داخلية وخارجية ربما تعيق التقدم السريع ، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمية وجود محفزات محلية وأخري خارجية لدعم الجيش باعتباره العمود الفقري لبناء الدولة وتلك العملية تتطلب إطلاق عملية التشاور بشفافية مع كل أطياف المجتمع اليمني من اجل بناء الثقة ، والانفتاح على قوى جديدة غير متورطة في الشأن اليمني وتعزيز التعاون الدولي لبناء جيش وطني محترف حديث يكون الضمانة لمواجهة المخاطر الداخلية وحماية المصالح الدولية في باب المندب ،والعمل على إقامة علاقات مدنية عسكرية متوازنة،ويتطلب ذلك الأخذ بعين الاعتبار عدة أبعاد لعل أهمها،الأول ،يتعلق بتأثير عملية التقدم في المسار السياسي للمصالحة في بناء توافق وطني قوي لبناء جيش وطني .والثاني ، يتعلق بوجود علاقة ارتباطيه متصاعدة بين وتيرة التدخل الخارجي في الشأن اليمني وضعف المحاولات لبناء التوافق حول الجيش الوطني .والبعد الثالث، يتعلق بصعوبة الفصل بين التوجهات السياسية والعسكرية للمليشيات دون الدولة  في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. 
البعد الرابع،أهمية الانفتاح في العلاقات بني حكومة هادي وروسيا و تعزيز التعاون العسكري ،ومواجهة الدعاوي الانفصالية في الجنوب.وتحقيق التوازن في مواجهة الضغوط من قبل السعودية والإمارات على الحكومة الشرعية.  
ويوجد عدة بدائل أمام نجاح دمج مليشيات الحوثي في الجيش الوطني  ،
السيناريو الاول ،"النموذج العراقي" نجاح عملية الدمج للمليشيات الحوثية في الجيش الوطني وإمكانية تطبيق الحالة العراقية بدمج مليشيات الحشد الشعبي في الجيش الوطني والتي تميزت بأنها كانت مساندة للجيش وضمت عناصر من طوائف مختلفة .
السيناريو الثاني"النموذج اللبناني "، ان مليشيات الحوثي تكتسب دورها من خلال عملها بشكل مواز للدولة وبخاصة انها عملت ضد الجيش الوطني وتستمد نموذجها من حزب الله اللبناني ،ومن ثم فان عملية دمجها ستلاقي صعوبة شديدة في ظل ارتفاع قدراتها العسكرية والتدريبية  .
السيناريو الثالث ،"نموذج الحل العسكري " ان استمرار الجيش اليمني في معاركة ضد الحوثيين وبدعم من التحالف العربي سيعمل على نزع سلاحهم بالقوة العسكرية وإخضاعهم للدولة وتحت سيطرة الجيش الموحد وبخاصة مع معضلة حزب الله في لبنان. و نجاح الجيش اليمني باستعادة أكثر من 80% من الأراضي اليمنية .
السيناريو الرابع ، "نموذج الحل السياسي "،والذي بمقتضاه  تقدم في المفاوضات بين الحكومة الشرعية و "الحوثيين" يتم بمقتضاه تطبيق مخرجات وثيقة الحوار الوطني بشأن تدشين الجيش الوطني وانهاء الحرب الاهلية.

خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>