الإنترنت وحركة التغيير في إيران

02-01-2018 05:33 AM - عدد القراءات : 1951
كتب د.عادل عبد الصادق نشر في جريدة الاهرام في 2009 يونيو 18
كشفت الحملة الانتخابية في إيران عن تغيرات كبري في رحم المجتمع هناك‏,‏ فقد دخل الإنترنت بقوة في معترك العملية الانتخابية‏,‏ خاصة من جانب الإصلاحيين‏,‏

كشفت الحملة الانتخابية في إيران عن تغيرات كبري في رحم المجتمع هناك‏,‏ فقد دخل الإنترنت بقوة في معترك العملية الانتخابية‏,‏ خاصة من جانب الإصلاحيين‏,‏ بما عمل علي إيجاد إعلام بديل للمعارضة وقوي التغيير مواز لإعلام الحكومة الذي يسيطر المحافظون بوجه عام‏,‏ وهو إعلام بديل استهدف الوصول للرأي العام مباشرة‏,‏ وإحداث تغيير في توجهات الناخبين الراغبين في التغيير والخروج من عباءة النظام الديني المتشدد إزاء الحريات‏,‏ فضلا عن الكشف عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع الإيراني‏.‏

ظهر الإنترنت كوسيلة فعالة للمرشحين‏,‏ خاصة الإصلاحيين‏,‏ للدعاية والحشد والتعبئة والتجنيد والتعبير عن برامجهم الانتخابية وأفكارهم والتواصل مع الناخبين‏,‏ وكذلك في مخاطبة فئة الشباب الأكثر استخداما لتلك الأدوات والأكثر نفوذا في حسم السباق الرئاسي‏,‏ وجاء ذلك مع ما يزيد علي‏23‏ مليون مستخدم للإنترنت‏,‏ وبما يشكل ما يقرب من‏35%‏ من عدد السكان البالغ‏71‏ مليون نسمة‏,‏ يستخدم منهم أكثر من‏45‏ مليون شخص هواتف محمولة‏.‏

وتمثل بذلك واحدة من أعلي نسب الانتشار في الشرق الأوسط‏,‏ ويكتسب ذلك أهميته مع وجود مجتمع يشكل فيه من هم أقل من الثلاثين عاما ثلثي عدد السكان‏,‏ وما تحمله تلك الفئة من طموحات ورغبة جامحة في التغيير‏,‏ خاصة وسط الطلبة ذوي الدور التاريخي في التغيير في إيران‏.‏

وعلي الرغم من القيود التي تحاول أن تفرضها الحكومة الإيرانية علي الإنترنت‏,‏ إلا أنه أصبح وسيلة فعالة لقوي المعارضة والتغيير أو التيار الإصلاحي في الانتخابات‏,‏ وبمثابة أداة رخيصة وبعيدة عن السيطرة الحكومية‏,‏ وهذا ما دفع إلي ارتفاع مستوي المشاركة في الانتخابات لتصل إلي‏83%‏ علي نحو غير مسبوق من إجمالي‏35‏ مليون ناخب‏,‏ وجاءت تلك المشاركة الفاعلة نتاج جهود عديدة للمتنافسين لجذب الناخبين‏,‏ عبر استخدام العديد من أدوات الرأي والتعبير عبر الإنترنت كالمواقع والمجموعات البريدية وغرف الدردشة والمدونات والمواقع الاجتماعية وإنشاء مجموعات الفيس بوك للمرشحين وجذب الأعضاء إليها‏,‏ وقيام شبكة من التواصل مع الناخبين‏,‏ فضلا عن قيام المرشحين بإنشاء مواقع علي الإنترنت خاصة بهم والتراسل عبر تقنية البلوتوث ونشر أشرطة الفيديو عبر موقع يوتيوب‏.‏ وتمكن الإصلاحيون خاصة مرشحهم القوي موسوي من التعبير عن انتقاداتهم للرئيس نجاد وطرح رؤية مغايرة في تعامله مع قضايا الخارج والداخل‏,‏

وتمكن كذلك من تلافي احتكار الدولة للإعلام الرسمي ومنع محطات التليفزيون والإذاعة الخاصة من تغطية أخبار حملته الانتخابية‏,‏ مما عزز النقاش العام حول القضايا ا لداخلية والانفتاح علي الخارج‏.‏

وبذلك مثل الإعلام الجديد متنفسا للعديد من الآراء السياسية المختلفة والأقليات العرقية والدينية داخل إيران‏,‏ بالإضافة إلي تميزه بالسرعة في الانتشار وقلة التكلفة وتعدد الوسائل الإعلامية من النص والصورة والفيديو‏,‏ بما جعل من ذلك عناصر جذب للشباب الإيراني الراغب في الانفتاح علي العالم‏,‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ التعبير عن مشاكله وهمومه السياسية والاجتماعية والاقتصادية‏,‏ وظهر ذلك في وصول عدد المدونات مثلا في إيران إلي ما يزيد علي‏700‏ ألف مدونة‏,‏ بما يشكل ثاني أكبر عدد للمدونين بعد الصين‏,‏ بل وقد أصبح لهؤلاء المدونين القدرة علي التأثير في قرارات السياسيين‏,‏ وفي تناول الكثير من الموضوعات التي كانت تعتبر ممنوعة من قبل‏,‏ وزادت درجة تفاعل الشباب الإيراني مع انتهاكات حقوق الإنسان‏,‏ وتمكن المعارضون والطلبة الإيرانيون من الوصول إلي شريحة واسعة النطاق من الجماهير وطرح رؤي مغايرة لما هو منشور في وسائل الإعلام الحكومية‏.‏ لقد دفعت القيود علي وسائل الإعلام الحكومية الشباب الإيراني لاستخدام أدوات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات للتواصل مع الداخل والخارج‏,‏

ودفع كذلك ميل الشعب الإيراني للمشاركة السياسية لاستخدام تلك الأدوات الإعلامية الجديدة في محاولة لتلافي الرقابة القوية علي الكتب والصحف المطبوعة والبرامج الإذاعية والتليفزيونية ونشاط المجتمع المدني‏,‏ وأصبح الإنترنت يتميز بالحرية النسبية الأوسع والأكثر اتصالا وتواصلا مع الآخرين‏.‏ وعلي عكس ما روج له النظام الإسلامي في إيران من ان الإنترنت يشكل تهديدا للهوية الفارسية‏,‏ فإنه عكس تعبيرا عن تلك الهوية عبر أهم خصائصها وهي اللغة‏,‏ حيث مثلت اللغة الفارسية واحدة من أكثر اللغات العالمية استخداما في المدونات‏,‏ وتم إنشاء العديد من المواقع باللغة الفارسية التي تعبر عن ثقافة وهوية ومصالح الشعب الإيراني‏.‏

وجاء رد الفعل الحكومي الإيراني إزاء هذه التطورات الكبيرة يسيطر عليه الشك وإعلان الخوف علي الاستقرار السياسي والاجتماعي بادعاء أن هناك مؤامرة خارجية لقلب النظام الإسلامي في إيران‏,‏ واتخذت عددا من الإجراءات للتحكم في استخدام الإنترنت‏,‏ واعتقال المدونين‏,‏ وزادت محاولات السيطرة عن طريق إلزام مقدمي خدمات الإنترنت بالحصول علي موافقة وزارة الثقافة‏,‏ بالإضافة إلي حجب المواقع التي تراها الحكومة تشكل تهديدا للجمهورية الإسلامية‏,‏ وتراها تنم عن مؤامرة لإحداث ثورة مخملية أو هادئة بمساعدة المثقفين وآخرين داخل البلاد وخارجها‏.‏ وقامت الحكومة وسط تزايد استخدام الإصلاحيين للإنترنت ونجاحهم في التواصل مع ناخبيهم بحجب تلك المواقع بين الحين والآخر‏,‏ وتم تعطيل خدمة إرسال الرسائل القصيرة وقطع جزئي لخدمة الإنترنت‏,‏ وفور إعلان النتائج وخوفا من رد الفعل العنيف عليها‏,‏ قامت السلطات بحجب مواقع الفيس بوك واليوتيوب‏,‏ بالإضافة إلي عدد من مواقع الإصلاحيين‏,‏ كما قامت بوقف مؤقت لشبكة المحمول الأولي التي تديرها الدولة‏,‏ وذلك خوفا من استغلال تلك الأدوات في تنظيم المظاهرات والحشد والتجنيد لها‏.‏

ويعكس ذلك في مجمله ارتباك النظام الإيراني في إدراك طبيعة تلك الأدوات الجديدة في الاتصال وحجم التغيير داخل المجتمع الإيراني‏,‏ وتجاهله لمدي الاستفادة من توظيف الأدوات نفسها التي يحاربها في تدعيم شرعيته والتأثير في الرأي العام‏,‏ وتعزيز قدرته علي امتصاص ما تعبر عنه تلك الأدوات من مطالب جماهيرية تضمن الاستجابة لها الشرعية والاستقرار‏,‏ إلا أن الصمود أمام رياح التغيير قد لا يستمر طويلا‏.‏


‏adelsadek@hotmail.com
 
 
 
 
 

تقارير المراسلين العالم الوطن العربي مصر الصفحة الأولي
ثقافة و فنون الرياضة إقتصاد قضايا و أراء تحقيقات
المرأة و الطفل ملفات الأهرام أعمدة الكتاب القنوات الفضائية
 

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>