منظمة الأيكان ودورها في حرية التعبير على الإنترنت

17-01-2019 08:42 AM - عدد القراءات : 280
كتب عبد الرحمن مطهر أبو طالب*
"لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية." (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
منظمة الأيكان ودورها في حرية التعبير على الإنترنت

  اعتمدت الأمم المتحدة هذا المبدأ ضمن لائحة الحقوق الدولية منذ عام 1966، أي منذ ما يقرب من ربع قرن مضت قبل ظهور الإنترنت. في ذلك الوقت، كانت المنصات المتاحة للتعبير بشكل عام محدودة. وفي غضون ثلاثة عقود، تحول الإنترنت إلى وسيط عالمي للتواصل والتعبير الشامل لكل أنواع التعبير من فن وصحافة ودين وسياسة وعلم وأدب وغيرها. ومع تطور وسائل التعبير والاتصال والنشر بتطور الإنترنت، طورت الأمم المتحدة من مبادئها عبر قرار تبناه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يوليو 2012 نص على " أن الحقوق التي تطبق في العالم الحقيقي خصوصا حرية التعبير، يجب أن تصان أيضا في العالم الافتراضي عبر أي وسيلة إعلامية كانت وبمعزل عن الحدود”، في خطوة هدف المجلس من خلالها إلى تعزيز حرية التعبير تأكيدا لما جاء في المادة 19 بغض النظر أيا كانت الوسيلة المستخدمة للتعبير. وكأن هذا لم يكن كافيا، لتعلن الأمم المتحدة في عام 2016 أن حرية التعبير على الإنترنت تعد حقا من حقوق الإنسان يجب حمايته وفقًا لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

 في عصرنا الحالي، هناك العديد من العوائق التي من الممكن جدا أن تحد من حرية التعبير على الإنترنت، منها على سبيل المثال تلك القيود التي تحول دون وصول المستخدم إلى الإنترنت، أو القيود التي تحد من المحتوى المنشور على الإنترنت أو تلك المفروضة على حقوق المستخدمين. كما أن هناك العديد من اللاعبين الرئيسيين في عالم الإنترنت لديهم أدوار مختلفة في تنظيم المحتوى المتاح على الإنترنتكالحكومات والمنظمات الغير حكومية والمجتمع التقني ورواد صناعة الإنترنت وشركات القطاع الخاص، وحتى المستخدم نفسه له دور في نوع وتنظيم وتشغيل محتوى الإنترنت. غير أن أهم الأدوار المؤثرة في فضاء الإنترنت لا يزال منوطا بمؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة، أو ما يعرف اختصارا ب "أيكان" ICANN.وفي أبسط تعبير، فإن الأيكان، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها وتعمل وفق عقد موقع مع الحكومة الأمريكية، تعد المنظمة أو الجهة المعنية بتشغيل شبكة الإنترنت حول العالم. 

 من هذا المنطلق، يمكننا القول أن سياسة الأيكان في إدارة الإنترنت توثر على العالم بأسره. لذلك، فإن اختصاصها فيما يتعلق بتنظيم المحتوى على الإنترنت يثيرلدى البعض العديد من التساؤلات حول مسجلي – يطلق عليهم أيضا أمناء سجل - أسماء النطاقات المعتمدين من الأيكان، وحول اتفاقية الأيكان نفسها الخاصة باعتماد المسجلين والتي تعرف اصطلاحا باسمRAA.

 في هذا السياق، أصدر مجلس أوروبا، وهو المجلس المعني بحقوق الإنسان في أوروبا، تقريرا هاما حول مدى تطبيق حقوق الإنسان من قبل الأيكان. وبحسب التقرير، فإن إجراءات وسياسات الأيكان، في ضوء حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقيم الديمقراطية، قد أظهرت انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يخص اتفاقية RAA.

 كما ذكرت منظمة المادة 19 أيضا، وهي منظمة عالمية تنشط في مجال حرية التعبير، في تقرير نشرته عام 2015 بأن سياسة الخصوصية وحماية البيانات التي تنتهجها الأيكان في اتفاقية RAA لا تتعارض فقط مع حرية التعبير، بل إنها تتعارض أيضا مع الحق في الخصوصية وحماية البيانات. وينطبق ذلك بصفة خاصة على اتفاقية RAA لعام 2013، التي تحكم العلاقة بين الأيكان ومسجلي اسم النطاق.

 وفي سياق آخر، يرى البعض أن سياسة الأيكان تتجاهل ضمانات حرية التعبير، فهي توسع حقوق مالكي العلامات التجارية على الإنترنت، وتضع آليه عشوائية وغير موضوعية تدعو إلى تحديد ماهي الأفكار التي يمكن الرجوع إليها في تحديد واختيار أسماء نطاقات الإنترنت، ومن سيقوم بذلك.

 إن من شأن حقوق حرية التعبير أن تحمي الاستخدام غير التجاري للعلامات التجارية في اللغة، لكن سياسة الأيكان تتحايل على هذه الضمانات من خلال منح أصحاب العلامات التجارية حقًا مسبقًا في استخدام كلمة معينة لتسجيل نطاق ما على الإنترنت قبل أن تتاح الفرصة للمتحدثين غير التجاريين لتسجيل هذه الكلمة. فقد أثار الدليل الإرشادي الخاص بتقديم طلبات الحصول على أسماء نطاقات علوية جديدة أو ما يعرف ب gTLDs، والذي أصدرته الأيكان في عام 2012، قضايا تتعلق بحرية التعبير. حيث عرض الدليل خمسة أنواع من الإجراءات ذات الصلة بتقديم طلب الحصول على اسم نطاق علوي جديد، تحوي هذه الإجراءات في طيها قضايا خلافية ذات طابع حساس. كل نوع من هذه الإجراءات قد يكون لها آثار على حرية التعبير.

 أدركت الأيكان بأن الأسماء الجغرافية والمناطق الحساسة سياسياً قد تكون مثيرة للجدل فيما يتعلق بتحديد أسماء النطاق على الإنترنت. لذلك، وللتعامل مع موضوع حساس كهذا، لجأت الأيكان لاستخدام قائمة تحتفظ بها المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (الأيزو) بغرض إنشاء أسماء جغرافية محظورة ومقيدة لأسماء النطاقات العلوية الجديدة. على سبيل المثال، تم التعامل مع اسم النطاق .arabباعتباره أسم نطاق جغرافي محضوريمثل المنطقة العربية وبالتاليمنحت الأيكان جامعة الدول العربية مسؤولية وصلاحية تشغيل اسم النطاق هذا. ولكن في مثال آخر، تقدمت شركة أمازون بطلب للحصول على اسم نطاق جديد هو.amazonغير أن البرازيل وبيرو ودول أخرى تتشارك حدود غابة الأمازون اعترضت على هذا الطلب.

 في البداية، تمت الموافقة على الطلب الذي تقدمت به شركة أمازون لأنه تم تقديمه وتأهيله بشكل جيد استنادا إلى قواعد واجراءات الأيكان بالنظر إلى أن غابات الأمازون المطيرة لم تكن جغرافية محظورة أو مقيدة بموجب قائمة (أيزو)، في حين استندت البرازيل والبيرو في اعتراضهما على منح اسم النطاق.amazonلشركة أمازون على أساس أن الاسم انتهك المصلحة العامة وألحق الضرر بمصالح البلدان في منطقة الأمازون. وبعد كثير من النقاش والمداولة الداخلية، تم نقل الاعتراض الذي تقوده البرازيل والبيرو إلى مجلس إدارة الأيكان، فتم رفض الطلب الذي تقدمت به الشركة للحصول على اسم النطاق محل الخلاف. بيد أن شركة أمازون لم تتوقف عند هذا الحد، فقد استغلت العمليات الإجرائية التي تنتهجها الأيكان للطعن في قرار مجلس الإدارة ونجحت في مسعاها. وأصبح مجلس إدارة الأيكان ملزما بإعادة النظر في الطلب الذي تقدمت به الشركة بعد أن سبق ورفضه.

 قدمت البرازيل وبيرو وحلفاؤها اعتراضهم على الطلب مرة أخرى بعد الطعن ووجدت الأيكان نفسها في موقف حرج لاسيما وهي تحاول الظهور بموقف الحياد في هذا الصراع، لهذا شرعت المنظمة في محاولة التيسير والتسهيل لإجراء مفاوضات ونقاشات بين الشركة ودول منطقة الأمازون بغية حل الإشكال وديا. تقدمت شركة أمازون بعدة عروض وإغراءات مالية واقتصادية وإدارية للبرازيل وشركائها في أمريكا الجنوبية للحد من مخاوفهم واقناعهم بسحب اعتراضهم، غير أن كل هذه المحاولات بائت بالرفض. وبعد فشل ماراثون المفاوضات هذا وجدت الأيكان نفسها، تحت وطأة أنظمتها ولوائحها الداخلية، مجبرة على منح اسم النطاق للشركة وأصدرت قرارها بذلك في اكتوبر من العام 2018. وبهذا، أصبحت شركة أمازون على بعد خطوة واحدة من تحقيق هدفها رغم اعتراض دول أمريكا الجنوبية. 

 يمكن القول هنا بأنه على الرغم من أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمنت لكل شخص الحق في حرية التعبير بما في ذلك الحق في تلقي المعلومات ونقلها في أي وسيط وفي أي حدود، إلا أن الأيكان ليست ملزمة قانوناً بضمانات حرية التعبير المعترف بها عالمياً، وتقوم بوضع سياسة إدارتها للإنترنت بالكامل حسب تقديرها الخاص بموجب قواعد حوكمة الشركات.

 إن التزامالأيكانبمسؤوليتها في احترام حرية التعبير امتثالا لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية كان من شأنه أن يساندها في معالجة القضية المذكورة أعلاه. لذلك، وتماشياً مع هذه المبادئ التوجيهية، يجب على الأيكان البدء في وضع سياسات تحدد التزامها بالوقاية والتقييم والتخفيف من التهديدات التي تواجه حرية التعبير المرتبطة بأسماء النطاقات الجديدة gTLDs.

 في الختام لابد من القول أنمفهوم وإطار أصحاب المصلحة المتعددين يبقى هو الأسلوب الأمثل حتى الآن في إدارة الإنترنت، وبانتهاجه تتحسن شبكة الإنترنت يوما بعد يوم.وإن كان أصحاب المصلحة في حوكمة الإنترنت قد تمكنوا في السابق من رسم معايير وسياسات نظام أسماء النطاقات DNS، فإنهم ما يزالون بحاجة إلي وضع مقاييس لمراقبة حقوق الإنسان في أداء الأيكان.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>