كوانت بديل عن غوغل: فرنسا تستعيد السيادة الرقمية

26-11-2018 03:05 PM - عدد القراءات : 257
كتب العرب -لندن
بالرغم من أن مفهوم “السيادة الرقمية” حديث نسبيا إلا أنه يتصدر اهتمامات دول أصبحت تعتقد أنها “مستعمرات رقمية” وتسعى إلى استعادة سيادتها على بياناتها وبيانات مواطنيها.
 كوانت بديل عن غوغل: فرنسا تستعيد السيادة الرقمية
بدأت فرنسا خطواتها العملية لتفادي أن تصبح مستعمرة رقمية للولايات المتحدة أو الصين؛ إذ أعلنت كل من الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى للبرلمان الفرنسي) ووزارة الدفاع أن أجهزتهما الرقمية ستتوقف عن استخدام محرك البحث غوغل وستستبدلانه بمحرك كوانت (Qwant)، وهو محرك بحث فرنسي وألماني يفخر بعدم تتبّع مستخدميه.

وقال فلوريان باشيلييه، أحد النواب الذين يرأسون فرقة عمل الأمن السيبراني والسيادة الرقمية بالجمعية الوطنية التي أطلقت في أبريل الماضي للمساعدة في حماية الشركات الفرنسية والوكالات الحكومية من الهجمات الإلكترونية ومن تزايد الاعتماد على الشركات الأجنبية، “إن الأمن والسيادة الرقمية معرضان للخطر هنا، ولذلك علينا أن نعطي مثالا يحتذى به للشركات”.

وتطرق وزير الدولة للشؤون الرقمية في فرنسا منير محجوبي قبل أيام قليلة إلى القانون السحابي في الولايات المتحدة الأميركية، وهو قانون جديد يسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى البيانات المخزّنة على الخدمات السحابية للشركات الأميركية أينما وجدت في العالم، مؤكدا أن فرنسا تستعد للرد مع الدول الأوروبية الأخرى على تأثيرات القضية.

وبالرغم من أن مفهوم “السيادة الرقمية” جديد نسبيا، إلا أنه يمكن تلخيصه في دفاع البلد لاستعادة السيطرة على بياناته وبيانات مواطنيه، ويشمل ذلك الجانب العسكري متمثلا في قدرة الدولة على تطوير قدرات الأمن السيبراني الهجومية والدفاعية دون الاعتماد على تكنولوجيا أجنبية الصنع. أما على المستوى الاقتصادي، فإن هذا المفهوم يشمل القضايا التي تتعلق بفرض الضرائب على شركات التكنولوجيا الكبيرة وإنشاء شركات ناشئة.

ويذكر أن الحديث عن مفهوم السيادة الرقمية في فرنسا بدأ مع ظهور العميل الأميركي إدوارد سنودن الذي قدّم عام 2013 أدلة سقوط كذبة حقوق الإنسان الرقمية، كشفت تورّط وكالة الأمن القومي الأميركية في التجسس على قادة ودول أجنبية، صديقة كانت أو عدوة.

وأوضح تقرير صادر في نفس العام من مجلس الشيوخ في البرلمان الفرنسي القلق من أن تصبح فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي ككل “مستعمرات رقمية”، وهو مصطلح استخدمه خبراء فرنسيون منذ ذلك الحين للتنبيه حول التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة والصين.

وأظهر استطلاع للرأي أن ثلثي الفرنسيين لا يثقون في الشبكات الاجتماعية.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صريحا بشكل خاص حول استعادة استقلال فرنسا عن شركات التكنولوجيا الأجنبية، خاصة في ما يتعلق بمسائل حماية البيانات، والتي تظهر معارضة الشركات الأميركية والصينية المهيمنة وسياسات حكومتها بشأن القضايا الرقمية.

وقال ماكرون في 12 نوفمبر الجاري “إذا لم نقم بتنظيم الإنترنت، فإن الخطر يكمن في قلب أسس الديمقراطية”، مضيفا “إذا لم نقم بتنظيم علاقات الشركات بالبيانات، فما الهدف من الحكومة المنتخبة ديمقراطيا؟”.

مفهوم "السيادة الرقمية" جديد نسبيا، ويمكن تلخيصه في دفاع البلد لاستعادة السيطرة على بياناته وبيانات مواطنيه
مفهوم "السيادة الرقمية" جديد نسبيا، ويمكن تلخيصه في دفاع البلد لاستعادة السيطرة على بياناته وبيانات مواطنيه

وفي سبتمبر الماضي، صوّت البرلمان الأوروبي لصالح تعديل قانون حقوق المؤلف الذي يثير الخلاف بين فنانين وناشري صحافة من جهة وبين عمالقة الإنترنت من جهة أخرى. وقبل ساعات من التصويت، كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على تويتر “تدور معركة أساسية لحقوق المؤلف: حماية الإبداع والمعلومات هي ضمان لحريتنا ودفاع عن نموذجنا”. وأكد ماكرون أن “أوروبا يجب أن تكون بمستوى ثقافتها”.

وكانت ماريا غابريال، المفوضة الأوروبية للاقتصاد الرقمي، ذكرت خلال مناقشة في البرلمان الأوروبي عشية التصويت “نحن الآن في مرحلة حاسمة”، مشيرة إلى أن “قواعد اليوم تعود إلى زمن ولى لم يكن يعرف الإنترنت السريعة أو الهواتف الذكية أو شبكات التواصل الاجتماعي”.

وكان تيم بيرنرز لي، الملقب بـ”أبوالويب” والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة أوكسفورد بالولايات المتحدة، قال إنه يشعر بخيبة أمل إزاء الوضع الحالي للإنترنت، بعد الفضائح التي أثيرت حول إساءة استخدام البيانات الشخصية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الكراهية.

وأضاف مخترع شبكة الإنترنت عام 1989، أن شركات التكنولوجيا العملاقة في وادي السيليكون مثل فيسبوك وغوغل نمت بشكل كبير، وتحتاج إلى تفكيكها ما لم يحد منافسوها من نفوذهم.

وأنتجت الثورة الرقمية حفنة من شركات التكنولوجيا التي مقرها الولايات المتحدة منذ تسعينات القرن الماضي، والتي تمتلك الآن قوة مالية وثقافية مشتركة أكبر من معظم الدول ذات السيادة. ويعتبر بيرنرز لي أن فضيحة كامبريدج أناليتيكا كانت نقطة تحول بالنسبة إلى الكثيرين، وهو منهم.

لكنه حثّ على الحذر أيضا عند القيام بتقليص حجم هذه الشركات، قائلا إن سرعة الابتكار بالتكنولوجيا حول العالم تسمح بالقيام بهذه الخطوة، ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال تحول داخل سوق التكنولوجيا وليس بتقليصها لدرجة عدم القدرة على المنافسة.

وكان إريك شميت، الرئيس السابق لغوغل قد أحدث ضجة في شهر سبتمبر الماضي، حين توقع وهو يُلقي كلمة في حدث خاص في وادي السيليكون، أن الفضاء الإلكتروني يتجه نحو “تمزق تاريخي”.

وقال شميت “أعتقد أن السيناريو المحتمل (خلال السنوات الـ10 إلى 15 المقبلة) ليس تقسيم الإنترنت بل تشعّبها إلى شبكة إنترنت تقودها الصين وشبكة إنترنت غير صينية تقودها الولايات المتحدة الأميركية”، مضيفا، “أعتقد أنكم سترون قيادة رائعة في المنتجات والخدمات من الصين”.

ولاحظ شميت أن المبادرة الصينية تضم 60 بلدا. وفي المستقبل “من المحتمل جدا أن تبدأ هذه البلدان بتبنّي البنية التحتية التي تملكها الصين”، بدلا من المنصة التي تقودها الولايات المتحدة حاليا. أو بعبارة أخرى: الخطر الآن هو ظهور نسخة القرن 21 من الستار الحديدي الذي كان قائما في العهد السوفييتي، أي حاجز إلكتروني يقسم شبكة الإنترنت العالمية إلى قسمين.

وقبل خمس سنوات شارك شميت في تأليف كتاب مع زميله السابق جارد كوهين، أثار فيه مخاوف بشأن احتمال انقسام الإنترنت “splinternet”، واليوم أصبحت القضية موضوعا ثابتا للنقاش بين المطلعين على التكنولوجيا.

وكانت الحكمة السائدة من قبل تشير إلى أن شبكة الإنترنت الموحدة تعزز الديمقراطية من خلال التدفق الحر للمعلومات. ومع ذلك، لم تعد الأمور تبدو بهذه البساطة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>