تداول المعلومات بين التنظيم ومواجهة الفوضى

07-09-2017 05:37 AM - عدد القراءات : 10123
كتب د.عادل عبد الصادق*
اعطت ثورة المعلومات والاتصال زخما كبيرا فيما يتعلق بأهمية المعلومات والمعرفة في سبيل الاستحواذ على القوة والهيمنة ليس فقط على مستوى الدول بل كذلك على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع
تداول المعلومات بين التنظيم ومواجهة الفوضى

 حيث اصبحت الدول تتطور وفق حالة التعاطي مع تلك الثورة المعلوماتية،فهناك عصر البيانات والمعرفة والمعلومات وعصر الحكمة،وأصبحت المعلومات تأخذ مسارات متعددة للتدفق اما مسار خارجي –داخلي او داخلي –خارجي او داخلي –داخلي.

 وأدت عملية التحول في عملية انتاج المعلومات والقدرة على توزيعها وانتشارها الى التغير في طبيعة النظم السياسية والتأثير على العلاقة بين الدولة والمجتمع .وبرزت توجهات جديدة للمشاركة في عملية تداول المعلومات للمساعدة في خطط التنمية.وأصبحت هناك حاجة الى نشر المعلومات من قبل الحكومة  الى مواطنيها بشفافية، وعلى الرغم من اختلاف قدرة الدول في نشر المعلومات عبر اليات محددة إلا انها تختلف في توظيف تلك الاليات الجديدة في نشر المعلومات وهو الامر الذي يتوقف على طبيعة النظم السياسية فهناك من النظم من يستخدم المعلومات المضللة او الداعمة والمبررة لسياسات النظام الحاكم فقط ومنها من يحاول ان يشرك المواطن في عملية صنع القرار عبر اتاحة المعلومات بشفافية،وهناك العديد من العوامل اتي ادت الى الاهتمام بالمعرفة وبالمعلومات والتي منها ، تحول الاقتصاد الدولي الى اقتصاد قائم على المعرفة وتزايد الطلب على العماله الماهرة ، وتطور التكنولوجيا الرقمية والشبكات وأنظمة الاتصالات التي ادت الى وفره وضخامة في المعلومات ،والى جانب التغيرات التي طرأت في العلاقة بين المواطن والسلطة ،الى جانب حجم التغير في المجتمع عن طريق امتلاكه لأدوات وقدرات تكنولوجية .

 وتتعلق ماهية المعلومات بأنها  ":تشمل المعلومات الاطر القانونية والتنظيمية والمؤسسية للكيانات العامة والخاصة في الدولة ، وكذلك تشمل اللوائح المعمول بها في كافة اجهزة الدولة وخاصة المتعلقة بالتعامل مع الجمهور ، والمعلومات عن الاوضاع المالية والميزانيات لدى اجهزة الدولة ،والقائمين والمسئولين عن المؤسسات العامة والخاصة" .ويتم الحصول على المعلومات عبر وجود مصادر داخلية ومصادر خارجية ومصادر شفهية والمصادر الوثائقية "الاطلاع على السجلات ونسخ الملفات".

  ولعل من اهم خصائص المعرفة ، انها ذات طابع انساني من حيث النشأة والانتقال والتجديد ، وانها ذات طبيعة تراكمية حيث انها تتكون وتحدث على فترات زمنية طويلة نسبيا ويتم الاحتفاظ بها ، وتتولد وتتجدد المعرفة والمعلومة ،وتبقى  للكيانات العامة والخاصة القدرة على توليد المعرفة الجديدة ،و يمكن ان تُمتلك المعرفة فالحائز عليها يمكن ان يحتفظ بها وبيعها، ويمكن ان يتم التخزين للمعلومات  سواء في الوثائق او لدى مصادر بشرية ولا تفنى بالاستخدام وقابله للاستعمال الدائم .

 ويبقي من اهم المعنيون بإتاحة وتداول المعلومات ، هم الصحفيين ،والذين حالة حصولهم على المعلومات سيساهم ذلك في تنوير الراي العام ،والحد من انتشار الشائعات ،والترويج للسياسات العامة للدولة ،والمجتمع المدني يساهم في سهولة في عملية التنمية كشريك للدولة والتركيز على نقاط الضعف في مجال التنمية وترشيد الانفاق والتكلفة ، والباحثين ،حيث تساهم المعلومات في اثراء المحتوى العلمي وتنشيط البحث العلمي ،ويستفيد السياسيين من خلال تطوير برامجهم السياسية وتحسين القدرة على تعبئة الجمهور سياسيا ، والعمل على ترشيد صناعة القرار سياسيا، والمواطنين ،يستفيدون من عملية اتاحة المعلومات من خلال اتاحة الفرصة لان يكون الجمهور شريك حقيقى في عملية صنع القرار وفي تنفيذ السياسات وهو الامر الذي ينعكس على القدرة على تحقيق الشرعية والرضاء الشعبي بما يعطي قوة سياسة للحكومة وللنظام السياسي بشكل عام .وتتعلق اهداف حرية تداول المعلومات بالعمل علي ضمان حق الافراد في الحصول على المعلومات والمشاركة في شئون الدولة والالتزام بالكشف عن المعلومات التي تملكها الدولة ،وتنظيم عملية الحصول على المعلومات وتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد ،

  ولا يتم تحقيق مجتمع المعرفة والمعلومات الا بالعمل على توفير البيئة الحاضنة ،وهو ما يتطلب توافر عدة عناصر لعل اهمها ::

  •  البعد الاقتصادي :حيث يتمثل قيمة مضافة للخدمات والسلع وخلق فرص عمل وتمكين المجتمع من المنافسة .وتعزيز الادارة الكفء وابراز اتجاهات الاقتصاد القومي وتسهيل فاعلية الاجهزة الرقابية والتأثير المباشر في توازن السوق وتشجيع صغار المستثمرين.
  •  البعد التكنولوجي :حيث توافر البيئة اللازمة من وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وجعلها في متناول الجميع .
  •  البعد الاجتماعي :زيادة الوعي بدورها في الحياة اليومية للفرد من حيث الكم والكيف وسرعة التطور ،والعمل على مكافحة الفساد وكسر احتكار المعلومات ،وتفعيلة المشاركة المجتمعية في صنع القرار ، وحماية المستهلك ودعم المجتمع المدني وتشجيع البحث العلمي وتعزيز قيم الولاء والانتماء.
  •  البعد الثقافي ،وجود تقدير واسع للمعلومات والمعارف والاهتمام بالقدرات الابداعية للإفراد وتوفير حرية التفكير.
  •  البعد السياسي :فرص متنوعة لإشراك الجماهير في عملية اتخاذ القرار وتوفير مناخ سياسي ملائم ومعتمد على الديمقراطية والعدالة والمساواة .

 ويتطلب ان تكون المبادئ العامة لحرية تداول المعلومات ،من ضمنها ان يتم الكشف المطلق عن المعلومات باعتبارها حق اساسي للمواطن الا في حالات يحددها القانون ،و النشر التلقائي للمعلومات وان تضمن الدولة النشر السريع للمعلومات وإتاحتها ،واتاحة المعلومات وسهولة اجراءات الحصول عليها وان يتضمن القانون سبل الحصول عليها ،و- محدودية التكاليف بحيث الا تقف التكلفة حائلا دون حصول الافراد على المعلومات ، ومحدودية الاستثناءات والتي لا تكون في الحالات التي يكون بها الافصاح ضرر كبير على المصلحة الوطنية وان ينص القانون عليها حصرا والضرر العام يكون اكبر من الضرر الخاص .و-حماية الشهود والمبلغين حيث يتم وضع اطر قانونية جديدة تضمن الحماية الكاملة للشهود .و المراجعه الدورية وان يخضع المعلومات الى التعديل وفقا للمتغيرات .

 وفيما يتعلق بالإجراءات التي تكفل الحصول على المعلومات ،:يجب ان يتم الارتقاء بمستوى الوعي لدى الجمهور ، وتعزيز الثقافة المؤسسية لدى الهيئات الحكومية ، ووضع نظام فعال لإدارة المعلومات ،الحريات والتواصل مع روح العصر ، سن التشريعات والقوانين المنظمة ، والتكامل بين كافة القاطعات ، وتعزيز البنية المعلوماتية ، ووضع سياسات تتسم بالشفافية ، وتشجيع المشاركة من الشباب وحماية وامن المعلومات وتوطين العلم والمعرفة وتحديث المناهج.

 وتواجهه عملية اتاحة المعلومات بعدد من التحديات لعل اهمها،وعدم وجود سياسة او استراتيجية قومية للإحصاء والمعلومات ،ضعف اليات التنسيق بين مختلف الجهات ، وغياب الية لمراقبة جودة المعلومات والبيانات بما يؤثر في المصداقية ، عدم تحديث الاطر التشريعية بما يتناسب مع التحديات لتنظيم وجمع ونشر وتداول المعلومات وقصور برامج اعداد الكوادر البشرية ، الفقر وتدني المستوى التعليمي ،والقيود المفروضة على الاعلام ، والتعامل مع قضايا الارهاب ومتطلبات الامن القومي وحماية الحياة الخاصة .

  وعلى اية حال فقد اشار الدستور المصري في المادة "68 "  على حرية تداول المعلومات. حيث نصت المادة على ان المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًاوتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها، بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون". 

 وهو ما يتطلب ان يتم العمل على كافة المستويات للعمل على اولا تهيئة البيئة الحاضنه والبنية التحتية المعلوماتية،وسن التشريعات اللازمة ليس فقط لحرية تداول المعلومات بل الى حمايتها وتعزيز ثقافة المجتمع بشان حرية تداول المعلومات وأهمية الفصل بين تلك المعلومات التي تعد من حق المواطن وبين تلك التي تعتبر تحمل ابعاد تتعلق بالأمن القومي ،وفي ظل عملية الموازنة بين الامن والحرية  لعملية تداول المعلومات في ظل الحفاظ على المصلحة الوطنية .
*خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>