الابداع والابتكار : محرك نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز التنمية المستدامة

13-06-2017 05:37 AM - عدد القراءات : 5499
كتب د. عادل عبد الصادق *
اتيحت لي الفرصة لان اشارك في المنتدى العربي رفيع المستوى حول القمة العالمية للمعلومات وأجندة 2030 للتنمية المستدامة برعاية بيت الامم المتحدة في بيروت ، والذي عقد ما بين 8-12 مايو الماضي.
الابداع والابتكار :  محرك نمو الاقتصاد الرقمي وتعزيز التنمية المستدامة

وهو الامر الذي يطرح اهمية الربط بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين تحقيق اهداف التنمية المستدامة السبعه عشرة التي اعتمدتها الامم المتحدة والمزمع تحقيقها بحلول عام 2030,وفي هذا الاطار اذا كانت الافكار تصنع القوة في مجال الحرب والعدوان فأنها تصنع ايضا المجد والتفوق والمكانة والسعادة للمجتمع البشري ،مع امكانية توظيف العقل البشري في التطبيقات التي تجعل من الانسان اكثر رفاهية وتعظم من مكاسب الفرد والمجتمع والدولة من الثورة المعلوماتية .,
ويأتي هذا بعد أن أصبحت عملية الاستثمار في العلم مدخلا هاما للاستحواذ على القوة في العالم المعاصر ، وبخاصة بعد أن أصبح عنصرا من عناصر الإنتاج ،وارتباط ذلك بتوافر بيئة حاضنه تتمثل في قدرات البحث العلمي وحجم الإنفاق وعدد الكوادر العلمية ،والتي باتت تشكل عناصر القوة الشاملة للدولة. وترتبط عملية الإبداع التكنولوجي بدرجة النشاط العلمي والمالي والتجاري وبمدى تبني المنتجات الجديدة والأساليب الفنية وإدخاله للسوق أو استعماله في أساليب الإنتاج
وجاء ذلك في ظل تصاعد العلاقة بين التكنولوجيا ورأس المال ،وهو ما يشير الى حجم التحول في دور الاقتصاد الرقمي في النمو الاقتصادي ، وليعكس حجم التغير الى الوضع الذي أصبح "المال يصنع المال" وليس الإنتاج أو السلع.وفي سبيل ذلك توجهت العديد من الدول الى الدخول في مجال المنافسة في إنشاء أودية للتكنولوجيا وفي تخصيص ميزانيات تتعلق بالإنفاق على البحث والتطوير والابتكار،
وبخاصة مع قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على توفير منافذ جديدة لخلق الوظائف التي يمكن أن تساعد على معالجة البطالة وزيادة حجم الصادرات للمنتجات والخدمات التكنولوجية ناهيك عن تغطية سوق محلي تتنافس علية شركات خارجية. ويأتي ذلك في ظل وجود سوق عالمي مفتوح ومستقبل لعملية التطوير المستمر في المنتجات والخدمات ،وفي ظل تضائل الفجوة الزمنية بين البحث العلمي وتحويله الى التطبيق وعملية ربطه بالسوق .
وعلى الرغم من البعد الاقتصادي للإبداع التكنولوجي إلا أنه له أبعاد أخرى إستراتيجية ومتشابكة مع غيرها من العوامل الأخرى الفاعلة في التغيرات النسبية أو المطلقة في القدرة التكنولوجية وتتطلب عملية الاختراع أو الابتكار توافر مهارات وخبرات متعددة. ولا يعتمد نظام الاختراع على الفكرة نفسها، وإنما على كيفية تطوير الفكرة وجعلها إنتاجاً واسعاً، وهو ما أعطى أهمية كبرى لدور المهارات التقنية والقانونية والإدارية في المحافظة على الموقع الصناعي والحفاظ على النوعية والكفاءة الإنتاجية،
وأصبح الصراع بين الدول يرتكز على المنافسة في تبني الابتكارات وتحويلها إلى تطبيقات عملية وهو ما جعل الدول تتطلع إلى تنمية قدراتها التكنولوجية والتي أصبحت تعبيرًا عن المكانة والنفوذ والقوة الى جانب تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعه .بعد ان اصبح الاقتصاد الرقمي المحرك الرئيسي للاقتصاد على حساب تراجع دور الاقتصاد التقليدي المعتمد على معايير جغرافية كالمساحة والموارد الطبيعية والتي قابله للنضوب وعدم الاستدامة او مواجهة زيادة الطلب عليها بينما يشكل الاقتصاد الرقمي موردا قابلا للنمو المستمر والغير قابل للنضوب مع توافر الابداع والابتكار وفهم آليات السوق الجديد
ويتم تفعيل دور الاقتصاد الرقمي استنادا على قدرات الدولة في مجال الابتكار والإبداع والذي يأتي كعملية مستمرة ومتصلة في اطار استراتيجية واضحة تعزز من دور التعليم والبحث والابتكار وليس التلقين والتقليد،وهو ما يكون له انعكاس على تحول القوة الاقتصادية من دول كبري بالمعايير التقليدية الى دول صغرى قياسا على حجم الناتج القومي الاجمالي لديها .
وحدث تراكم في الثروة لدى جيل جديد من الشركات العاملة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وأصبح لها القدرة الاكبر في الاتساع والانتشار مقارنه بالشركات الاخرى العاملة في المواد الاولية ، بل وأصبح المدى الزمني لتراكم الثروة قصير الى الحد الذي جعل في قائمة اغنياء العالم من هم من الشباب ومن العاملين في المجال ألالكتروني وبخاصة مع انتقال الاستثمار في التكنولوجيا من الدولة الى القطاع الخاص ، وجاء ذلك في بيئة اقتصادية جديدة تتميز بالتنافس الشديد بين عمالقة الدول والشركات العالمية حول الاستحواذ على السوق العالمي والذي اتسع مجاله بعد تجاوز حدود الدول وشموله الأسواق المحلية والعالمية.
وأصبح يتم تصنيف الدول وفق مؤشرات الابتكار والإبداع ويتم احتساب مؤشر الابتكار العالمي بتحديد متوسط مؤشرين فرعيين. وأولهما مؤشر المدخلات الذي يقيس عناصر الاقتصاد التي تجسد الأنشطة المبتكرة والتي يتم رؤيتها وفق خمسة ركائز هي قدرة المؤسسات الفاعلة ، وحجم رأس المال البشري والبحوث،ومدى توافر البنية التحتية ، وحجم التطور في السوق، وفي الأعمال . وثاني تلك المؤشرات ما يتعلق بالمخرجات الخاصة بطبيعة المعرفة والتكنولوجيا و المخرجات الإبداعية والتطبيقات المرتبطة بها،
ونظرا لأهمية الابتكار والإبداع في مجال التكنولوجيا وفي قوة الدول، فقد تصارعت الدول على الاستحواذ على التكنولوجيا أما عبر نمو حجم الأنفاق على البحث والتطوير أو عبر استخدام أساليب غير شرعية كالتجسس والاختراق لسرقة الأسرار الصناعية والتجارية ،والتي تعمل على تنفيذ اسرع عملية لانتقال الثروة من مكان الى اخر في لمحات البصر ،
والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة تخسر بليون دولار سنويا جراء سرقه الاسرار الصناعية لديها ،وبخاصة فيما يعرف بالاتهامات الي يتم توجيها الى الصين ،وهو ما جعل المجتمع الدولي الجديد يشهد حالة من التنافس الشديد حول حماية الأفكار والتطبيقات والعقول البشرية.
وتاتي اهمية الاقتصاد الرقمي كمدخل للتنمية في الدول العربية وبخاصة مصر نتيجة الى معاناة بعض الدول العربية من نقص الموارد وزيادة السكان وانعكاس ذلك في زيادة معدلات البطاله والفقر وسوء الخدمات الحكومية بل اصبحت عملية التوجه الرقمي ليس مقتصرا على الدول الفقيرة في الموارد الطبيعية بل كذلك في دول الخليج النفطية مع اتجاه تلك الدول الى تنويع مصادر الاقتصاد القومي والى بناء جدار واقي من تقلبات اسعار النفط العالمية ومواجهة حقيقة كون تلك الموارد غير متجددة .
اذا اصبح توجه الدول الفقيرة والغنية في الموارد مدفوعا بالتأقلم مع الثورة العالمية في مجال الاقتصاد الرقمي ودوره في الناتج القومي الاجمالي ، والى كون المنطقة العربية وبخاصة مصر تحتوي في هيكلها السكاني نسبة تقل 60% من السكان من الشباب وهم ثروة بشرية تشكل ميزه نسبية للدول العربية وبخاصة مصر اذا ما تم توظيفها على نحو جيد بشكل يجعل هؤلاء الشباب مؤهلين للدخول الى سوق الاقتصاد الرقمي والذي يستطيع ان يحقق عدد من المكاسب لمصر وللدول العربية لعل اهمها ، اولا ، العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي بالانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية الى انتاج المعرفة .
ثانيا، زيادة فرص العمل ، على الرغم من ان التقدم في مجال الاقتصاد الرقمي يعمل على اختفاء عدد من الوظائف الا انه يعمل على اتاحة وظائف اخري ومواجهة الطلب على الوظائف باتاحة الفرصة لخلق وظائف ومهن جديدة حيث ان كل وظيفة رقمية ترتبط ما بين 2-4 وظائف اخري في الاقتصاد الى جانب ان معدلات رفع الاجور تزيد بمعدل 305 عن الوظائف الاخري ، وتؤدي زيادة الربط الشبكي والتحول الرقمي الي تحويل اوجه العمل الى بيانات رقمية بما يزيد من عولمة المهارات وتقديم خدمات عابره للحدود ، و ثالثا ، يعمل الاقتصاد الرقمي على زيادة معدلات الانتاجية حيث تتميز الصناعات الرقمية بانها عالية الانتاجية وتمنح القدرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بان تنمو بسرعة .
ورابعا ، العمل على مكافحة الفقر ،حيث تؤكد تجارب العديد من الدول على ان عملية التحول الرقمي تساعد في دمج المهمشين من خلال زيادة دخولهم وتوفير دور اجتماعي وهو ما ينعكس في التنمية
خامسا ، جودة الرعاية الصحية ،تساعد عملية استخدام التطبيقات الرقمية في مجال الصحة الى تحسين جودة الرعاية الصحية وتوفير النفقات على الامراض المزمنة وزيادة صحة وانتاجية العامل
سادسا ، التعليم ،العمل على تحسين العملية التعليمية عبر انخفاض التكلفة وتحسين الجودة واستخدام تطبيقات التعليم الالكتروني
سابعا : تحسين البيئة ومواجهة التغير المناخي ، تساعد عملية الرقمنة في تحسين البيئة ومواجهة التغير المناخي عبر عدم الاعتماد على الاوراق وخفض الانبعاثات الكربونية بما قارب 15% والتوسع في المدن الذكيه
ثامنا ،العمل على دعم الشفافية عن طريق المساعدة في مكافحة الفساد في الجهاز الحكومي ،والعمل على تقليل تكلفة الخدمات الحكومية ،توفير ادوات جديدة للرقابة على اجهزة السلطة التنفيذية
تاسعا ، الشرعية ، ودعم الاستقرار عن طريق استغلال الطاقة الشبابية المعطله والاكثر فاعلية سياسية ،توفير تطبيقات جديدة للتغير الاجتماعي ،ومواجهة تطلعات الشباب في المستقبل ،تحقيق قدر كبير من الاستقرار السياسي .
ويفرض ذلك على مصر اهمية تفعيل استراتيجية وطنية في مجال تعزيز دور الابتكار والابداع في الاقتصاد تتضمن الاهتمام بالتعليم وبالمناهج الدراسية، وبتبني مبادرات الشباب وابتكاراتهم، والعمل على حماية الملكية الفكريه لها ،والاهتمام بالمراكز البحثية ،ويأتي ذلك الى جانب أهمية توفير رؤوس الاموال اللازمة لتحويل الابتكارات الى تطبيقات اما بمساعدة الدولة او القطاع الخاص او المؤسسات المالية والبنكية للعمل في ذات الوقت على تعزيز فرص الصناعه الوطنية وبخاصة ان حجم التوغل للشركات العالمية في الاسواق الوطنية حمل معه اخطار تتعلق بتسريب رؤوس الاموال المحلية الى الخارج ، والى جانب تحول بعضها الى مصدر تهديد للأمن القومي . وبخاصة في ظل ان عملية الحفاظ على الامن والحماية والمواجهة ضد الاخطار تتطلب ان يكون لدى مصر القدرة على تملك اسرار الصناعه في الابتكار والابداع وفي مجال الاجهزة والتطبيقات ، وهو ما يحتاج الى الوعي من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص الى جانب اهمية وعي الشباب بالمساهمة ببناء الوطن .
وفي سعى مصر للخروج من وضعها الاقتصادي تأتي اهمية اهتمام الدولة بمجال الابداع والابتكار،وكيفية تحويل ذلك الى تطبيقات قادرة على احداث التحول المنشود في النمو الاقتصادي،وبخاصة مع تمتع مصر بعدد من عناصر النجاح تؤهلها للاندماج في السوق العالمي، وتعزيز التحول من الطابع الاستهلاكي الى الدور المنتج والفاعل في صناعه التكنولوجيا، كجزء من تحرير الارادة الوطنية وتعزيز المكانه الدولية .
ولعل توافر الارادة السياسية الى جانب غنى مصر بطاقات بشرية هائلة من اهم عناصر النجاح في طريق المستقبل.
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>