كيف تدير مصر قوتها الذكية عبر الفضاء الالكتروني؟

23-10-2017 04:18 PM - عدد القراءات : 21657
كتب د.عادل عبد الصادق* المصدر ،مجلة احوال مصرية ،مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عدد اكتوبر 2017 ،ص ص 90-101
من اهم تحديات تأثير الثورة التكنولوجية هي قدرتها في احداث تحول في القوة الشاملة للدولة ،والتي انتقلت من التركيز على العناصر التقليدية ،الى عناصر اخري جديدة ،وأصبح الفضاء الالكتروني –كأحد اهم ارهاصات تلك الثوره - مجالا دوليا جديدا يتم استخدامه اما لتبرير وصنع السياسات العامة للدولة في الداخل ،أو ان يتم توظيفه لخدمة الاهداف الخارجية للدولة
كيف تدير مصر قوتها الذكية عبر الفضاء الالكتروني؟

من اهم تحديات تأثير الثورة التكنولوجية هي قدرتها في احداث تحول في القوة الشاملة للدولة ،والتي انتقلت من التركيز على العناصر التقليدية [1]،الى  عناصر اخري  جديدة ،وأصبح الفضاء الالكتروني –كأحد اهم ارهاصات تلك الثوره - مجالا دوليا جديدا يتم استخدامه اما لتبرير وصنع السياسات العامة للدولة في الداخل ،أو ان يتم  توظيفه لخدمة الاهداف الخارجية للدولة ،ودفعت حالة الاعتماد المتبادل والاتصال الشديد بين الداخل والخارج الى تزايد الاهتمام بالقوة الناعمة وتحولاتها. وبخاصة في ظل عملية التحول في" القوة" وخصائصها ،وطبيعة دور الفاعلين باستخدامها ومصادرها وأدواتها الحديدة، وظهور انماط جديدة من استخدامات القوة الذكية عبر الفضاء الالكتروني،

تحولات القوة الجديدة

 هناك انماط جديدة من القوة عبر الفضاء الالكتروني ،والتي يمكن ان تستخدم  بشكل منفصل وفي احيان كثيرة تكون هناك صعوبة في الفصل بينها ،وعلى سبيل المثال قد يتم وصف الهجمات الالكترونية على انها نمط من "القوة الصلبة "بينما يتم وصف الاستخدامات الاخري ذات الطبيعة السلمية عبر الفضاء الالكتروني على انها "قوة ناعمة" [2]،وتتوقف عملية التوظيف الجيد لتلك القدرات على ادارة "ذكية " قد تتحول الى نمط جديد يطلق علية "القوة الذكية"والتي تحولت فيها القوة من الاعتماد على الموارد الطبيعية الى الاستحواذ على المعلومات والمعرفة .وهذا لا يمنع من العلاقة المرتبطة بين القوة الصلبة ",القوة الناعمة"، ويتم تعريف القوة  "الصلبة" بأنها "القدرة على التأثير في سلوك الاخرين" او ان تتم في اطار  "علاقة بين دولتين تسمح بقيام حكومة احدهما بحمل حكومة الدولة الاخري على ان تتبع سلوكا معينا لم تقم تلك الحكومة الثانية باختياره بمحض ارادتها "، وتركز " القوة الصلبة"على  القوة العسكرية كأساس لها بالإضافة للقوة الاقتصادية والسكان والموارد الطبيعية وبينما تشير "القوة الناعمة "بقدرة الدولة على خلق وضع يفرض على الدول الأخرى أن تحدد تفضيلاتها ومصالحها بشكل يتفق مع هذا الإطار الذي تم وضعه أو بمعنى أخر أن تقوم هي بوضع أولويات الأجندة الداخلية لغيرها من الدول.3] وتركز تلك القوة على جوانب الأثر الذي يمكنه التوظيف الذكي للـ"الإمكانات" الوطنيّة على الجانب  المعنوي والفكري من اجل  تعزيز الروح الوطنيّة والتأثير الإيجابي في الخصوم والأصدقاء. وتعد "القوة الذكية"هو نتاج الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة معًا ولكن وفقا لإستراتيجية محددة تجمع بينهم. وتعكس قدرة الفاعل الدولي على مزجهما بطريقة تضمن تدعيم تحقيق أهداف الفاعل بكفاءة وفعالية. والقدرة على تحديد وقت استخدامها وأي نوعي القوة يفضل استخدامه في الموقف والقدرة على تحديد متى يتم الدمج بينهما.4] إن تحقيق قوة ذكية ناجحة يتطلب أولا إدراك أن القوة الصلبة ضرورية ولكن تعظيم تحقيق المصلحة القومية قد يحتاج إلى المزج بين القوتين الصلبة والناعمة،أتاح وسيط الفضاء الالكتروني الفرصة امام تعزيز القدرة في التأثير في السلوك عبر ما يتم بثه من قيم ورموز وصور ذهنية تؤثر في توجهات الرأي العام ثم في ادراكه ثم في سلوكه. 

وأحدث بذلك تغييرات جوهرية في عملية ممارسة القوة الناعمة والتي تجاوزت تعريفها التقليدي وذلك عبر وسيط اعلامي ذو طبيعة دولية ورخيص التكلفة وسريع الانتشار،ومتجاوز بذلك لدور المؤسسات الرسمية المعنية بالشئون الخارجية او بالشئون الداخلية ،أتاح الفضاء الالكتروني فرص جديدة لتوظيف القوة الناعمة بذكاء عبر توفير قدرات مخاطبة الرأي العام العالمي،وهو الامر الذي اتاح للدولة الاستفاده من  اربع فرص تشكل استراتيجية شاملة لإدارة الدولة قوتها الناعمة بطريقه ذكية عبر الفضاء الالكتروني ،وهي فرص تتعلق بالقدرة على القيام بعملية مراقبة "المسرح"، وفرصة العمل على تطويع وتهيئة "المسرح" وتوجيهه وفق هدف محدد ،وفرصة ان يتم اتخاذ القرار الحاسم المبني على معطيات حقيقة ،ثم فرصة القيام بالفعل ورد الفعل لإحداث التغيير المنشود. 

وانتقلت عملية الادارة للقوة الناعمة للدولة من دور الجهات الرسمية  الى دور فاعلين اخرين من غير الدولة مثل دور المواطن ومؤسسات المجتمع المدني ودور وسائل الاعلام المختلفة والمثقفين والعلماء والفنانين وغيرهم.،وجاء ذلك بعد ان انتشرت القدرة في ممارسة القوة الناعمة عبر الفضاء الالكتروني،وذلك مع  انتقال  قوة الـتأثير في ايدي كافة فئات الشعب عبر امتلاكهم لجهاز "هاتف محمول" او "كمبيوتر "، والاتصال بـ"الانترنت" ،وهو ما كان له تأثير في  تصاعد دور الفضاء الالكتروني في صنع السياسات العامة الدولة من ناحية ، وكمنصة كذلك  لتنفيذ اجندة وأهداف السياسة الخارجية من ناحية أخرى.

وفرض الفضاء الالكتروني  فرص لتعزيز مكانة الدولة وحماية مصلحتها الوطنية عبر تقوية المنعه الذاتية امام تيار العولمة سواء على الجانب الثقافي "الناعم"او عبر أقلمة الاقتصاد الوطني لتبني تكنولوجيا الاتصال والمعلومات .ومن الدول من اتخذ اسلوب "المنع" عبر تبني سياسات الحجب للمواقع الخارجية سواء اكانت اباحية 5]او تحمل توجهات معارضة ،وذلك للعمل على بناء مشروع وطني للنهضة العلمية والتكنولوجية ،ثم اعادة فتح "النافذه" مع حالة الاستعداد الداخلي لمواجهة تلك المتغيرات مثل حالة "الصين"،وان يتم توظيفها من قبل الدولة  في تمدد نفوذها الخارجي و ممارسة قوتها الناعمة بطرق وأساليب ذكية.

وهو ما  يفتح الطريق امام  التوظيف الامثل لتلك القوة الجديدة في ظل عالم متغير لم تبق فيه الدولة فاعلا رئيسيا في العلاقات الدولية وحمل ذلك انعكاسات سلبية على  سيادة الدولة وقدرتها على بسط نفوذها على الاقليم والشعب والثروة.وهذه الانعكاسات يمكن ان تتحول الى فرص واعدة امام الدولة حال قدرتها على التعامل الجديد مع تلك المتغيرات وفق معطياته الجديدة ،وان يكون العنصر البشري وقدرته على الالمام بمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة من اهم عناصر القوة الجديدة ،وهو الامر الذي انعكس في تصاعد دور الدول الصغري في النظام الدولي على حساب نفوذ وقوة الدولة الكبري ،وأصبحت المعلومات والمعرفة عنصر رئيس في النمو الاقتصادي و صنع القرار السياسي والاستراتيجي والعسكري. 

وذلك مع حالة انكشاف الرأي العام المحلي امام تأثيرات خارجية مع تراجع سيطرة الدولة عليه وفق ما كان يسمى بـ"الاعلام الجماهيري"، والذي كان يستخدم لتبرير وإقناع الداخل بسياسات الدولة وتعزيز قدرتها على التعبئة المحلية للموارد ويكشف الفضاء الالكتروني عن فرص تحول الرأي العام المحلي من مستقبل فقط الى مشارك وناقد ومراقب للشأن الدولي، وتتوقف درجة تفاعله الايجابي على ما لدية من معلومات ومعرفة وثقافة وقيم ووعي يتم تشكيلة عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية او عبر سياسات الدولة تجاه مواطنيها .

أنماط وأدوات غير تقليدية 

 لم تبق الدولة هي الفاعل الرئيسي في ممارسة القوة في علاقاتها الخارجية حيث انتقلت مجالات التأثير لفاعلين اخرين من غير الدولة ولم تعد الدولة تحتكر مهمة الدفاع والأمن كأحد الوظائف التقليدية للدولة وذلك نتيجة خروج قطاعات من خارج سيطرة الدولة نتيجة الخصخصة وتبني اقتصاد السوق ،والى تعاظم حجم التهديدات والتي تجاوزت دور الدولة الى فاعلين اخرين من داخل الدولة وهو ما فرض اهمية انفتاح الدولة على التعاون مع كافة الفاعلين في الداخل ،ومن جهة اخرى اصبحت تلك التهديدات عابرة للحدود الدولة وهو ما فرض على الدولة اهمية التعاون الدولي في مواجهة تلك الاخطار لتحسين فرص الاستجابة لها.وأصبح الفاعلين من غير الدوله  في العصر الرقمي شركاء في حفظ الامن والدفاع عن المصلحة الوطنية مع تعاظم دورهم وتنامي قدرتهم في الاستحواذ على القوة وممارستها عبر الفضاء الالكتروني ،وهؤلاء وغيرهم  يمكن توظيفهم لخدمة الدولة في مقابل احتمالية ان يتم استخدامهم على نحو يضر بسمعة وأمن ومصلحة الدولة الخارجية 6]. وبخاصة ان من الصعب السيطرة  من قبل الدولة على مضمون التفاعلات التي يقوم بها المستخدمون وتداخل الاستخدام المدني مع الاخر غير المدني ،وهو ما يؤثر سلبا في  القدرة على تبني استراتيجية شاملة مساندة للدولة،[7]

 وتعد عملية  ممارسة "القوة الناعمة" عبر الفضاء الالكتروني ما هي الا وسيلة لتحقيق غاية وليست غايه في حد ذاتها، ومن ثم فان تم ادارة عملية استخدامها بطريقة مثلى ،فانة سيتم بالتبعية التوظيف الامثل لها في خدمة المصلحة الوطنية، وعلى اساس ان القوة في حد ذاتها عملية للتفاعل والتواصل ،وليست فعل ساكن ومن ثم فان  المستخدمين للفضاء الالكتروني ليسوا فقط  مستقبلين للرسائل والمضامين الاعلامية بل يمكنهم كذلك ان يكونوا مشاركين في انتاج المحتوى وبث الرسائل والتوجيهات الاعلامية الى الداخل والخارج .وهو ما يقتضي ان تكون "عملية  التأثير" المتبادل والمتعدد المسارات من قيل الفاعلين عبر الفضاء الالكتروني بان تتم من خلال تبني تطبيقات وسياسات لتغيير القناعات والإرادة والسلوك عبر طرق فنون الاقناع والجذب والتسويق وشن حملات للعلاقات العامة ،وعملية ممارسة التأثير عبر الفضاء الالكتروني لا تسير في اتجاه واحد طول الوقت فقد تكون هناك عملية تبادلية بين الفاعل والهدف. ومن ثم فان القوة ليست التأثير بل القدرة في التأثير وتستند تلك القدرة على امتلاك الدولة قدرات القوة الناعمة وتنوع مصادرها ،وتوظيفها ووجود مؤسسات معينه ،على النحو الذي يعمل على تشكيل مقومات القوة القومية ،والتي يمكن من خلالها  التأثير في سلوكيات الدول الاخري و في خدمة الاتجاهات التي تحقق مصالحها .  

ووظف  الفضاء الالكتروني على المدىين القصير و الطويل في تعزيز قدرات الدولة في امتلاك  القوة الصلبه والناعمة في ظل غلبة البعد التكنولوجي والعلمي في عناصر القوة الشامله.وتعزيز قدرة الفضاء الالكتروني في تغيير الصور النمطية وفي حماية المورث الثقافي وفي الدفاع عن المصالح الوطنية والترويج للسياسات العامة للدولة وتطوير اداء الحكومة عبر تبني الحكومة الالكترونية،و توظيف  تطبيقات الفضاء الالكتروني في تحقيق اهداف السياسة الخارجية . 

وذلك من خلال مؤسسات الدولة المختلفة،الى جانب العمل على تعزيز عناصر قوة الدولة من خلال دمج التكنولوجيا في عمليات الانتاج والتصنيع ، واتاح الفضاء الالكتروني للشعب ان يكون فاعلا في الحياة العامة ومراقبا للسلطة التنفيذية ومنفتحا على العالم الخارجي ،واثر الفضاء الالكتروني في طبيعة القوة البشرية من خلال اتاحة الفرصة لتوظيف قدراتها العقلية من خلال التعليم والتدريب المستمر بما يجعلهم قيمة مضافة نوعية لقوة الدولة .وأعطي ذلك قوة نسبيه للمجتمعات التي تحوي نسبة كبيرة من الشباب ودمج المهشمين في المناطق النائية للعب دور في صنع السياسات العامة وفي تحقيق اهداف  التنمية وهو ما يعزز من التكامل القومي.و اصبحت قوة الدولة غير مرتبطة بمساحتها او بمواردها الطبيعية بل بما تمثله من قيمة مضافة للاقتصاد الرقمي المعتمد على الابداع والابتكار بما له دور في نمو الناتج القومي الاجمالي .

و تم توظيف الفضاء الالكتروني من قبل النظام السياسي في مخاطبة الشعب او من خلال تقديم خدمات تعمل على كسب الشرعية والاستقرار السياسي.وساعدت الحكومة الالكترونية في تحسين اداء  النظام السياسي  وكفاءته في ادارة شئون الدولة.بالإضافة الى استخدام اساليب المكافأة والعنف .

مقومات قوة مصر الناعمة الجديدة

 قامت مصر بتبني عدد من السياسات والتطبيقات الدافعه الى تبني مجتمع المعرفة ، وتعزيز انتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ، وفيما يتعلق بصنع السياسات المتعلقة تتبني مصر استراتيجية التنمية المستدامة 2030 لتحقيق ثلاثة أبعاد منها البعد الاقتصادي الذي يسلط الضوء على التنمية الاقتصادية والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية والطاقة والمعرفة. أما البعد الاجتماعي فيسلط الضوء على التعليم والتدريب والصحة والثقافة والعدالة ألاجتماعية بينما يركز البعد البيئي على مجال البيئة والتنمية الحضرية[8]

  اتجهت  مؤسسات الدولة الرسمية  الى تدشين حسابات رسمية على شبكات التواصل الاجتماعي او تدشين مواقع الكترونية للوزارات الرسمية او عبر تبني برامج الدبلوماسية الرقمية ،وتبين الدول لسياسات سيبرانية لحماية البنية التحتية للدولة او لحماية مواطنيها من خطر التعرض للاخطار،وتمثل ذلك في انشاء مؤسسات وطنية جديدة تعني بذلك ، وانخراط الدولة في السياسات العالمية المتعلقة بتنظيم التعامل مع الفضاء الالكتروني او بتبني تشريعات وقانونية جديدة تنظم عملية الاستخدام لمكافحة الجريمة والارهاب ، او بإطلاق مبادرات لتدشين حاضنات تكنولوجية ومدن ذكية او باطلاق برامج للحكومة الالكترونية او بتطوير البنية التحتية المعلوماتية   .

 وتمتلك مصر مقومات عديدة للقوة الناعمة والتي اتاحت لها الثورة العلمية والتكنولوجية فرص جديدة  في توسيع نطاقات ومجالات التاثير لها وفي تجديد مصادرها وتوسيع دائرة الفاعلين فيها ، وفيما يتعلق بالموارد الخاصة بالقوة الناعمة فان  مصر تمتلك تراث هائل من الارث الحضاري والانساني ،انعكس على وجود وفرة هائلة من المحتوى الثقافي  يمكن ان يظهر بشكل رقمي وسريع الانتشار ،وبخاصة ان الفضاء الالكتروني  يتيح الفرصة لاحياء التراث والحفاظ علية وانتشار مجال تاثيره وفتح الباب امام فاعلين ثقافيين اخرين من غير الدولة في تعزيز تأثيره ، والتي تاخذ شكل القيم والرموز والحكي الشعبي والفنون والسينما ،حيث تتم عملية اعادة انتشار المحتوى الرقمي  بشكل يعمل على نشر التاثير بين اجيال جديدة ومناطق جديدة،والتي تتعلق بالحضارات المتعاقبة على مصر وحجم اسهامها في نهضة الحضارة الانسانية .

 وعلى مستوى السكان ، يبلغ عدد سكان مصر ما يزيد على 92 مليون نسمة ،وتتمتع  بقاعدة عريضة من الشباب يمثلون ميزة نسبية في عملية التنمية وبخاصة مع امتلاك مصر عدد كبير من خريجي الجامعات ممن درسوا او تدربوا في علوم الحاسب والتكنولوجيا والبرمجيات ،ناهيك عن رخص تكلفة العامل المصري مقارنه بغيره في الخارج ، وتعتبر مصر من ضمن افضل 9 دول في تصدير تكنولوجيا المعلومات وهو ما يجعلها جاذبة لتقديم الخدمات العابرة للحدود تتضمن وفرة مهارات باسعار تنافسية ، ناهيك عن عدد المغتربين المصريين يزيدون عن 8 مليون منتشرين في العديد من الدول ،وهم ان تم حسن تدريبهم سيكونون قوة ناعمة وبخاصة مع تعزيز دورهم في تغيير الشأن المحلي عبر الشبكات الاجتماعية .

 وفيما يتعلق بالموقع الجغرافي فان توسط مصر بين قارة اسيا وافريقيا ونقطة اتصال باروبا على النحو الذي عزز موقعها الاستراتيجي في تقديم الخدمات التكنولوجية بالاضافة الى تمتعها بسواحل ممتدة في الشمال والشرق وهو الامر الذي يلائم مرور الكابلات البحرية الى الجنوب من الشمال ،بالإضافة الى طبيعة مصر الصحراوية تجعلها غنية في في مادة "السليكا" المتوافره في الرمال المتميزة في صحراء مصر بما يجعلها حاضنة لنمو الصناعات التكنولوجية.وتوافر الخدمات الملاحية عبر العديد من الموانئ ناهيك عن قناة السويس التي تمثل شريان حيوي للتجارة الدولية .

 وفيما يتعلق بالبنية التحتية فتتمتع مصر بانها من الدول الرائدة في قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات حيث تمتلك مصر بنيحة تحتية قوية للاتصالات السلكية واللاسلكية حيث تغطي شبكات الالياف الضوئية 36% من الدولة ،ويربطها بباقي العالم 17 كابلا بحريا ،وتتمتع مصر بموقع استراتيجي للمرور الكابلات البحرية حيث يمر عبر قناة السويس ،وهو ما يجعل مصر معبرا تكنولوجيا يربط الشرق والغرب ، وتحتل مصر  المركز الثاني عالميا من حيث مرور والكابلات و 100% من الكوابل التى تمر من قارة آسيا لقارة إفريقيا،وتحتل مصر المركز التاسع كافضل المواقع العالمية في تصدير تكنولوجيا الاتصال والمعلومات 9]، حيث توافر خطوط طيران ونمو الاعمال وانتشار المناطق التكنولوجية ورفع كفاءة الشركات المصرية ومتوسط الاجر السنوي للمهندس ما بين 5000-7000 دولار سنويا وهو اجر تنافسي . 

ومتوقع ان يزيد حجم مبيعات البرمجيات من 182,5 مليون دولار عام 2016 الى 304,2 مليون دولار بحلول عام 2020 ، وبلغ حجم الاستثمار في البرمجيات 18,5 مليار دولار ،وحجم الاستثمار في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات 2.37 مليار دولار ، .وتحتل مصر المركز الرابع عشر في مؤشر قياس استعدادات الدول في مجال الأمن السيبراني من بين 165 دولة من دول أعضاء الاتحاد الدولي للاتصالات.[10]وفيما يتعلق بحجم الانتشار والنفاذ فقد وصل عدد مشتركى الإنترنت إلى 33.19 مليون مستخدم فى أبريل 2017 وبلغت نسبة مستخدمى الإنترنت عن طريق المحمول من إجمالى مشتركى المحمول 33.22% أبريل 2017، وهو ما يعنى ما يزيد عن  نسبة 52% من إجمالى عدد السكان. واقترب عدد الاشتراكات بالهاتف المحمول  من نحو 100 مليون للشركات الثلاث العاملة فى السوق وهو ما يتجاوز عدد السكان فى مصر وذلك بنسبة انتشار بلغت نحو 111% على مستوى الجمهورية،وهناك 30% من المصريين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، بما فى ذلك فيس بوك وتويتر وإنستجرام وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعى الشهيرة، حيث يبلغ عدد مستخدمى فيس بوك فى مصر حوالى 27 مليون مستخدم. وذلك في وصول عدد مستخدمي الانترنت في العالم الي 3,819 مليار مستخدم ، وهو ما يقارب 51% من سكان العالم ،وينشط عالميا عبر الشبكات الاجتماعي ما يقارب 40% 

[11]،وبلغ عدد من يمتلكون هاتف محمول ما يزيد عن 5 مليار مستخدم وعدد من يستخدمون التواصل الاجتماعي من هاتفهم الى2,780 مليار مستخدم أي ما يمثل 37% من جملة المستخدمين حول العالم ، ويكشف ذلك عن حجم الجمهور المستهدف وحجم التفاعل لديه وهو ما يوفر فرصة سانحة للتواصل المباشر معهم عبر تنشيط التفاعل من قبل مؤسسات الدولة الرسمية او من خلال باقي المستخدمين من المواطنين او المؤسسات غير الحكومية.

 

 

 



 

الانتصار في معركة  العقول والقلوب 

  ان عملية الانتصار في معركة التأثير على العقول والقلوب تتطلب تبني استراتيجيات شاملة من قبل اجهزة الدولة من جهة والعمل على تعزيز دور المؤسسات الاخري والفاعلين من غير الدوله في القيام بتلك الانشطة والتفاعلات التي من شانها زيادة حجم التأثير واتساع قوته ،وان الوصول الى عملية التاثير ممكنة حال تبني استراتيجية وطنية علمية تعمل على التوظيف الامثل للفضاء الالكتروني في ادارة السمعة والعلاقات العامة والتي يجب ان تتم عبر "تحديد أولويات الأجندة" ثم العمل على "تجهيز الأجندة" والتي ستظهر في "الصياغة" .

وتمثل الادوات الرمزية والثقافية من اهم منصات القوة الناعمة والتي يمكن ان تستخدم عبر الفضاء الالكتروني من خلال العمل على تعزيز ادوات السياسة الداخلية كمكون من عناصر التاثير الخارجي ، وذلك من قبيل ان عملية قياس قوة الدولة  تركز على العوامل المادية والمعنوية، ومن ثم فان قوة الدولة تمثل عناصر الكتله الحيوية من الارض والسكان الى جنب القوة الاقتصادية والعسكرية لتحقيق الهدف الاستراتيجي والإرادة القومية .

وان عملية قدرة الدولة على تعزيز استخدامات القوة الناعمة يتطلب ان يتم التحرك على مستويين الاول يتعلق بالإستراتيجية القومية والتي تتعلق بكيفية توظيف الدولة كل ادوات قوتها لتوفير الدعم الاقصى لأهدافها وسياستها القومية سواء في وقت السلم او الحرب ،وهناك التحرك على مستوى الاستراتيجيات الفرعية وهي التي تتعلق باستخدام اداة معينة من مجال خاص في اطار خدمة الاستراتيجة الشاملة وذلك استنادا على خطط او تكتيكات او اساليب ذات طابع فني .ويتم استخدام مجموعه من الاساليب التي يستخدمها الافراد والدول في التأثير لتحقيق المصالح والدفاع عنها ومن اهم ما يمكن استخدامه ،عملية الاقناع من خلال التواصل عبر قنوات الاتصال الحديثة ، حيث يتم تحويل الفضاء الالكتروني كأداة للممارسة الديلوماسية الشعبيه والرسمية التي يتم عبرها التفاوض بين الدول بهدف الوصول الى حل وسط بشبان القضايا المثارة وقد يتم ذلك عبر مستويات رسمية واخرى غير رسمية وهو ما يفرض القيام بعدد من الاجراءات او السياسات لعل اهمها ،  

 

v   العمل على تحديث المنظومة التعليمية والتركيز على دور التعليم في تنمية الابداع والابتكار وليس الحفظ والتلقين وريادة الاعمال 

v   الاهتمام بزيادة التوجة لدي الشباب في الالتحاق بالكليات العملية وبخاصة المعنية بالحاسبات والمعلومات والاتصالات والاعلام الجديد . 

v     الاهتمام بالتواجد الفعال للحكومة والوزارات الاخرى على الانترنت وبخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي . 

v   الاهتمام بتعلم اللغات الاجنبية وبخاصة اللغه الانجليزية والتي تتيح فرص هامة للتفاعل مع العالم الخارجي واتساع فرص دمج الشباب في فرص عمل خارجية . 

v     الاهتمام باعادة احياء التراث وتجديد الخطاب الديني وإبراز وجهة المؤسسات الدينية في مصر سواء المسيحية والاسلامية . 

v   اطلاق مشروع لزيادة المحتوى العربي على الانترنت عبر العمل على رقمنة الكتب والمخطوطات والثقافة بما يجعلها متاحة للبحث والإطلاع من الداخل والخارج. 

v   الاهتمام باعادة بث الافلام والمسلسلات المصرية القديمة والعمل على ترجمتها الى اللغه الانجليزية واتاحتها عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي . 

v     تكوين قاعدة معلومات عن اعلماء المصريين في الخارج وربطهم بالجامعات المصرية وبالطلبة وبشباب الباحثين . 

v   رفع كفاءه العامل المصري عن طريق تبني مشروعات لبناء القدرات ونقل الخبرات وبخاصة فيما يتعلق بمهارات الاقتصاد الرقمي الجديد . 

v   ان تسعى الدولة الى ان تعمل على تحديث الاطر التشريعية الخاصة سواء المنظمة لمجال الاعلام والصحافة او المتعلقة بمكافحة الجريمة وتنظيم الحريات العامة . 

v   تحديث اجهزة الدولة الاعلامية سواء في تبني سياسات جديدة تتعلق بالمحتوى او بالفاعلية او بالتفاعل مع الداخل والخارج وبث المحتوى بلغات حيه .  

v     تحديث البرامج التعليمية والتدريبية وتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي والبحث العلمي في مجال العلم والتكنولوجيا. 

v   يمكن للدولة توظيف الفضاء الالكتروني في العمل على تحسين الصورة الذهنية عن الدولة من خلال كافة ادوات القوة الناعمة . 

v     انخراط الدولة في  صنع السياسات العالمية بشأن الفضاء الالكتروني ومنع عسكرته.ودعم دوره في السلم والتفاهم الدولي. 

v   ان يتم توظيف الفضاء الالكتروني في الحصول على الدعم السياسي للسياسات الحكومية وهو ما  ينعكس في تأييد شعبي داخلي للقيادة السياسة . 

محددات التوظيف الامثل للقوة الناعمة الجديدة

هناك عدد من المحددات التي تعوق دون الفهم السليم لطبيعة القوة الناعمة وكيفيه نجاحها على المدي القصير والطويل ، وهو الامر الذي يدفع الى الاشارة الى عدد من المحددات التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لعل اهمها ،: 

 اولا ،  أن المكون الاساسي لتفعيل " القوّة الناعمة"  هو عملية  "الاتصال"  وليس الصراع ، وذلك عبر دعم الصورة الوطنيّة الإيجابيّة وتقديم "النموذج" و"المثال" من خلال إبراز وتسويق المنجزات الوطنيّة والدور الرائد في المجال العلمي والثقافي والاقتصاديّ 

ثانيا ،تتوقف  قوة الاعلام الدعائي الخارجي على انخفاض درجات الوعي والمعرفة لدي الجماهير والمعرفة التكنولوجية والعلمية والتفكير النقدي ،ومن ثم يكون اداة لادارة الصراع حال توافر تلك البيئة الحاضنة لنشر النظريات التامرية والغيبية التي تضر بالوعي الجمعي .  

ثالثا: تغير عملية  فهم وإدراك ادوات القوة الناعمة والصراع حول الاستحواذ عليها وفق التطور في تطبيقات الفضاء الالكتروني ، والحد من قدرة الدولة على كسب عقول وقلوب مواطنيها ،. 

رابعا:  ان عملية ادارة القوّة الناعمة لا يمكن ان تدار  بمفاهيم القوّة التقليديّة في ظل الثورة المعلوماتية ،وهو ما يتطلب العمل على التوظيف الامثل لعناصر القوة الناعمه وتعزيز قدرة القائمين بالاتصال من خبرات ومهارات الاتصال . 

خامسا ، إن القوّة الناعمة هي  "حرب إبداعيّة" على مدار الساعة في مواجهة الراي العام العالمي. وهو ما يتطلب الابتعاد عن الأداء الوظيفي النمطي ،والتركيز على مخاطبة العقل وليست فقط المشاعر ،والتحديث المستمر والمتجدد لأنماط القوة الناعمة عبر الفضاء الالكتروني

سادسا :ان اتاحة الفضاء الالكتروني القدرة على اعادة ضخ القوة الناعمة ومفرداتها الثقافية والاعلامية ، يفرض اهمية المصداقية والبعد عن البروباجندا وذلك لوجود عملية التوثيق والنشر اللامحود للمحتوى .  

سابعا، اهمية فهم التوظيف العالمي للقوة الناعمة من قبل قوى دولية اخرى  للعمل على فهم منطلقاتها وخلق نموذج مضاد مبني على العقل وكسب المشاعر،والذي من شأنه ان يمثل حصانة للتعرض للدعاية الخارجية والتأثير في معنوية الشعب ومعدلات الثقة بين الدولة والمجتمع . 

ثامنا، شكل الفضاء الالكتروني  ثورة في توظيف القوة الناعمة من خلال تاثيرها الكبير في الاتصال المباشر بملايين من البشر عبر الحدود دون المرور عبر المؤسسات الرسمية وبتكلفة محدودة وتعزيز القدرة على التأثير في العمق عبر تشكيل توجهات الراي العام "الداخلي" من اسفل ثم تتحول الى قوة ضغط على النظم السياسية. 

تاسعا ، ان توظيف القوة الناعمة لا يقوم بالضرورة على المكون المحلي الثقافي بل السعى الى البحث عن ارضية مشتركة مع العالم من خلال توظيف الدبلوماسية الثقافية وإبراز القيم الحضارية والإنسانية المشتركة والتكاتف حول الازمات والكوارث الطبيعية الى جانب التدخل في وقف الحروب والصراعات . 

 عاشرا :،تبقى العلاقة بين امتلاك عناصر القوة الناعمة والقدرة على التأثير في سلوك الدول الاخري تشكل اهم المعضلات والتي ترتبط بخطورة الدخول في حالة"عجز القوة " ان كان لديك مصادر للقوة فان تلك القوة ان لم يتم ادارتها وتوظيفها فإنها سيتم اهدارها ،وبخاصة اذا كانت تكلفة توظيفها ونشر تأثيرها منخفضة مقارنه بوسائل اخرى . 

وأخيرا، ان عملية التحول في القوة عبر الفضاء الالكتروني و بروز انماط جديدة من القوة الصلبة والناعمة تتوقف عملية توظيفها عبر استخدام  القوة الذكية الجديدة. 

* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني



[1] وكانت تؤسس فقط على حجم ما لدى الدولة من موارد طبيعية او مساحة جغرافية او عدد السكان او حجم الجيش وتسليحه

[2] عادل عبد الصادق ،الفضاء الالكتروني والعلاقات الدولية:دراسة في النظرية والتطبيق(القاهرة ، المكتبة الاكاديمية،2016)ص ص 120-130

[3] Joseph S. Nye, "Soft Power", Foreign Policy, No. 80, Twentieth Anniversary (Autumn, 1990), pp. 153-171,

[4] Ernest J. Wilson, III, "Hard Power, Soft Power, Smart Power", Annals of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 616, Public Diplomacy in a Changing World (Mar., 2008), pp. 110-124,

[5] تتركز وجهة النظر الصينية في حجب المواقع الاباحية على سبيل المثال انها اهدارا للطاقة البشرية الصينية ،وهو ما يعد مدخل مهم في المجتمع الصيني والذي يقدس الوقت وقيمة العمل .

[6] انظر في ذلك تأثير مقاطع الفيديو عبر شبكات التواصل الاجتماعي في العلاقات بين مصر وأثيوبيا حول الخلاف بشأن سد النهضة ونقل تهديدات من جانب "هواة "او مقاطع مجتزئه من برامج فضائية او بتصريحات متطرفة لقيت رواجا ،وهو  الحد الذي طالبت اثيوبيا مصر بتنبي سياسات اعلامية معتدلة على الرغم من خروج هؤلاء من سيطرة الدولة المصرية .

[7] وعلى الرغم من وجود توجهات ليبرالية بترك الحرية للقطاع الخاص في التحرك الا ان الولايات المتحدة فرضت على القطاع الخاص الالتزام بالسياسة القومية في مجال الامن الالكتروني.

[8] استراتيجية مصر 2030 في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ،موقع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ،مصر ،اخر دخول ،22/8/2017 https://goo.gl/RaoMAq

[9] مصر ضمن أبرز 9 مواقع عالمية في تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات،جريدة المصري اليوم ،20/8/2017

https://goo.gl/3mZDCG

 [10] تقرير الامن السيبراني العالمي ،الاتحاد الدولي للاتصالات ،2017 https://goo.gl/ygKzx5

[11] عدد مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى حول العالم يتجاوز الـ3 مليار، صحيفة اليوم ، 11/8/2017 https://goo.gl/BS1vWB



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>