صحافيو الإنترنت المفترى عليهم

01-07-2017 02:42 PM - عدد القراءات : 1022
كتب سامية هاشم
لا بد أن يعترف الإعلاميون التقليديون، أن عصراً جديداً أطلقه الإنترنت مكّن من الأخبار بل أوقف احتكارها، وأسقط “حارس البوابة” وأحال الرقباء على التقاعد.
صحافيو الإنترنت المفترى عليهم

كل منا لديه شيء يريد أن يقوله للآخرين، وأولئك الذين يمتلكون جدارة صناعة الكلمات فإن لديهم الكثير والكثير ليقولوه، ولكن لم تتح لهم فرصة الوصول إلى منافذ الرأي والتعبير حيث احتكرت وسائل الإعلام التقليدية هذه المنابر في السابق.

بل لعقود وأزمنة طويلة كانت المعلومات تجري باتجاه واحد من الأعلى إلى الأسفل أما الانسياب من أسفل إلى أعلى فهو محكوم بقواعد أخرى تتمثل بما هو متعلق بمتغيرات سياسية وأمنية ودينية واجتماعية ومهنية ضيقة.

وجاء الإنترنت ليكسر قواعد اللعبة ويعطل برمجتها وليتيح للجميع الفرص المتساوية في حرية الوصول إلى الآخرين وولوج هذا العالم بكل ما لديهم من قصص وأخبار وحكايات، تخطاها الإعلام وحال دون تداولها، وحكايات أخرى حبست في عقول من يمتلكها ولم يسلط الضوء عليها حتى خنقت وقضي عليها بقفازات من حرير.

فرضت تكنولوجيا الإعلام الجديد واقعاً بنيوياً جديداً، ولكن الجانب الأهم هو الحرية التي أصبح معها كل من لديه مدخل إلى الإنترنت ويمتلك الموهبة والوعي أن يصبح ناشراً ومروّجاً للمضامين الإعلامية وأن يصل إلى الجمهور.

لقد أضحى الفضاء الإلكتروني صوتا لمن لا صوت له، وتخطى وجود مساحة ومكتب وقاعة تحرير لمن يحلم بدخول عالم الصحافة الواسع .

إن بنية الإعلام الجديد تكاد تمتلك قدرات لا مثيل لها بالمقارنة بالوسائل التقليدية حيث تمتزج جميع الوسائل في بنية المولود الجديد الذي أصبح اليوم يافعاً يعرف ما يريد بالضبط من خيارات أتاحتها له الحاضنة القديمة والأم الجديدة ليغري مستخدميه من خلال المديات اللامتناهية للسريان في فضاءات الحرية بألوانها البراقة من شهرة ومال ونفوذ.

بالطبع من كان يحلم يوماً أن يصبح صحافياً شعبياً أو حتى رئيساً للتحرير وأن يقدم نفسه إلى الجمهور ولم تتح له الفرصة لسبب أو لآخر، فإن مع الإنترنت أصبح قادراً أن يكون صحافياً معروفاً لدى الجماهير التي قد لا يعرفها أصلاً، وربما يمتلك جمهوراً يعادل جمهور مؤسسة إعلامية بأكملها، تلك الجماهير من المتلقين والمتفاعلين التي سئمت الاستماع أو مشاهدة الكثير من الأخبار والمعلومات التي تكررها الوسائل التقليدية.

وعلى الرغم من كثافة جمهور المراسلين الجدد وارتفاع أرقام المشاهدة إلا أن أصابع الاتهام مازالت توجه إليهم بسبب غموض شخصياتهم وعدم وضوح أهدافهم وعدم توفر الشفافية في انتماءاتهم ومصادر التمويل التي يرجعها بعض النقاد إلى ارتباطات مشبوهة بعناصر إرهابية أو أشخاص أو جهات أو منظمات ذات مصالح معينة تتخفى تحت شعارات خادعة ربما.

إلا أن ظهور هذه الفئة من الصحافيين أو الإعلاميين الذين هم في الغالب من غير المتخصصين في الإعلام أصبح واقعاً حقيقياً، خاصة وأن استخدامهم العملي لتطبيقات “النيو ميديا” جعل منهم صحافيين محترفين يخطئون ويصيبون ويصححون نتاجهم ويراجعون تعليقات الجمهور ويعدّلون من رسائلهم، مما جعلهم قد يتفوقون على أهل المهنة.

تقول آن كومبتون من شبكة أي بي سي على الإنترنت “إننا نكتب بأسلوب أكثر إشراقاً ونستخدم كلمات عامية وتتميز أخبار الإنترنت بغنى في التعبير لا يمكن تحقيقه في الإرسال التلفزيوني”.

ورغم التواجد الكثيف لصحافيي الإنترنت إلا أن لجنة حماية الصحافيين الدولية لم تضع تعريفاً محدداً لصحافة الإنترنت مما يثير قلق صحافيي الإنترنت الذين لم يحصل الكثير منهم على هوية نقابية من جهة صحافية معتمدة، توفر لهم على الأقل حصانة أمنية أو حرية للوصول إلى المعلومات.

يقول مدير لجنة حماية الصحافيين “صورة المدون الذي يعمل منفردا في منزله مرتديا البيجاما قد تكون جذابة، ولكن عندما يُقرع باب أحدهم يكون حينئذ وحيدا وضعيفا يجب علينا جميعا الوقوف معا من أجل حقوقهم، سواء كنا شركات إنترنت أو صحافيين أو جماعات لحرية الصحافة. مستقبل الصحافة سيكون إلكترونيا ونحن الآن في معركة مع أعداء حرية الصحافة الذين يستخدمون السجن لتعريف حدود الخطاب العام”.

لا بد أن يعترف الإعلاميون التقليديون، أن عصراً جديداً أطلقه الإنترنت مكّن من الأخبار بل أوقف احتكارها، وأسقط “حارس البوابة” وأحال الرقباء على التقاعد، مهما عملوا على محاولة تسفيه المنتج في الوسائط، التي فتحت الباب على مصراعيه لكل من دب فكرة، وهبّ نتاجاً، سوف يجد له متلقين يثقون بما ينشر من أي شارع أو مقهى أو حارة أو زقاق، لن يتمكن مراسلو الوسائل من الوصول إليها، نعم هي معركة وصول إلى حيث تصنع الأفكار والأخبار معا.

أستاذة الاتصال الجماهيري في الجامعة الأميركية في الإمارات

سامية هاشم



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>