الذكاء الاصطناعي والأفق الخطير

26-11-2018 03:09 PM - عدد القراءات : 270
كتب أبو بكر العيادي العرب -لندن
ما مصير الإنسان إذا أوكل كل أنشطته، حتى الفنية منها، إلى آلات؟ ألا يُفقده التواكل طاقة الخلق فتغدو حياته رتيبة مملة؟ ألا يخشى أن تنقلب عليه تلك الآلات التي ما انفك يطورها؟
 الذكاء الاصطناعي والأفق الخطير

في مسرحية “آر يو آر” R U R (اختصارا لعنوانها بالتشيكية Rossumovi Univerzální Roboti أي رجال رُوسُّومْ الآلية العالمية)، حذر التشيكي كارل تشابيك منذ مطلع عشرينات القرن الماضي من الإفراط في الاتكال على الآلات المتطورة، وتنمية ذكائها بشكل قد يدفعها إلى التمرد عليه، والحلول محله، وربما إبادته.

حضَرنا هذا المثال عند الوقوع على نبأ تصدّر بعض المواقع الإلكترونية عن ثورة في عالم الفن كان مسرحها قاعة كريستيز بنيويورك، فقد عرضت تلك الشركة العالمية المتخصصة في المزادات العلنية، أواخرَ أكتوبر المنقضي، لوحة فنية للبيع، رُسمت بواسطة “الذكاء الاصطناعي”.

 هذه اللوحة هي عبارة عن بورتريه لأحد أعيان فرنسا في القرن التاسع عشر يدعى إدمون بيلامي، أنجزته مجموعة باريسية تدعى أوبفيوس على منوال الرومانسيين، فبدا الوجه غائما كأنه مَمحوّ أو مطموس، ولكن التوقيع كان معادلة لوغارتمية معقدة قام بها “الذكاء الاصطناعي” استنادا إلى بنك من الصور وخمس عشرة ألف لوحة، ليخلق منها واحدة لا تشبه أيّا من تلك اللوحات.

وبصرف النظر عن بيعها بـ500 432 دولار رغم أن ثمنها عند انطلاق المزاد حدّد بعشرة آلاف دولار، لم تكن تلك اللوحة سوى محاولة تجريبية، لأن الغاية في النهاية هي التوصل إلى برمجة لوغارتمية تسمح بتقليد أسلوب فنان حقيقي لرسم لوحات جديدة، كأن يتم رسم لوحات لمن رحلوا كبيكاسو ودالي وكليمت، وحتى مايكل أنجلو ودافينشي وبوتيشلي، وهو ما قامت مايكروسوفت منذ سنتين حينما قلّدت لوحة لرمبرانت باستعمال “الذكاء الاصطناعي”.

والسؤال الذي يطرح الآن في الأوساط الفنية يتعلق بالوضعية القانونية لمثل هذه الأعمال، هل هي من ابتكار المبرمج أو من ابتكار اللوغاريتم نفسه؟ وما وضع الفنان في المستقبل إذا نابت عنه الآلات الذكية؟ وما مصير الفنانين بعامة إذا صار في مقدور كل متمرس بالبرمجيات واللوغارتمات أن يبدع اللوحة التي يريد، أو صارت تلك البرمجيات تباع في الأسواق كسائر التطبيقات الإلكترونية؟ وما أثر ذلك على سوق الفن عموما؟

بيد أن الأهم من كل ذلك، ما مصير الإنسان إذا أوكل كل أنشطته، حتى الفنية منها، إلى آلات؟ ألا يُفقده التواكل طاقة الخلق فتغدو حياته رتيبة مملة؟ ألا يخشى أن تنقلب عليه تلك الآلات التي ما انفك يطورها ويهبها ذكاء قد يفوق ذكاءه هو نفسه في قادم الأعوام، فترتد عليه، كما تحذرنا روايات الخيال العلمي؟

يقول تشابيك “لا تظنوا أن النشوء الذي نجمت عنه حياتنا هو الإمكانية الوحيدة للنشوء على كوكبنا”.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>