تطبيقات المراسلة وسيلة للاتهام بالانتماء إلى جماعة إرهابية في تركيا

13-09-2017 01:13 PM - عدد القراءات : 949
كتب العرب - لندن
تتواصل الاعتقالات على خلفية الانقلاب الفاشل منذ العام الماضي في تركيا وتستمر بالتوازي معها حرب السلطة الحاكمة على حرية التعبير. حرب لم تقف عند الصحافة والإعلام بل امتدت إلى مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومن بينها تطبيق المراسلة “باي لوك” متخذة من التكنولوجيا سلاحا بأيدي أجهزة الاستخبارات لاعتقال واتهام أي شخص غير مؤيد للنظام بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشل والانتماء لجماعة غولن.
تطبيقات المراسلة وسيلة للاتهام بالانتماء إلى جماعة إرهابية في تركيا
تستهدف السلطات التركية حرية الشعب في التعبير، وتشتغل أجهزة استخباراتها بأسلوب شمولي على المراقبة والتتبع والتجسس على جل وسائل التعبير. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشل العام الماضي طالت حملات الاعتقال والإيقاف مئات الآلاف من الأتراك منهم رجال الأمن والجيش والأكاديميون والسياسيون المعارضون لتصل إلى عامة الشعب وتشمل طلاب الجامعات وكبار السن والمتقاعدين وغيرهم.

التهم الموجهة للمعتقلين هي المشاركة في محاولة الانقلاب والانتماء إلى جماعة فتح الله غولن المتهم الرئيسي، حسب السلطات التركية، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. وتحوّل في الأثناء مجرد تحميل وتنزيل تطبيق للتواصل والمراسلة مثل باي لوك، بقطع النظر عن استخدامه فعلا من عدمه وعن أغراض استخدامه، إلى وسيلة للاتهام والإدانة بالتورط في محاولة الانقلاب على السلطة.

ويحاول الأتراك إيجاد متنفس لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن أنفسهم، وللهروب من التعاطي في الشأن العام وتحديدا في المجال السياسي الذي صار مغلقا أمامهم، فيما عدا المؤيدين للنظام الحاكم، إلى عالم التطبيقات المشفرة عبر الإنترنت حتى يجدوا منابر تتيح لهم الحديث عن مشاغلهم والتعبير عن رؤاهم وآرائهم سواء في الشأن العام أو في شؤونهم الخاصة مع أشخاص ربطتهم بهم هذه الوسائل الافتراضية، غير أنهم سرعان ما يصطدمون بأجهزة الرقابة ويجدون أذرع النظام في هذا العالم.

وأي شخص في تركيا يحمّل تطبيقا مشفرا للتواصل، وينزله على أحد أجهزته الخاصة ويستخدمه أو يتواصل من خلاله قد يجد نفسه قيد الاتهام والاعتقال من قبل رجال الأمن وقد يدان قضائيا بالتهم الموجهة إليه طالما أن السلطات التركية تعتبر وجود هذا التطبيق في هاتفه أو الكمبيوتر الخاص به دليلا على الانتماء لجماعة غولن أو على التورط في أحداث الانقلاب الفاشل، وهو دليل يراه المدافعون عن حقوق الإنسان إلى جانب الخبراء القانونيين المختصين في الأمن السيبراني فاقدا للمعنى وللوجاهة.

ونشرت مؤخرا في لندن دراسة قانونية أقرت بانتهاك حقوق عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك الذين اعتقلوا أو أُقيلوا من وظائفهم جراء تحميلهم لتطبيق الرسائل المشفرة. وتؤكد الدراسة أن اعتقال 75 ألف مشتبه به بسبب تحميل تطبيق الرسائل باي لوك ما هو إلا إجراء تعسفي وغير قانوني يعكس القلق المتزايد بشأن شرعية حملة القمع التي شنتها الحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل في العام الماضي.

وصدرت هذه الدراسة من قبل مؤسسة مؤيدة لغولن في أوروبا، وقام بالعمل عليها المحاميان البريطانيان ويليام كليغ وسايمون بيكر. واعتمدت بعض النسخ طبق الأصل من محاكمات المُشتبه بأنهم من مؤيدي غولن في تركيا، فضلا عن تقارير استخبارية تركية عن تطبيق الرسائل المشفرة باي لوك. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النوع من المحاكمات يخرق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها تركيا.

أدلة كثيرة تفيد بأن هذا التطبيق موجود ومتاح استخدامه في العديد من الدول التي لا يمت بعضها بصلة لتركيا

وقال المحاميان “هذه الاتهامات بأن أنصار حركة غولن استخدموا تطبيق باي لوك غير مقنعة وغير مدعومة بأي أدلة، بل هناك الكثير من الأدلة التي تفيد بأن هذا التطبيق موجود ومتاح استخدامه في العديد من الدول الأخرى، التي لا يمت بعضها بصلة لتركيا”.

وأكدت الدراسة أن الاعتقال التعسفي يُعتبر خرقا للمادة الـ5 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تضمن “حق الحريات”، وأن تطبيق باي لوك يتم تحميله في جميع دول العالم، وهو من بين الـ500 تطبيق الأكثر تداولا في 41 دولة. وأضافت الدراسة “يتعين البحث عن أدلة أخرى أكثر إقناعا لتبرير هذه الاعتقالات الجماعية”.

وفي تقرير منفصل يقول توماس مور، الخبير البريطاني في مجال التحليل الجنائي الإلكتروني، إن تطبيق باي لوك متاح للتحميل مجانا من منصتي أبل وغوغل بلاي. وأضاف مور “تم تحميل هذا التطبيق أكثر من 600 ألف مرة ما بين عامي 2014 و2016 من قبل المستخدمين في جميع أنحاء العالم. ومن وجهة نظري، من غير المعقول أن نفترض بأن استخدامه مقصور على فئة معينة من الناس”.

ويوجه مور الأنظار إلى تقرير صادر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، يفيد بأن جهاز المخابرات التركي تمكن من الوصول إلى اتصالات تطبيق باي لوك. وأضاف “ليس هناك أي دليل في تقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يوجب قصر تحميل هذا التطبيق على إقليم بعينه أو مؤسسة قضائية بعينها”.

واستُغلت تطبيقات رسائل أخرى، مثل تليغرام، بسبب سياسة التشفير الآمنة. وقال مور بهذا الشأن “هناك أدلة دامغة تثبت أن تطبيق الرسائل تليغرام استُخدم من قبل تنظيم داعش كأداة اتصال آمنة، وبرغم ذلك لم تتحرك سلطات إنفاذ القانون لاحتجاز كل مستخدمي هذا التطبيق”. ولم يتم بعد عرض أي من هذه المحاكمات أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولكن من المتوقع أن يصل بعضها إلى ستراسبورغ في نهاية المطاف.

وشملت حركة الاعتقالات المحامين والموظفين المدنيين والقضاة وضباط الجيش والصحافيين والمؤلفين. كما اتُهم رئيس منظمة العفو الدولية في تركيا، تانر كيليتش، في يونيو الماضي بعضويته في منظمة إرهابية وأودع الحبس الاحتياطي كنتيجة لذلك. وأفادت منظمة العفو الدولية إثر اعتقاله “إن الادعاء الوحيد الذي تقدمت به السلطات التركية كدليل على زعمها للصلة التي تربط بين تانر كيليتش وحركة غولن، هو أنه تم اكتشاف تطبيق المراسلة باي لوك المشفر الذي يستخدمه أعضاء ‘منظمة غولن الإرهابية’ على هاتفه في أغسطس 2014 بحسب مزاعم السلطات التركية التي لم تقدم أي دليل لإثبات هذا الادعاء”.

من ناحيته، ينكر كيليتش تحميل أو استخدام هذا التطبيق، بل ويؤكد أنه لم يعرف بوجوده إلا بعد أن شهد حوادث الاحتجاز والملاحقات القضائية الأخيرة في تركيا.

وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن السفارة التركية في لندن لم تعط ردا على طلبات التعليق على هذه الدراسة القانونية.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>