باسوورد

26-11-2018 03:11 PM - عدد القراءات : 332
كتب عبدالجليل معالي
كلمات المرور لا تمثل فقط أنظمة حماية تتيح النفاذ إلى الحقول الشخصية.. أو حسابات في المواقع الاجتماعية، وإنما تحولت إلى ما يشبه الواجبات المدرسية التي يفترض بالمواطن المعاصر حفظها.
باسوورد

منذ كان صغيرا كانت تدهشه كلمات مشتقة من قاموس المخابرات والعسكرية والجاسوسية من قبيل: “كلمة السر، البيان رقم واحد، الساعة صفر”. كان يحبّ تلك الكلمات بالذات ويحسّ أنها قادمة من عالم آخر غير عالمه الصغير البسيط. كان يتمنى أن يعترضه أحدهم في مكان مقفر في الساعة صفر (المتفق عليها سرا) ليطلب منه كلمة السر، لينطقها بكل ثقة مثلما رأى في الأفلام البوليسية القديمة، ثم يُعلَنُ البيان رقم واحد، والذي لم يكن يعرف وقتها أنه سليل الانقلابات العسكرية أو رديفها.

لم يكن يعرف أن كلمة السر تلك، ستتحول إلى أسلوب حياة، محطات يومية يتوقف عندها عشرات المرات في مختلف مفاصل حياته المهنية أو الشخصية أو الإدارية.

كلمة مرور للكمبيوتر الذي يمتشقه وبقية الزملاء لإعداد العمل. باسوورد للسكايب وكلمات سر أخرى لكل عناوين البريد الإلكترونية، وأخرى لفيسبوك ولتويتر وللهاتف وللاطلاع على الأوضاع المريعة للحساب البنكي، وأخرى لسحب الأموال من الصراف الآلي، إن كانت به أوراق.

اعترى الكمبيوتر خلل، فطلب من التقني المكلف بإصلاح كل شيء، أن يزيد سرعة الجهاز البطيء، فثبت التقني نظام تشغيل جديد ولم ينس أن يزود الكمبيوتر بكلمة سر طويلة، اسم وسنة ورمز عملة صعبة، احتاجت منه أسابيع لكي يحفظها وعززت قائمة طويلة ضجّ بها رأس ملأه الشيب.

التلفزيون والآي باد والهاتف وراديو السيارة، وكل اللوازم والتفاصيل والأصول والفروع أصبحت تشترط المرور بكلمة المرور، وعليه فإن الإنسان أضحى مطالبا بحفظ ما تيسر من قصار كلمات المرور وإلا تعطلت حياته أو توقف عند باب الخدمة.

تعريفات الإنسان التي بدأت، ساذجة بالقول إنه حيوان ناطق، ومرت إلى اعتباره حيوانا اجتماعيا أو حيوانا مفلسا، يجدر بها أن تضيف أن الإنسان حيوان مدجج بكلمات السر، وإن افتقدها فسيكون، ضرورة، خارج الوجود العصري واقفا عند مداخل الخدمات والأسرار والمعاملات.

التفكير في الانزياحات التي شهدها العالم، لا بد أن يقود إلى تفحص أثر ذلك على التفاصيل؛ تفاصيلنا ومشاغلنا وصولا إلى علامات الدهشة التي تجتاح وجوهنا. ومن التفاصيل أن كلمات المرور تلك لا تمثل فقط أنظمة حماية تتيح النفاذ إلى الحقول الشخصية التي تسمى إيمايلات أو حسابات في المواقع الاجتماعية، وإنما تحولت إلى ما يشبه الواجبات المدرسية التي يفترض بالمواطن المعاصر حفظها وإلا عوقب بالبقاء خارج الفصل في العراء الافتراضي. هذا النص سيرسل عبر سكايب والإيميل ما سيحتاج من المرسل إليه أن يضع كلمة مرور لاستقباله وفتحه وقراءته.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>