إدمان الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي

30-12-2017 11:11 AM - عدد القراءات : 2122
كتب ليونيد بيرشيدسكي
لقد تعافيت من إدمان الهواتف الجوالة، ولذلك ربما تتوقع أن أرحب بقرار الحكومة الفرنسية حظر استخدام تلك الهواتف في المدارس الابتدائية والإعدادية. في الحقيقة، أنا لست كذلك، فالمشكلة تكمن في البرامج التي تحويها، وليس في الهواتف نفسها.
إدمان الأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي

في أفضل الأحوال، فسوف يتطلب حظر الهواتف الجوالة تعلم مهارات عتيقة، وهو ما يقوم التلاميذ بالكثير منه في المدارس بالفعل. فالهاتف الحديث يشمل جهازاً للتسجيل الصوتي وكاميرا وأطلساً للخرائط، وكراسة للكتابة، وهو أيضاً الجهاز الوحيد الذي يستطيع المستخدم من خلاله سماع أي موسيقي حسب الطلب. ولذلك فإن حرمان الأطفال من مثل هذا الجهاز المفيد سيكون أمراً قاسياً ولن تكون هناك فائدة جراء ذلك. وسيشبه الأمر حرمان البالغين من هواتفهم الجوالة في أماكن العمل.
وحتى لو سلمنا بأن العديد من الأبحاث أظهرت أن استخدام الهواتف الذكية يؤثر بالسلب على إنتاج الفرد، فإن المهارة تكمن في استخدام الميزة التي يقدمها هذا الجهاز، وهي التواصل مع الزملاء أثناء انتقالهم والاستفادة من سهولة الحصول على المعلومات من خلاله، ثم التقليل مما يسببه من إزعاج بلا طائل.
إذن ما هو التطبيق الذي يقضي فيه المستخدمون أغلب أوقاتهم على الهواتف الذكية؟ بحسب تقرير أعده موقع «كوم سكور 2017 لتطبيقات الهواتف الجوالة»، فإن المراهقين يقضون أكثر من نصف أوقاتهم أمام شاشة الهاتف في تصفح التطبيقات الخمسة الأكثر استخداماً، بيد أنهم يختارون موقع التواصل «فيسبوك» أكثر المواقع أهمية. ولذلك فإن إجماعهم على هذا الموقع يجعل منه المادة الأكثر إدماناً في عالم التطبيقات الإلكترونية.
يعمل موقع «فيسبوك» منذ فترة على مقاومة فكرة أن قضاء وقت طويل في مواقع التواصل يؤثر بالسلب عليك؛ ففي تعليق نشر مؤخراً، أفاد مدير الأبحاث، ديفيد غنسبرغ، وخبيرة الأبحاث مويرا بروك، بأن المشاركة - بمعنى نشر التعليقات وتبادل المحتويات والرسائل - من شأنها تحسين مزاج المستخدم، عكس الحال عند الاكتفاء بتصفح ما ينشر. وبغض النظر عن اقتراح الحلول الذاتية (بأداء المزيد من الأشياء على موقع «فيسبوك»)، فإن جدل هذين الخبيرين يبدو متجاهلاً لطبيعة الإدمان. فالمدمن دائماً ما يشعر بسعادة غامرة عندما ينجح في الحصول على قدر كبير مما يرغب فيه. فقط فكر في عدد التفاعلات التي تخطت 10 ملايين لأحد المقاطع المصورة التي بثت عبر «فيسبوك» العام الحالي بعنوان «شاهد هذا الشاب يغني ويتني هيوستن على الهواء كما لو أنك لم تسمعها من قبل». قد يكون كل هذا الشحن قد أعطى المستخدمين جرعة «دوبامين» قوية، لكنك ستكتشف أنه كان من الأفضل لو أنك قضيت هذا الوقت في أداء أي شيء آخر، باستثناء تعاطي الهيروين بالطبع. ما يهم هنا ليس السؤال عما إذا كان الناس تستمتع بالوقت الذي تقضية بموقع «فيسبوك»، لكن الأهم هو السؤال عما إذا كان الناس يضيعون وقتهم في علاقات ضحلة وفي مطاردات غير مثمرة. فعلماء المواقع الاجتماعية يعترفون بأنهم لا يعرفون سوى القليل في هذا الشأن. وفي هذا الصدد، قال عالما التواصل الاجتماعي المذكوران، غنسبرغ وبروك، «نعلم أن الناس تشعر بالقلق تجاه تأثير التكنولوجيا على مساحات انتباهنا وعلى علاقاتنا، وتجاه تأثيرها على الأطفال على المدى البعيد. تلك أسئلة من المهم الإجابة عنها، ولا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه». ويعني ذلك أن المجال مفتوح أمامنا لإصدار أحكام استناداً إلى الخبرات الشخصية، لا على البيانات الكبيرة المستقاة من أعداد المستخدمين.
عندما كنت مستخدماً نشطاً للفيسبوك، كنت أتلقى تهاني بعيد ميلادي من نحو 600 شخص، وكنت أضيع الوقت في كتابة كلمة «شكراً»، وكنت أعاني في تذكر من يكون بعضهم. والعام الحالي، توقفت عن النشر وعن وضع التعليقات وحتى الضغط على كلمة «إعجاب». كذلك قمت بإغلاق «تايم لاين»، أو الخط الزمني، بصفحتي، ليتسنى للناس إرسال تحياتهم فقط بالتعليق على منشور قديم أو بإرسال رسالة. كانت النتيجة أن أقل من 100 شخص فعل ذلك، وهناك أقل من 90 شخصاً يهتمون بعيد ميلادي. لم تتغير حياتي، فهناك نحو عشرة أشخاص اهتموا بالتواصل معي هاتفياً، واستمروا في محافظتهم على عادتهم الجميلة وكأن مارك زوكربيرغ لم يؤسس ذلك الموقع. منذ أشهر معدودة، توقفت عن الجدل مع الناس عبر «تويتر»، وإن كان هناك زلتان شعرت بالندم بسببهما لاحقاً. وبدلاً من ذلك اقترحت أن يرسل الناس لي رسالة عبر البريد الإلكتروني لنستطيع الاتفاق على بعض الأمور، وهو ما لم يحدث إلا نادراً. فالناس لا ترغب في التفاعل الحقيقي وفي الدخول في نقاش فعلي، فغالبيتهم يريدون فقط أن يشعروا ببعض السرور على حسابي. «تويتر» يجعل ذلك الأمر سهلاً؛ فقد جعل التواصل الإنساني الحقيقي أكثر صعوبة.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسر تلك الأمثلة السبب في أنني قد توقفت عن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، باستثناء بعض الأعمال الخفيفة المرتبطة بالعمل.
ماذا عسى فرنسا أن تفعل بعد ذلك؟ تفكر السلطات هناك في اشتراط موافقة الأبوين على استخدام الصبية دون سن السادسة عشرة لصفحات التواصل أو حتى فتح حساب للرسائل (ماسينجر)، لكن ذلك لن يكون له نتيجة مفيدة. فالمراهقون سيكرهون ذلك، والشبكة ستبدو متواطئة مع الكبار ضدهم. ربما لا يستطيع المشرعون معالجة البرمجيات التي تؤدي إلى الإدمان بالطريقة التي يتعاملون بها، مثلاً، مع التدخين. فالمستخدمون سيتحتم عليهم التخلص من عاداتهم بأنفسهم ومنع أطفالهم من الاعتياد على الأشياء ذاتها. فالأطفال دون سن الـ 8 سنوات يقضون تقريباً نصف وقتهم على الشاشة، أكثر من ساعة يومياً، على تطبيقات الهاتف المختلفة، بحسب مؤسسة «ومون سينس ميديا» البحثية غير الربحية. فكلما كانت عائلاتهم أفقر، زاد الوقت الذي يقضونه في الألعاب الإلكترونية وفي مشاهدة مقاطع «يوتيوب» على كومبيوتر لوحي. من السهل تخيل كيفية حدوث ذلك، فالعائلات المكافحة ليس لديها الكثير من الوقت لأبنائها، وسينتهزون أي فرصة لجعل أطفالهم يلزمون الهدوء. فعدد قليل فقط يرى أنه يتعاطى مخدراً سيفضي به في النهاية إلى إدمان مواقع التواصل.
فالبالغون بمقدورهم الخلاص بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي وبإغلاق جميع خواص الإشعارات، وربما أيضاً تحميل تطبيق يحد من الوقت الذي تقضيه أمام الشاشة. فالحل لا يكون أبداً في التخلص من الهاتف، فهو لا يزال أداة مهمة لعدد لا يحصى من الاستخدامات. نفس الشيء ينطبق على الأطفال، فسوف ينتهي بهم المطاف باقتناء هاتف إنْ عاجلاً أم آجلاً. وهنا كل ما عليك فعله هو تحديد التطبيقات المطلوبة وقم بمنع الوصول إلى ما سواها. فحتى محاولة اختراق دفاعاتك تلك سيكون أفضل من مشاهدة مقاطع مصورة غبية وإرسال «إيموجي» ذهاباً وإياباً.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>