السلوك القهري عند الخسارة أهمها.. ما معنى أن تكون مدمنًا لألعاب الفيديو؟

01-01-2019 01:44 PM - عدد القراءات : 213
كتب عبد الرحمن النجار -ساسة بوست
قال أليكس هيرن في مقال له في صحيفة «الجارديان»: إنه عندما ينفق الأطفال أموال الوالدين على لعبة كرة قدم إلكترونية، فمن السهل تصديق أن الألعاب تم تصميمها للربح فقط، لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك.
السلوك القهري عند الخسارة أهمها.. ما معنى أن تكون مدمنًا لألعاب الفيديو؟
قال أليكس هيرن في مقال له في صحيفة «الجارديان»: إنه عندما ينفق الأطفال أموال الوالدين على لعبة كرة قدم إلكترونية، فمن السهل تصديق أن الألعاب تم تصميمها للربح فقط، لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك.

وأوضح هيرن أن شابًا اسمه جون هوبسون نشر مقالًا مفصلًا على الإنترنت عام 2001 حول موضوع تصميم الألعاب التفاعلية. واستنتج هوبسون عبر الدمج بين حبه لتصميم الألعاب وأبحاثه مفاهيم رئيسة كانت صناعة الألعاب قد عالجتها في المقام الأول من خلال الحدس والفن.

يتساءل هوبسون «متى يتوقف اللاعبون عن اللعب، وكيف يمكنك تجنب ذلك؟ إن الحافز شيء نسبي؛ إذ يتم دائمًا قياس الرغبة في لعب لعبتك مقابل أنشطة أخرى».

عرض هوبسون عددًا من الاقتراحات على المطورين الذين أرادوا تشجيع اللاعبين على اللعب لفترة أطول؛ إذ يجري تحديد مجموعة متنوعة من المهام لتنفيذها، بحيث إذا أصبح التحدي الرئيسي للعبة غير جذاب، يكون لدى اللاعبين أهداف أخرى لتحقيقها دون التوقف عن اللعب؛ مما يجعلهم يتجنبون الصعوبات التي قد تدفعهم إلى التوقف، وتقديم مكافآت على مدى جدول زمني متغير، بحيث يكون هناك دائمًا فرصة للحصول على مكافأة سريعًا لإبقاء اللاعب منجذبًا.


في السنوات التي تلت نشر مقال هوبسون – يشيرن هيرن – أصبحت فكرته عن الألعاب مؤثرة بشكل كبير؛ إذ تم الاستشهاد بمقاله لما يقرب من 80 مرة في المؤلفات الأكاديمية، ووضع على قوائم القراءة في دورات تصميم الألعاب. وذاع صيت هوبسون، حيث قضى أكثر من عشر سنوات في شركة Bungie التي ابتكرت لعبتي Halo وDestiny، حيث استخدم بيانات اللاعبين للإجابة على الأسئلة التي طرحها في مقاله. وهو الآن رئيس قسم التحليلات في شركة تطوير الألعابArenaNet، بعد أن أسس وقاد فريقًا آخر في شركة Blizzard مبتكرة لعبة World of Warcraft.

لكن هذا التأثير أثار الجدل – يستدرك هيرن. إذ يؤكد المنتقدون أن الألعاب التي تتبع في تصميمها مثل هذا النهج، تتم هندستها من أجل الإدمان وتشجيع أنماط السلوك القهرية وإساءة استخدام نقاط الضعف في الدماغ لإبقاء اللاعبين منجذبين إلى اللعب.

المشكلة هي أن ما اقترحه هوبسون في عام 2001 لم يمثل مفاجأة كبيرة لمطوري اليوم. كان الاختلاف الرئيسي هو أنهم وصفوا نفس الأساليب لتحقيق هدف مختلف، وهي كلمة غابت عن مقال هوبسون: «الاستمتاع».

عندما نسمع قصصًا مثل أطفال دفعوا مبلغ 16 ألف دولار، أو إنفاق طلاب المدارس 500 يورو من أموال والديهم على لعبة كرة قدم إلكترونية، فمن السهل تحديد المشكلة. لقد أمست بعض الألعاب آلات لسحب النقود، باستخدام أسوأ العناصر التي حددها هوبسون كل تلك السنوات الماضية، وجمعها مع رؤى من الإعلانات والمقامرة والاقتصاد السلوكي وتحليلات البيانات الضخمة.

لكن عند النظر إلى الصورة الأعم يصبح السرد مشوشًا. خذ لعبة  فورت نايت، هوس المراهقين حاليًا، كمثال. باعتبارها لعبة متعددة اللاعبين – يضيف هيرن – فلا تنطبق عليها الكثير من حيل هوبسون؛ فالمحددون الرئيسيون لسرعة وصعوبة اللعبة هم بشر آخرون. وهي لا تحتوي على مهمة «سرقة الصناديق»، مصدر المكافآت داخل ألعاب مثل أوفرواتش، وفيفا، وباتلفيلد، لصالح خليط أكثر تقليدية من الإضافات المجانية والمدفوعة الثمن.

وتحتوي اللعبة على بعض الإبداعات الحديثة، بحيث توفر سلسلة من التحديات الأسبوعية تضمن عودة اللاعبين بشكل دوري، بدلًا عن التوقف لفترات طويلة – وهو ما يعني في لعبة تنافسية متعددة اللاعبين أنهم لن يعودوا على الإطلاق. ويساعد نظام نقاط الخبرة، الذي يكافئ على القدرة على التحمل، في دفع اللاعبين إلى الشعور بأنهم يجب أن يلعبوا «مباراة أخرى»، خاصة عبر نظام نقاط الخبرة المضاعفة أيام عطلة نهاية الأسبوع. هذه هي الفترات الترويجية التي يمكن للاعبين فيها تعزيز نقاط الخبرة الخاصة بهم، والرموز المميزة التي يتم منحها عمومًا مقابل إنجاز المهام، والتغلب على العقبات والمنافسين، وما إلى ذلك، والتي يمكن نشرها لإعادة اللاعبين المتوقفين عن اللعب وإحداث ضجة في منتصف المواسم.


إن هذا صحيح تمامًا – يؤكد هيرن. فلم تكن الألعاب الجذابة نتيجة دراسات نفسية حديثة للاعبين، بل إنها قديمة قدم الوسيط نفسه. تحكي الأسطورة أنه في عام 1978، أدت لعبة Space Invaders التي تمتعت بشعبية كبيرة في اليابان إلى نقص في عملات من فئة 100 ين على مستوى البلاد. وسواء كان هذا صحيحًا أم لا، فمن المؤكد أن نجاح اللعبة كان كافيًا لتعزيز ظاهرة ألعاب الفيديو، ولم تكن مجرد زوبعة في فنجان. أما النسخة المنزلية، لأتاري 2600، فقد بلغت مبيعاتها أربعة أضعاف النسخة الأصلية وجعلت الأتاري أحد مكونات غرفة المعيشة الرئيسة.

غزت لعبة Space Invaders الولايات المتحدة أيضًا، لكن لعبة Pac-Man كانت العاصفة الضخمة التي تجعل فورت نايت تبدو قزمًا أمامها. اختفت لعبة Space Invaders، وانفجر بركان باك مان خارج حدود الصناعة الناشئة؛ مما أدى إلى إنتاج رسوم متحركة للعبة تعرض في صباح يوم السبت.

ظهرت أولى العلامات على الأمراض الجسدية بسبب إدمان الألعاب مع انتشار ألعاب الفيديو – يواصل هيرن حديثه – حيث نشرت نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين عام 1981 تفاصيل مشكلة شخص يعاني من آلام في المعصم بسبب إدمانه لعبة Space-Invaders. وربما يكون هذا أول توثيق لمخاطر ألعاب الفيديو ليس على الصحة الجسدية فقط، ولكن أيضًا النفسية. كتب أحد الآباء إلى صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 1982، «أن الألعاب تربي جيلاً من المراهقين غير العقلاء والمتهورين». واليوم، تنتشر بعض الشكاوى عن شرور فورت نايت، بسبب «الغضب والإحباط في عيون الشاب عندما يخسر فجأة».

بيد أن ممارسة ألعاب الفيديو كانت لها حدود أيضًا – يقول هيرن – مما منع حدوث الإدمان. كان على اللاعبين الذهاب إلى متاجر مخصصة لألعاب الفيديو، التي تعاملت بحزم مع المراهقين الذين ينامون على الأرض في محاولة لزيادة وقت اللعب، لكنها جنت أموالًا بشكل مباشر من قبل اللاعبين.

جهاز أتاري 2600 فجر ثورة أجهزة ألعاب الفيديو المنزلية

حتى بالنسبة للألعاب باهظة الثمن – يؤكد هيرن – فإن الحاجز المالي ضئيل في تاريخ التسلية. يمكن أن تحتوي ألعاب مثل «سكايرم أو ويتشر 3» بسهولة على مئات الساعات من اللعب الممتع وتكلف 60 جنيهًا إسترلينيًا عند نزولها الأسواق، أو 10 جنيهات إسترلينية بعد بضع سنوات. وحتى إذا اشتريتها جديدة، فهذا شيء يشبه 30 فلسًا في الساعة – وهي تكلفة منخفضة للغاية.

تعتبر الألعاب وسائل ترفيه رخيصة لملء وقت الفراغ مما جعل بعض الاقتصاديين يتساءلون عما إذا كان إنتاجها قد يكون له تأثيرات اقتصادية كلية ملحوظة. على سبيل المثال، تكهن البروفيسور إيريك هيرست بأن الألعاب تزيد من قيمة وقت الفراغ، وتقلل الحافز لدى الشباب للبحث عن عمل. وحينما كان كل ما تملكه هو التلفزيون النهاري للشركة، فإن العيش في قبو أحد والديك في سن الخامسة والعشرين دون عمل كان غير جذاب. أما الآن، يمكن لبضع ألعاب كهدايا لأعياد الميلاد، ووجود إنترنت في المنزل، أن يجعلك لا ترغب في مغادرة المنزل.

كتب هيرست: «إذا تابعنا استطلاعات الرأي التي ترصد الرفاهية الشخصية، لرأينا أن الشباب الأقل مهارة في عام 2014 ذكروا أنهم أكثر سعادة في المتوسط ??من الرجال الأقل مهارة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهذا على الرغم من انخفاض معدل توظيفهم بمقدار 10 نقاط مئوية وزيادة الميل إلى العيش في قبو والديهم».

إن ألعاب الفيديو والابتكارات التكنولوجية رخيصة الثمن نسبيًا وممتعة.

في عام 2012، أي بعد أكثر من 10 سنوات من مقالته الأولى، قام هوبسون، الذي كان رئيسًا لأبحاث المستخدمين في بانجي آنذاك، بإعادة النظر في الموضوع. في هذه المرة، كتب أن النهج السلوكي «أخلاقي إذا كان المصمم يعتقد أن اللاعب سيحصل على المزيد من المتعة أكثر مما إذا فعل شيئًا آخر. يجب أن تؤمن بقيمة الترفيه الأساسية للتجربة قبل أن تتمكن من مكافأة اللاعبين أخلاقيًا».

بعبارة أخرى – يختتم هيرن بالقول – الأمر كله يتعلق بالثقة. من الممكن صنع ألعاب لكسب المال – وإذا كان المصمم موهوبًا، فسيجني الكثير من المال، ولكنه سيجني المال عن طريق الترفيه، وليس عن طريق اختطاف تحيزات الدماغ وتحويل المراهقين إلى ماكينة أموال.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>