المثقف والفيسبوك

06-08-2017 02:14 PM - عدد القراءات : 1391
كتب العرب أحمد برقاوي
دراسة العنف اللغوي الذي يعج به الفيسبوك عند الأغلبية تضع أمام الباحثين الإجتماعيين والنفسيين قضية جديرة بالتأمل والدرس لأن المسافة بين العنف اللغوي والعنف الجسدي قصيرة جداً.
المثقف والفيسبوك

قالت دائرة الفيسبوك بأن عدد المشتركين في وسيلة التواصل هذه قد بلغ مليارين من الذين يجيدون القراءة والكتابة. وهذا يعني أن نسبة كبيرة من أفراد المجتمع صارت قادرة على التواصل اليومي من جهة والتعبير عن أفكارها وآرائها ولا شعورها وعدائها وأحقادها وثأرها وعشقها وحبها وكرهها وذكرياتها ورغباتها وحياتها اليومية ومواقفها السياسية والأخلاقية وجديتها وسخريتها وآلامها وفرحها وسخافاتها وجهلها وشجاعتها وجبنها وحيائها ووقاحتها ومعرفتها وثقافتها وصدقها وكذبها واهتماماتها وشهوتها في الحضور بشكل مختصر ومكتوب.

وإذا عرفنا أن عدد المشاركين في العالم العربي بلغ اثنين وستين ألفاً فقد صارت لدينا مادة مهمة ومرجع غني لدراسة عينات كثيرة من حيث وعيها واهتماماتها ونفسياتها.

ولقد زاد الفيسبوك من حضور المثقف المبدع: الشاعر والروائي والمفكر والفيلسوف والنحات والرسام وكاتب المقال، المتحقق بالأصل، بأن عمم على نحو واسع عدد المتلقين لنصوصهم وإبداعاتهم، عبر نشرها على صفحة الفيسبوك أو نشر روابط مؤلفاتهم وأعمالهم.

والملاحظ أن شهوة الحضور تبرز بشكل قوي عند الفيسبوكيين العرب من المثقفين العاديين، لا سيما عند أولئك الذين ليس لديهم إلا هذه الوسيلة للحضور، وعند جمهور من المثقفين الذين لم تسعفهم مواهبهم البسيطة في الحضور عبر الكتاب والمجلات والصحف وشاشات التلفزيونات التي كانت وحدها وسائل حضور الكاتب الكلاسيكية. وعدد هؤلاء في عالم العرب كثير جداً.

ولعمري إن أمام الباحثين السوسيولوجيين والسيكولوجيين في الوطن العربي مادة غنية جداً جداً لدراسة الوعي المعرفي والجمالي والأخلاقي والسياسي لهذه الفئة، وهم أقدر على وضع المعايير لتمييزها ودراسة خطاباتها من حيث الأسلوب والكلمات والعواطف واكتشاف المكبوت. واكتشاف المكبوت تأسيساً على قراءة الخطاب منهج من مناهج التحليل النفسي.

ومما هو لافت للنظر في الفيسبوك العربي -من خلال متابعتي للمكتوب- حجم العنف والعدوانية في القول مع الندرة في التعفف عن هذا الأسلوب في التعبير. فإذا استثنينا الجمهور القليل والمحدود جداً من الكتاب المعروفين والمشهورين عربياً ممن حررتهم مكانتهم من هذه النزعة فإنّا لواجدون غياباً لقيمة الحياء واحترام الآخر لدى جمهورٍ كبير من كتبة الفيسبوك، يصل حد التطاول على الآخر بالكلمات البذيئة والشتائم المباشرة.

لقد نشرت مرة كلمات حول الاختلاف بين عالم اليوم والعالم القديم والمدينة اليوم والمدينة القديمة، وإن ما كان قبلاً من سلطة وقيم ومعايير لم يعد قابلاً للحياة. فإذا بمئات من الإسلامويين، والذين كنتُ أظنهم عفيفي اللسان، يهجمون علي بالكلمات البذيئة والتي طالت أمي وأبي وأختي. وقس على ذلك.

والحق إن دراسة العنف اللغوي الذي يعج به الفيسبوك عند الأغلبية تضع أمام الباحثين الإجتماعيين والنفسيين قضية جديرة بالتأمل والدرس لأن المسافة بين العنف اللغوي والعنف الجسدي قصيرة جداً.

أما لو سئلتُ ما الذي يغريني بالفيسبوك فإني سأجيب: هو وسيلة لنشر كتاباتي وآرائي وأفكاري، والتي أنشرها قبلاً في الكتب والمجلات والصحف، والإطلاع على إبداعات الآخرين والتواصل مع أصدقائي وطلابي وقرائي والإطلالة على أنماط الوعي أحياناً بدافع المعرفة.

كاتب فلسطيني مقيم في الإمارات

أحمد برقاوي



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>