من التواصل الاجتماعي إلى معرض الأحوال الشخصية

26-11-2018 03:15 PM - عدد القراءات : 290
كتب طاهر علوان العرب -لندن
معرض متنوع متعدد اللغات والأجناس للأحوال الشخصية والخصوصيات الاجتماعية هو الذي صار قيد الاستعمال في يومنا هذا ولا سبيل إلى التراجع عنه في أي حال من الأحوال.
 من التواصل الاجتماعي إلى معرض الأحوال الشخصية

لم يكن الخيال كافيا للوصول إلى الشكل والوظيفة اللذين بلغتهما منصات التواصل الاجتماعي. كان الخيال إن ذهب إلى أقصاه فإنه سيكون مشغولا بتقصير المسافات بين البشر وتواصلهم بوسائل سهلة وفي أوقات قصيرة.

لكن ذاك الخيال الضروري لأي اختراع أو اكتشاف لم يبلغ المنطقة التي بلغتها أو التي سوف تبلغها هذه المنصات الرقمية التي تتطور باطراد. إنها ما يسميه الباحثون في هذه الوسائط الموجات الاتصالية التي صار تدفقها خارجا عن حدود السيطرة.

فمثلا إن وجود بليوني مستخدم للفيسبوك ينتجون قرابة عشرة ملايين رسالة بما فيها من صور ومعلومات، كل ذلك خارج عن السيطرة وسيتضاعف هذا الاستخدام مع زيادة أعداد المستخدمين في المستقبل المنظور. لكن هذه القبيلة (الفيسبوكية) مثلا مكشوف واقع حالها في الكثير من الأحيان لجهة كونها يجب أن تتعارف وتُعرف وإلا لماذا دخلت ذلك الفضاء الافتراضي إلا ليعرّف كل مستخدم نفسه.

في لعبة قدمها فيلم خيال علمي اسمه الدائرة، يقوم كل مشارك بتقديم نفسه للآخرين ولكن من دون أن يروه أو يعرفوه شخصيا حتى يتم التخلص من الفائضين بسبب اكتظاظ الدائرة بالمشاركين حتى تفيض بهم. واليوم، نجد هذه المنصات وقد فاضت بمستخدميها حتى صار كل واحد يتفنن في الطريقة التي يمكن أن يجذب بها الآخرين.

والقصة في المقياس الاجتماعي سوف تتعقد أكثر من وجهة نظر الباحث في الوسائط الاتصالية الرقمية كارل نيست بحديثه عن تجذر هذه الوسائط بما ينتج إحساسا متفاقما بالطبقية والتباين الحاد بين المستخدمين، فمثلا هنالك من يعرض مقتنيات ثمينة كاستخدام شخصي من حلي ومجوهرات وإكسسوارات وساعات فاخرة وما إلى ذلك فيما يتفرج شباب عاطل على كل صور البذخ بمشاعر محبطة أحيانا وهنا سوف تتخلص الدائرة من مستخدمين فائضين فيها. ثم إن هذه المنصات التي تتيح سهولة في التعارف جلبت في العديد من البلدان ظاهرة التحرش الإلكتروني فمثلا لا تكاد امرأة في العالم العربي تضع صورتها أو صورا من محيطها الاجتماعي إلا وتتعرض إلى اختراق ما من طفيليين أو متحرشين أو أصناف أخرى من المستخدمين.

وجود بليوني مستخدم للفيسبوك ينتجون قرابة عشرة ملايين رسالة بما فيها من صور ومعلومات، كل ذلك خارج عن السيطرة وسيتضاعف هذا الاستخدام مع زيادة أعداد المستخدمين في المستقبل المنظور

معرض الأحوال الشخصية هذا هو الذي صار أمرا واقعا في هذه الوسائط فالاحتفال بأعياد ميلاد المستخدمين وشؤونهم العائلية وصداقاتهم ومشاويرهم ولقاءاتهم وأماكن عملهم وتفضيلاتهم من ملابس وطعام ومقتنيات شخصية وأفلام وأغان وموسيقى كل ذلك صار أمرا بديهيا ولم يعد كشفا للخصوصية مع وجود أعداد غفيرة تكشف عن كل ذلك بأريحية تامة.

يتحدث الباحث فيل لي المتخصص في الآثار الاجتماعية للوسائط الرقمية عن معايير الخصوصية قائلا إننا أمام معايير زئبقية متغيرة بتغير وتطور الوسائط نفسها وهي التي صارت تنتج أنماط الخصوصية. ويذهب إلى أن ما كان بالأمس يعدّ ولوجا إلى خصوصيات خاصة وشخصية صار في عرف الكثيرين اليوم وخاصة من جيل الشباب شرطا أساسيا للتعارف والتواصل ونمو العلاقات عبر الوسائط الاتصالية.

الخيال الذي تحدثنا عنه دفع مخرج أحد أفلام الخيال العلمي الذي يحمل اسم ANON إلى الدخول إلى عالم افتراضي ربما سوف نعيشه في المستقبل المنظور أو سيعيشه الجيل اللاحق وهو أن يتعرف الكل على الكل من خلال برمجيات مباشرة تتيح تمييز الوجه والعين للشخص عن غيره ثم يظهر سجل الشخص ابتداء من اسمه وعمله وسنّه ومحل سكناه وغير ذلك بشكل مباشر ومن خلال العين والهاتف المحمول.

الحاصل أن معرضا متنوعا متعدد اللغات والأجناس للأحوال الشخصية والخصوصيات الاجتماعية هو الذي صار قيد الاستعمال في يومنا هذا ولا سبيل إلى التراجع عنه في أي حال من الأحوال وأما ما هو آت فليس إلا تعميقا وتوسعة لذلك الفضاء الرقمي الفسيح الذي لا إرادة فيه لأحد أن يكون مكشوفا وليس إلا نظاما خوارزميا يتنقل عبر القارات


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>