كيف تساعدنا «السوشيال ميديا» على التنبؤ بالمستقبل؟

01-01-2019 01:40 PM - عدد القراءات : 282
كتب فريق عمل ساسة بوست
نميل للاعتقاد بأن مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته، ما هي إلا وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل بين البشر، تتيح لنا تبادل القصص والخبرات مع الأصدقاء والمعارف،
كيف تساعدنا «السوشيال ميديا» على التنبؤ بالمستقبل؟

نميل للاعتقاد بأن مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته، ما هي إلا وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل بين البشر، تتيح لنا تبادل القصص والخبرات مع الأصدقاء والمعارف، وكذلك إبداء الرأي والتعليق على المشكلات والأخبار العالمية، بالإضافة إلى متابعة كل ما يطرأ في أي مكان حول العالم. لكن ما قد نعتبره نحن رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته مجرد اتصال بالعالم الخارجي، يراه الباحثون حزمة بيانات قادرة على التنبؤ بالمستقبل والتأثير فيه، بدءًا من سعر الأسهم في أسواق المال المحلية والعالمية، ومرورًا بنتائج الانتخابات، ووصولًا إلى سلوك الفرد المستقبلي.

في السطور التالية، نستعرض بعض المسارات الحياتية التي تمكنت شبكات التواصل الاجتماعي من التأثير فيها والتنبؤ بها.

تفاؤل تويتر يُسبب الخسارة في أسواق المال
إذا كنت ممن يضاربون مضاربة دورية في أسواق المال، أو ممن قد حولوا أموالهم إلى أسهم في البورصات، فأنت بلا شك تتأثر تأثرًا مباشرًا بحركة السعر الافتتاحي والنهائي في سوق الأسهم، أما إن كنت أحد الأشخاص الذين ليس لديهم اتصال مباشر بأسواق المضاربة، فقد تتأثر أيضًا تأثرًا جوهريًّا بتغيّر أسعار الأسهم، إذ تؤثر حركة السوق في توافر الوظائف، والتمويل العقاري والائتماني، وكذلك الحالة الاقتصادية العامة لبلاد بأكملها.


شاشة عرض في إحدى أسواق المال

في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، بدأ الباحثون في تحليل تغريدات موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، علاوة على جمع البيانات من محركات البحث مثل «جوجل»، من أجل التنبؤ بتغيرات أسواق المال وحركتها، لكن المديرين الماليين رفضوا اعتماد هذه الإحصاءات التحليلية، واعتبروها مجرد عبث.

الاستهزاء باستخدام هذه الطريقة التحليلية، لم يوقف الباحثين ومحللي المال عن المضي قدمًا نحو إثبات هذه الفرضية، وفي عام 2010، أعلن باحثون من جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية، أن المزاج العام على «تويتر» خلال ستة أيام يمكن اعتباره مؤشرًا حقيقيًّا على اتجاه سوق الأسهم في اليوم السابع، وذلك بعد تحليل حوالي 10 ملايين تغريدة خلال عام 2008، إذ وجد هؤلاء الباحثون أن الهدوء في التغريدات مرتبط بحركة مؤشر «داو جونز الصناعي» (DJIA)، وفقًا لخوارزمية «جوجل».

إذ توقع مؤشر الهدوء تغيرات يومية في القيمة الختامية لـ«DJIA» بين يومين وستة أيام، بدقة وصلت نسبتها إلى 88%، وعلل الباحثون صحة هذه النتائج بأن الأسواق تتأثر وتتفاعل مع العواطف، خاصة الخوف والجشع، واللذان ينعكسان من خلال «تويتر». وبطبيعة الحال، لا يعتمد معظم المحللين والمتداولين على بيانات «تويتر» فقط، ولكن يمكن القول إن هذه التغريدات يمكن استخدامها مؤشرًا، إذ ظهر أن حركة شراء الأسهم وبيعها تتوقف عندما يكون المزاج العام متفائلًا للغاية، وعلى العكس من ذلك، فإذا كان الجمهور متشائمًا بشكل استثنائي يبدؤون في البحث عن نقطة دخول للشراء، وقد أثارت القوة التنبؤية لـ«تويتر» اهتمامًا كبيرًا من المديرين الماليين في وول ستريت.

وعطفًا على هذه العمليات التحليلية، بدأت شركات مثل «ماركت سايك»، في تقديم بيانات «تويتر» مفلترة بعناية إلى شركات الأبحاث التجارية وصناديق التحوط، حتى أن ريتشارد بيترسون، المدير المالي لـ«ماركت سايك»، أعلن في 2012، أن نماذجه التحليلية قد أتت أُكلها بنسبة 30% سنويًّا.

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في أسواق المال لم تتوقف عند «تويتر» فقط، بل أعلن الباحثون أيضًا وجود علاقة بين بعض عمليات البحث عبر محرك «جوجل»، وحوادث السوق الوشيكة، وذلك بتتبعهم لـكلمات البحث الأكثر شهرة «Google Trends»، إذ وجدوا أن الارتفاعات في عمليات البحث عن الكلمات الرئيسية التجارية والسياسية في الفترة من 2004 وحتى 2012 سبقت الانخفاضات في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500».


في نتائج الانتخابات.. وسائل التواصل الاجتماعي أصدق من استطلاعات الرأي
في عام 2013، أظهر الباحثون أن مناقشات «تويتر» عن المرشحين لخوض انتخابات مجلس النواب الأمريكي لعام 2010، كانت فعالة بشكل لا يصدق في التنبؤ بالفائزين في الانتخابات، فباستخدام قاعدة بيانات تحتوي على 543 ألف تغريدةـ أتت على ذكر أحد المرشحين لخوض الانتخابات، اختارت نماذج الباحثين الفائز في حوالي 93% من الجولات الانتخابية.

ولم يقس التحليل الإحصائي سوى حصة التغريدات لكل مرشح، دون محاولة تحديد التوجهات السياسية للمستخدمين والمغردين، أو معرفة آرائهم الشخصية وانطباعاتهم عن المرشح، إذ توحي دقة النسبة المئوية لتحليل تغريدات «تويتر» بأن كل الدعاية السلبية والإيجابية يمكن أن تساعد المرشح.


الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب

فعلى سبيل المثال، حصل المرشح الجمهوري مايك تيرنر على 65% من حصة التغريدات في منطقة الكونجرس الثالثة، في ولاية أوهايو، وحقق الفوز بـ68% من الأصوات. ويرى المحللون أن الفرق بين حصته من التغريدات، والأصوات التي حصل عليها يقع ضمن هامش الخطأ الذي يقع حتى في الاستطلاعات التقليدية، علاوة على أن اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بنتائج الانتخابات، لا يزال قيد التطور.

على الجانب الآخر، أظهر التنبؤ بنتائج الانتخابات يوم السادس من مارس (آذار) عام 2012، في 10 ولايات أمريكيةـ، نتيجة خاطئة بنسبة تراوحت بين 40 إلى 60%، في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وفسر المحللون وجه القصور هذا بعدة تفسيرات، إذ يرى البعض أن السبب يرجع إلى أن التغريد تأييدًا لمرشح سياسي، لا يعني بالتبعية الذهاب إلى اللجان الانتخابية والتصويت، علاوة على أن الكثيرين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تنطبق عليهم شروط التصويت من الأساس.

لكن تنبؤات وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، والتي رجحت ميل كفة المرشح الجمهوري، على عكس نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها وكالات الأنباء والقنوات التلفزيوينة، جاءت صحيحة، وفاز دونالد ترامب بسباق الرئاسة الأمريكية، الأمر نفسه الذي تكرر مع نتيجة التصويت لـصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي أتت فيها تغريدات «تويتر» مخالفة أيضًا لاستطلاعات الرأي.

الأمر الذي يؤكد ما سبق وأن رمى إليه البعض في عام 2013، عندما أكد الخبراء، أن تطوير برامج التحليل الإحصائي لوسائل التواصل الاجتماعي، سيُمكننا لاحقًا من التنبؤ بنتائج أكثر دقة، حتى وإن خالفت رأي الخبراء الاستراتيجيين والمحللين السياسيين.


أنت سلعة.. شبكات التواصل الاجتماعي تبيع معلوماتك الشخصية للتجار
مسار آخر من مسارات الحياة، تتحكم فيه وسائل التواصل الاجتماعي دون أن ندري، إذ يستخدم بيانات الشبكات الاجتماعية تجار التجزئة للتنبؤ بالسلوك الشرائي للأشخاص، وتوفير السلعات التي ينوون شراءها، فعلى سبيل المثال، استخدمت سلسلة «وولمرت» لتجارة التجزئة بيانات مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، من أجل الكشف عن اتجاهات المنتجات في مواقع معينة، حتى يتمكن المتجر من تخزين المخزون الذي يُرجح أن يشتريه العملاء في هذه المنطقة.

ويجري ذلك عبر تتبع المعلومات التي ينشرها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر»، عن أحوالهم الشخصية، وحالتهم العاطفية، وحتى الصحية، الأمر الذي يعني للمسوقين أن هؤلاء الأفراد سيشترون قريبًا مستلزمات للمنزل، أو ملابس مواليد، أو حتى أدوية وفيتامينات، فيسارعون ببيع هذه المعلومات لشركات التجارة القريبة منهم، التي تسارع بدورها لتوفير هذا المنتج، الأمر الذي يبدو لنا وكأننا ضحايا شبكة تجسس أو تصنت مخيفة.

وبعد انتشار مثل هذه الإعلانات الخاصة بمنتجات كنا قد بحثنا عنها في محركات البحث، أو كتبنا عنها عبر «تويتر» أو «فيسبوك»، بدأ المستخدمون في الانتباه لحماية خصوصيتهم المنتهكة، عبر التكتم على المعلومات الخاصة، وقطع الاتصال عن شبكات التواصل الاجتماعي،ـ لكن لا يزال من الممكن أيضًا تتبع المشترين عبر بيانات الشراء وحركته بواسطة بطاقات الائتمان.

هذا بالإضافة إلى تطوير تقنيات مثل الكشف عن الوجه، والتي ستتمكن من تحليل ملامح وجهك، وتحديد عرقك، ونوع جنسك، وعمرك، فور دخولك إلى أحد المتاجر، وإعداد ملف شخصي بمشترياتك وسلوكك الشرائي، بالإضافة إلى المعلومات التي جُمعت بالفعل من شبكات التواصل الاجتماعية، لتتدفق على هاتفك المحمول في النهاية، رسائل العروض.

محاولات الانتحار.. «تويتر» يُمكنه دق أجراس الخطر
وجد الباحثون في جامعة بريجهام يونج، أنه يمكن استخدام «تويتر» باعتباره نظام إنذار مبكر لمنع محاولات الانتحار، وذلك بعد فحص ملايين التغريدات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية على مدى ثلاثة أشهر، إذ اكتشف هؤلاء الباحثون أن نسبة التغريدات الانتحارية إلى عدد من المستخدمين تطابق بشكل كبير معدل الانتحار الفعلي في كل ولاية.

وتصنف التغريدات التي تحتوي على كلمة انتحار أو عوامل خطر أخرى، أو عبارات عن الرحيل والموت، تغريدات مثيرة للقلق، يجب الانتباه لها، وتستدعي تدخل مجموعات الوقاية من الانتحار، لتقديم يد العون، سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو بشكل مباشر، ويأمل الباحثون أيضًا في تطوير تطبيق لمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، يعمل على تقييم المشاركات الخاصة بالانتحار، وإخطار مستشاري المدارس للتدخل عند الحاجة.

التواجد الكثيف على شبكات التواصل قد يعني قرب انتهاء علاقتك العاطفية
وجدت دراسة صادرة عن جامعة بوسطن، أن الاستخدام الكثيف لمواقع التواصل الاجتماعي، قد يكون مؤشرًا على صراع العلاقة العاطفية، ووقوع حالات طلاق في الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي الفترة من عام 2008 إلى 2010، تنَاسب ارتفاع كتابة المنشورات بين مستخدمي «فيسبوك» بنسبة 20%، تناسبًا طرديًّا مع ازدياد حالات الطلاق، في إحدى الولايات، وعندما حلل هؤلاء الباحثون تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الزواج على المستوى الفردي، وُجد أن غير المستخدمين، كانوا أكثر سعادة بنسبة 11% مع شركائهم مقارنة بالمستخدمين النشطين، فيما وصلت نسبة هجر المستخدمين النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لزوجاتهم إلى 32%، مقارنة بـ16% للمستخدمين العابرين.


يؤكد الباحثون أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي استخدامًا كثيفًا، يبدو مؤشرًا قويًّا على توتر العلاقات العاطفية، بيد أنه لا يُعد سببًا مباشرًا لمشاكل العلاقات العاطفية والطلاق، إذ يبدو أن الأزواج البائسين يميلون لقضاء الوقت على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن ذلك لا يعني قطعًا أن كل المستخدمين النشطين يعانون من مشكلات زوجية.

فيما وجدت دراسة أخرى من جامعة ميسوري أن الاستخدام الكثيف لشبكات التواصل الاجتماعي، كان مؤشرًا قويًّا على صراع العلاقة والطلاق، ولكن هذا الاتجاه كان أكبر بكثير بالنسبة للأزواج في علاقات تراوحت مدتها بين ثلاث سنوات أو أقل.


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>