بكين تضع الأخلاق جانبا وتفتح الطريق لاستنساخ البشر

22-12-2018 12:01 PM - عدد القراءات : 220
كتب سلام سرحان
أبحاث الدول الأخرى مكبلة بالقيود التنظيمية والأخلاقية فيما تنطلق الصين إلى مدار آخر من تعديل الجينات الوراثية للبشر إلى جميع بحوث الأدوية الحيوية.
 بكين تضع الأخلاق جانبا وتفتح الطريق لاستنساخ البشر

يقول مراقبون إن الصين تكاد تفلت في مدار بعيد في جميع البحوث الجينية والوراثية، بسبب منظورها المختلف للقيود والمعايير الأخلاقية، التي تسمح بأشياء كثيرة، لا تزال من المحرّمات في بقية أنحاء العالم.

ولا يشكّل خبر انطلاق نشاط أول استنساخ تجاري للكائنات الحيّة في الصين سوى مناسبة للحديث عن الحدود التي عبرتها الصين في ميادين الهندسة الوراثية والجينية، وما يرتبط بها من تطوير متسارع لصناعة الأدوية الحيوية.

قد يكون نجاح شركة سينوجين الصينية، في استنساخ الكلب الهجين “جويس″ الشهير بأدواره السينمائية مجرد خبر طريف، خاصة أن تقنية الاستنساخ ليست جديدة منذ استنساخ النعجة دوللي في أسكتلندا قبل 22 عاما.

استنساخ الحيوانات في الصين ليس خبرا جديدا فقد سبق ذلك استنساخ العديد منها، وخاصة حيوانات الباندا المهددة بالانقراض.

لكن الجديد أن سينوجين هي أول شركة خاصة للتكنولوجيا الحيوية، ويمكن أن تقدّم للزبائن كل ما يطلبونه، وقد يصل الأمر سريعا إلى استنساخ البشر، في ظل المنظور المركزي الصيني الذي يرى المحرّمات الأخلاقية من منظور مختلف كليّا.

ويجمع العلماء والخبراء على أن التكنولوجيا الحيوية في الصين تسير بسرعة فلكية مقارنة بمشروعات بنشاط الجامعات والمراكز العلمية في الدول الغربية، التي تواجه عوائق تنظيمية ومعارضة شعبية كبيرة لأسباب أخلاقية مثيرة لحفيظة الرأي العام.

كانت هناك قناعة عالمية راسخة بأن الأنظمة الليبرالية هي المناخ الملائم لجميع التطورات العلمية والاقتصادية الكبرى، لكن الصين أثبتت في العقود الأخيرة أن الاقتصاد الموجه مركزيا يمكن أن يكون له رأي آخر بسبب وضوح سلطة اتخاذ القرار، التي يمكن تقمع جميع الآراء والاعتراضات.

هناك إجماع اليوم على أن أي ثورة مدوية في الهندسة الوراثية، ستنشأ حتما في الصين وليس في الدول الغربية

في نهاية الشهر الماضي بلغ الجدل ذروته حول مدى أخلاقية تعديل الجينات الوراثية للبشر، حين أعلن باحث صيني قيامه بأول عملية لتوليد طفلتين توأم معدلتين وراثيا، وهي عملية غير قانونية في جميع الدول الغربية وربما جميع بلدان العالم الأخرى.

وأثارت العملية استهجانا واسعة من الكثير من المنظمات والتجمّعات الدينية والشعبية، إضافة إلى الكثير من الباحثين في أنحاء العالم.

وكان الباحث هي جينانكواي قد درس في جامعتي ستانفورد ورايس الأميركيتين، قبل عودته إلى الصين وافتتاح مختبر في الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا في مدينة شينزين.

لكن نشاطه الأكثر إثارة للجدل هو امتلاكه شركتين تعملان في مجال الجينات، والبحوث التي يمكن أن تقوم بها شركات خاصة تهدف إلى ربح في ظل التساهل الصيني في المعايير الأخلاقية.

وتفاقم الجدل بعد أن أكد الباحث أنه لم يهدف من وراء العملية إلى علاج أو منع حدوث مرض وراثي ولكن “منح ميزة لا تتوافر بصورة طبيعية إلا في قلة من البشر، وهي القدرة على مقاومة العدوى المحتملة لفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، الذي قال إنه يمثل مشكلة كبيرة في الصين.

وقال جينانكواي إنه قام بتعطيل عمل جين يسمى سي.سي.آر 5، المسؤول عن تشكيل البروتين الذي يساعد فيروس الإيدز على دخول الخلية.

ورضخت الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا، التي يعمل فيها الباحث الصيني، نسبيا للضجة العالمية وقالت إنه “انتهك بشدّة الأخلاقيات والمعايير الأكاديمية”، وقرّرت فتح تحقيق، لكن ذلك لم يخفف القلق العالمي مما يمكن أن يحدث في الصين في هذا الميدان.

ويختزل موقف خبير الهندسة الوراثية في جامعة بنسلفانيا ورئيس تحرير مجلة علم الوراثة الدكتور كيران موسونورو، مواقف الكثير من الجهات العالمية حين قال “إن إجراء التجارب الجينية على البشر لا يمكن الدفاع عنها أخلاقيا”.

جينانكواي أربك الحسابات العالمية بتعديل جينات طفلتين توأم ولدتا في الصين الشهر الماضي
جينانكواي أربك الحسابات العالمية بتعديل جينات طفلتين توأم ولدتا في الصين الشهر الماضي

لكن عالم الوراثة في جامعة هارفارد جورج تشيرش دافع عن محاولة تعديل الجينات لمحاربة فيروس الإيدز، قائلا إنه “تهديد رئيسي ومتزايد للصحة العامة… أعتقد أن المحاولة مبرّرة”.

ويرى بعض الخبراء أن الأمر مجرد سرعات متفاوتة وأن الكثير من محرّمات الأمس أصبحت مباحة في جميع أنحاء العالم، وأنّ الفارق الوحيد هو أن الصين يمكن أن تسير بسرعة كبيرة نحو إزالة الحواجز.

ومن المرجّح أن يهدأ الجدل عاجلا أم آجلا وتلتحق بالصين دول أخرى، لكن الفجوة بين ما يمكن أن يحدث في الصين وبقية أنحاء العالم يمكن أن تتسع إلى درجة يصعب ردمها.

ولا يقف الاختراق الصيني الكبير عند التحرّش بالمحرّمات الكبرى، بل تمتد تداعياته إلى جميع بحوث الأدوية الحيوية، التي يسمح بها تخفيف القيود دون أن تجلب انتباه عناوين الأخبار.

وتشير التقارير إلى أن شركات ومختبرات الأدوية الصينية أصبحت تتحرك في مسار آخر ويمكن أن تهدّد هيمنة الشركات الغربية، التي قد تجد نفسها متخلفة عن الوتيرة المتسارعة للتقدّم الصيني.

ويؤكد مراقبون أن بعض الشركات الغربية بدأت تفكر بفتح مختبرات في الصين كي لا تجد نفسها متخلفة عن ركب صناعة الأدوية في المستقبل القريب.

وهناك إجماع اليوم على الاعتقاد بأن أي ثورة مدوية في الهندسة الوراثية، ستنشأ حتما في الصين وليس في الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، التي كانت حتى وقت قريب معقل التقنيات الحديثة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>