المحتوى العربي الرقمي تحت مستوى الفقر

21-06-2017 08:25 AM - عدد القراءات : 11092
كتب قميتي بدرالدين *
المحتوى العربي الرقمي على الانترنت، و عادة يطلق عليه اسم المحتوى الالكتروني العربي،و أي كان الاختلاف في التسمية فهو يؤدي إلى معنى واحد وهو مجموع مواقع وصفحات الويب المكتوبة باللغة العربية على شبكة الانترنت فعندما نتحدث عن المؤشرات
المحتوى العربي الرقمي تحت مستوى الفقر
فنحن نعني حجم الصفحات المفهرسة باللغة العربية والمتاحة على شبكة الانترنت،و عند الحديث عن هذا الموضوع لا يسعنا إلا أن نتكلم عليه بخجل ،إن هذه المؤشرات تعتبر ذات أهمية بالغة لجميع القطاعات سواء كانت عامة أو خاصة أو حتى اجتماعية من مكونات المجتمع المدني .
إننا نجد و على جميع المستويات معاناة كبيرة للمحتوى العربي على الانترنيت و حالة من الفقر الشديد والضعف، مقارنة بمحتويات غربية ودولية أخرى مما يجعل اللغة العربية تحتل المركز السابع على الشبكة الدولية للمعلومات و قد أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، عن دراسة صادرة لها عن وجود ندرة شديدة للمحتوى العربي على شبكة الإنترنت، حيث لا يتعدى المحتوى العربي على الشبكة الثلاثة بالمائة (3%) في حدود (660مليون صفحة)من إجمالي المحتوى العالمي،
هذا ما يؤدي إلى بنا في التفكير في ذلك تناقض تاريخي بين ذلك المحتوى الرقمي و بين رصيد الحضارة العربية الإسلامية فهل تكمن المشكلة في استعمال الإنسان العربي للغات الأخرى من اجل الحصول عن المعلومة آم أن المحتوى العربي لا يقدم الفائدة المرجوة للباحثين عن المعلومات و لا يتسم بذلك التنوع و التجديد؟
من هنا تكمن الحاجة إلى إثراء الشبكة العنكبوتية بالمحتوى العربي أمر ضروري و يبدو أن المحتوى العربي على الانترنيت في تزايد مستمر ولكن ببطء نتيجة اعتماد بعض الدول العربية على التكنولوجيا و الرقمنة الإدارية و هذا غير كافي في ظل التسارع الرقمي العالمي من جهة و من جهة أخرى المخاطر الرقمية للمحتوى الرسمي(و هذا موضوع آخر) و كذا تزايد العديد من الشركات العربية التي انتبهت إلى التسويق الالكتروني كبوابة للاقتصاد الرقمي المستدام و ضرورة تفعيل عمليات التسويقية و حتى التحويلات المالية في إطار رقمي ،
كما لا ننسى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل بسيط من خلال تحفيز المواطن العربي على تعلم الكثير من التقنيات الرقمية (كالمدونات ، اليوتوب ،مجموعات الفيس بوك و الصفحات ..الخ) و أعطته حافزا قويا لنشر أفكاره و آرائه و أبحاثه على الشبكة العالمية
و مع ذلك لا يزال المحتوى العربي يعيش تحت مستوى الفقر المعرفي و يفتقر إلى الكثير من الميكانزمات التي تجعله يقدم نفسه بديل من البدائل للمعلومات ومصدر من مصادر البحث الأكاديمية العالمية .
إذ يجدر بنا القول إن المحتوى العربي ليس مجرد مجموعة بيانات رقمية و كتابات مؤرشفة و إنما من خلال المحتوى العربي نعبر عن فكر و هوية و عقيدة و اتجاهات وقيم عربية إسلامية و من خلال فهمنا لهذه المسؤولية نستطيع تقديم أنفسنا بالشكل الصحيح والسليم و محاربة كل أشكال العنف و التطرف و حتى إشكاليات الهوية المطروحة دائما رقميا.
من هنا تجد الإشارة كذلك إن المحتوى العربي مسؤولية الجميع وليس الدول فقط و على متخذي القرار وضع واقتراح الخطط المناسبة والتي يمكن أن تزيد هذا المحتوى كماً ونوعاً، كما انه يمكن أن من خلال هذه الخطط يمكن تقديم تنبؤات بمعدل نمو المحتوى العربي خلال السنوات القليلة القادمة و التحكم فيه ومراقبته .
فلابد من المثقفين و الكتاب العمل على إثراء الشبكة و المساهمة في تطوير المحتوى العربي الإلكتروني و عدم الاكتفاء بأعمدة الجرائد و طباعة الكتب و ذلك كل في مجال تخصصه أو اهتماماته من خلال نقل إنتاجهم الفكري و التاريخي من الحفظ التقليدي في المتاحف و المكتبات إلى الحفظ الرقمي ،فقد فأصبح من الضروري اتخاذ خطوات سريعة وفعالة لمعالجة هذه الأزمة من خلال خطوات عملية من شأنها تقديم إضافة للمحتوى العربي فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تشجيع الترجمة للغة العربية، والكتابة باللغة العربية الفصحى، وضبط قوانين الملكية الفكرية الإلكترونية لمحو تلك السمعة السيئة للمحتوى العربي من خلال انتشار أداة النسخ واللصق في العديد من المواقع والمنتديات العربية ،و الدعوة لاهتمام المؤسسات العلمية العربية بمشاريع الرقمنة للمصادر العربية، والذي يعني عملية تحويل المعلومات من مصادرها التقليدية إلى صيغ رقمية،فضلا عن التراث العربي الموجود بالمتاحف المهدد بالاندثار في أي وقت من جراء حريق أو دمار أو سرقة .
إن تعزيز المحتوى العربي من بين المتغيرات التي تفرض نفسها وتجعل من ضرورة العمل على تحسين المحتوى العربي أمرا لا يمكن تجاهله، مع صعوبة المهمة وتعقيدها لوجود عدة فجوات رقمية و ثقافية واجتماعية تحتاج إلى معالجة قبل المضي فعليا في عملية تعزيز المشاركة العربية الرقمية ،
و هذا يضع المؤسسات التعليمية و الأكاديمية ومراكز التدريب وحتى مؤسسات المجتمع المدني الحكومية وغير حكومية أمام مسؤولية تنمية مهارات التفكير والإبداع عبر إحداث تغيير في طرقها ومناهجها التربوية والتعليمية و العمل على الدورات التدريبية المتخصصة حول استعمال التكنولوجيا والبرامج المتاحة للنشر و كيفية التعامل معها كي يتعزز المحتوى العربي الجاد على شبكة الإنترنت، كما يتعين، أيضا، على الجامعات ومعاهد البحث والمؤسسات العلمية والتربوية والصحية وغيرها، رفع مستوى مساهمتها في هذا الخصوص، و نشر كل ما يتعلق بها من معارف بجميع جوانبها وتحقيق التنمية البشرية شاملة ،وتقع على الجميع أيضاً، مؤسسات وعاملين في الحقول العلمية والفكرية والثقافية، المساهمة الفعالة في المواقع العربية الرسمية و الشفافة التي تهتم بجمع المعلومات وتصنيفها كموسوعات عربية على الإنترنت.
إن التحدي كبير، كما هو واضح، أمام تحقيق نقلة نوعية في المحتوى الرقمي العربي، والإحصاءات الضئيلة تضعنا أمام تحديات دون أدنى شك و بالحاجة الماسة إلى مادة عربية كثيفة على الشبكة،و ذلك لا تتعلق بوقت محدد ومساهمات بقدر الحاجة الماسة لإحياء المحتوى العربي الشامل، حتى يدخل ولغته ضمن القوى الرقمية والإلكترونية الواعدة بشكلها الصحيح، لذا فمن الضروري الوقوف على أساليب المعالجة الصحيحة والمثمرة، لبناء مجتمع عربي رقمي على الشبكة الدولية للمعلومات نستطيع من خلاله المنافسة الرقمية و حتى السيطرة على المعلومة السلاح القادم للمجتمعات الرقمية.
*خبير بالمركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني - الجزائر


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>