مستقبل العملات الرقمية بين الشك واليقين

21-06-2018 06:17 AM - عدد القراءات : 714
كتب د.عادل عبد الصادق*
مرّت حوالى عشر سنوات على بداية فكرة العملات الرقمية ،وهو ما يطرح العديد من التصورات حول مسقبل تطورها على الاقل في غضون السنوات العشر أو العشرين القادمة ،
مستقبل العملات الرقمية بين الشك واليقين

 

مرّت حوالى عشر سنوات  على بداية فكرة العملات الرقمية ،وهو ما يطرح العديد من التصورات حول مسقبل تطورها على الاقل في غضون  السنوات العشر أو العشرين القادمة ، ويتبني  المنظور التاريخي والذي هو بمثابة إختبار فكريّ، فرضية ان يكون اساس التطور متوقفا على وجود البنية التحتية المعلوماتية و قدرة الجهات الفاعلة القليلة من الالمام  بالمجال الالكتروني في سبيل  الوصول الدائم والمؤمن إلى خدمات إلكترونية ،وقدرة الفاعلين من غير الدولة في مقابل موقف الحكومة الرسمية من استعمال تلك العملات الرقمية .

وسيتعلق مستقبل العملات الرقمية بالتحرك في اربع دوائر  أساسية هي دائرة المستهلكين الذين يدفعون بـ "البتكوين" ،ودائرة التجار الذين يقبلون بها ،ودائرة المنقبين الذي يقومون بتشغيل الأجهزة التي تقوم بالمعالجه ،ودائرة المطورين ورواد الأعمال الذي يقدمون خدمات ومنتجات جديدة. وهو ما يدفع الى ان تصبح العملة الرقمية مثل الخدمات الاخري الشعبية مثل خدمة الدفع الالكتروني او الانترنت او الفيسبوك .

وبسبب التقلبات التي تواجه العملات الرقمية بين الحين والأخر ثمة صعوبة في تبني توقع محدد لمستقبل العملات الرقمية ،ولكنه يمكن القول ان هناك نموا لدورها في البيئة المالية والمصرفية على المستوى العالمي .

وهو ما قد ينعكس في إحداث تحولات في مواقف الدول المعارضة لها في المستقبل ،وبشكل يتم زحفها رويدا رويدا لتحتل الصدارة في الأسواق المالية،وبخاصة في ظل التطور الهائل في مجال التحول الرقمي والتقنيات الرقمية و الذكاء الصناعي،و التي تدعم عمليات التحول في البيئة الماليّة التقليديّة للدخول في البيئة الرقمية الجديدة التي  تقبل تداول هذه العملات،وذلك بالاعتماد بشكل كبير على الاستثمار في التقنية –سلسلة الكتلة -  للعملات الرقمية بغض النظر عن خسارة او مكسب احدى العملات الرقمية .

وتظل عملية التقدم في تنظيم استخدام العملات الرقمية تحديا قابلا للحل والمواجهة في ظل تلك الرغبة والقدرة في الدخول في تعاملاتها و البيئة الرقمية المالية المحفزة ،وهو  الأمر الذي يحتاج  الى تضافر الجهود بين البلدان، إذ يجب على السلطات النقدية معاً البدء في التفكير بالسبل اللازمة لتنظيم الأمر في أنحاء العالم.وحين يتم  التحرك رسمياً تجاه العملات الرقمية، قد يحدث ما يصعب تقديره، لكن التحول ربما يحدث من 5 إلى 10 سنوات،

وبشكل عام،يحمل ذلك وجهين مختلفين ،يتعلق الاول بالقدرة على التامين والحماية من جانب الأجهزة الأمنية والدفاعية للمعلومات والعمليات الالكترونية ،و لكن من جانب من جهة ثانية ،يتيح ذلك الفرصة للأعداء سواء لدول او لحكومات من تهديد تلك المصالح الالكترونية واستخدام المجال المحمي نفسه من تحقيق أهداف تضر بالامن القومي .

،الا ان تلك الأخطار وغيرها لا تمثل الا امرا طبيعا مع امر جديد ويغيب عملية فهم تقنية عملة عن الكثير من المختصين ، والتي لا تعدو عن كونها خدمة مالية –رقمية من شانها تسهيل التواصل والتبادل بين الشركاء بعيدا عن البيروقراطية التي تفرضها البنوك العاملة او البنوك المركزية وعلى الرغم من الوجود لمعاملات ومعالجات مالية إلكترونية  لكن تقنية  “سلسة الكتلة ” يمكنها أن توفر نظما أكثر تطوراً مع حقبة “الأموال الذكية” المحتملة.

  ،ولعل الحوافز الاقتصادية لانتشار العملات الرقمية سيدفع الى التبني على حذر في المرحلة الحالية مع التطور الموازي الذي تقوم به بعض الدول في مجال تقنين استعمالها وفرض ضرائب على تداولها ، و تواجه عملية التشجيع  لاعتماد العملات الرقمية كبديل عن العملات الرسمية  تحدي يتعلق بمدى قبول المجتمع لها كاساس لتبادل السلع والخدمات،ومن ثم فانها تفتقد الى الخلفية التاريخية والي الشرعية في استخدامها ، وبخاصة انه لا يوجد لها غطاء ذهبي او نقدي كما تم اعتمادة في النظام المالي العالمي.ولكن قد يتم التغيير في الاتجاهات عندما تصبح التقنية القائمة على  العملات الرقمية اكثر شيوعا وجديرة بالثقة ، وان تكون الوسيلة  الاكثر قبولا  للقيام بعمليات التحويلات المالية .وما زال هناك تحدي في قدرة  عملة رقمية لكي تحل محل العملة العادية –الورقية في العمليات التجارية اليومية ،ولن تنجح على الاقل في المدى القصير في ازاحة العملات الورقية وربما تتمكن في تحقيق ذلك في المستقبل .

وربما تستفيد العملات الرقمية أيضاً من الدول النامية حيث إنها منخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام عبر الأجهزة الإلكترونية، كما ستمكن هذه العملات من زيادة النشاط بالخدمات المالية حول العالم،وسيكون للعملات الرقمية  تاثيرات ايجابية كلما زاد عدد المتعاملين بها وزيادة قيمتها في ذات الوقت ،هو ما يحفز الاخرين لاستخدامها .

وتم الاعلان عن تحالف مصرفي عالمي لاصدار عملة إلكترونية جديدة ويتكون من البنك السويسري العالمي “UBS”، و”دويتشه بنك” الألماني، وبنك“سانتاندر” البريطاني، إضافة إلى المصرف الأميركي “بني ميلون”.

وعلى الرغم من كل هذه الاختلافات، فإن الحكومات بدأت في اتخاذ خطوات للتكيف مع العملات الرقمية، باعتبارها أمرا واقعا وعملة متداولة لها قيمة ومقابل بعد أن كانت بعض الدول كالصين تجرّم التعامل بها.

وهناك عدد من الدول التي تتسابق من اجل تشجيع الاستثمارات في العملات الرقمية مثل دولة "استونيا "، حيث تعمل على جذب المستثمرين من جنوب شرق اسيا ،بالاضافة الى توجه دول اخري مثل المانيا ببحث فرض ضريبة ارباح على تلك العملات الرقمية ،ووفي بلدان مثل بريطانيا وروسيا وكندا وأستراليا والصين، يدرس حالياً كيف يمكن صك العملة الرقمية الخاصة بكل دولة وضخ الأموال عبر نظام إلكتروني، وقد كثفت البنوك المركزية هذا العام من جهودها في هذا الصدد.

إلا أن التحدي الموجود حاليا للدول ولمطوري العملات الرقمية هو مدى إمكانية تطوير مرونة العملات الرقمية. فهي بحكم حداثتها لا تملك المرونة التي تملكها العملة المركزية؛ ولذلك فإن تحويل العملات من رقمية إلى مركزية قد يستغرق وقتا يصل إلى ساعات. وقد تكون هذه بداية لنوع جديد من العملات الرسمية العالمية، وتطويراً جديداً للنظام المالي في العالم.

ولعل الاثر السياسي والاجتماعي سيكون ملموسا على المديين الطويل والقصير كنتيجة لبروز العملات الرقمية كنمط جديد من الخدمات الالكترونية التي تزداد مرونه وانتشارا حتى بين المستخدم الاقل الماما بمهارات المجال الرقمي .

ويبقى القول ان عملية فهم التقنية المرنة التي تتيحها العملات الرقمية ستلعب دورا هاما في المستقبل بشان الحكم على انتشارها والدرجة في الثقة بها ، وواقع الحال يشير انها قد كسبت ارض كبيرة مقارنه ببدايتها كفكرة منذ عشر سنوات ، فقد حظيت على اعتراف دول كبري بها ، ودول اخري تفكر في اصدار عملات رقمية خاصة بها ، ودول اخري تستثمر في عمليات التنقيب ، ولا يرتبط الموقف من العملات الرقمية بانواعها المتعددة بل يرتكز على القدرة على توظيف تقنية "سلسلة الكتلة " في تسهيل العمليات المالية ،وهي التي ستحدث ثورة في المجال المالي العالمي ، وربما يطور الأمر الى وجود سلطة مركزية كبري تنظم آليات التعامل مع تلك العملات الرقمية الجديدة ،وتضع القواعد المنظمة والملزمة للدول كما نجح المجتمع الدولي من قبل في التعامل مع مخاطر اخري شبيه .

ومن ثم فان عملية التقدم في فهم الطبيعة التقنية للعملات الرقمية يمكن ان تساهم في التطور المالي والاقتصادي وانعكاس ذلك في حجم الاستثمارات والنمو ،وان من سيفهم اولا سيتمكن من ان يكون له وجود في مستقبل التحول المالي الرقمي ،وعلى الرغم من خطورة العملات الرقمية على الامن القومي وسيادة الدولة المالية الا انها يمكن ان تتحول الى فرصة لتعزيز الاقتصاد الوطني وحماية الأمن القومي من خلال الاستثمار في الابداع والابتكار وإطلاق مبادرات وطنية تحافظ على دوره راس المال في الداخل وتحمي الاقتصاد الوطني من التدخلات الخارجية.   

 

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>