كتاب يحذرنا من إمكانية الزج بالعرب خارج العصر

05-10-2016 01:04 PM - عدد القراءات : 13589
كتب العرب -محمد الحمامصي
باتت الأشياء والظواهر في حياتنا المعاصرة تتغير بسرعة شديدة بالتوازي مع تسارع حركيّة ثورة التكنولوجيا. في المقابل، فإن قدرتنا على إدراك كل ذلك وتفسيره وتفكيك اشتباكاته مع واقعنا المعاصر، بدت هرمة وبطيئة وعاجزة عن المواكبة. فمن هذا الوعي التكنولوجي المتدني، تنمو جملة إشكاليات تعوق المجتمع عن النهوض والتقدم، وتعطّل مسيرة التنمية المستدامة.
كتاب يحذرنا من إمكانية الزج بالعرب خارج العصر

يتضمن كتاب “ديجيتولوجيا: الإنترنت.. اقتصاد المعرفة.. الثورة الصناعية الرابعة.. المستقبل” للباحث رامي عبود، مجموعة من المقالات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مسبوقة بمقدمة شارحة ومدخل آخر بعنوان “متلازمة سِيْبَوَيه” يتناول فيه المؤلف إشكالية الاصطلاح التكنولوجي العربي. وفيه أيضاً يتناول الإشكاليات المختلفة المنطوية على الاصطلاح المتداول في قطاع التكنولوجيا داخل الفضاء العربي، وتأثيرها على وعي المتلقي العربي من حيث إرباكه وخلق التشويش ضمن المجال العام. ومن ثم تأثير ذلك على النهوض بمجتمع المعرفة العربي. كما يوضح الأسباب المتنوعة خلف تبنيه طريقتي التعريب والنَقْحَرَة “أي النقل الحرفي الصوتي للاصطلاح من المنطوق الأجنبي إلى الحرف العربي” بدلاً من ترجمته، وذلك كمخرج من المخارج العملية لتلك الإشكالية.

آلية التخاطب

حول عنوان الكتاب يقول المؤلف “ديجيتُولُوجيَا” بتعطيش الجيمين “هي لفظة عاميّة وغير شائعة عربيًا. لكنها، وردت قياسًا على البنية اللغوية لكلمات شائعة عربيًا وغير عاميّة في الوقت ذاته، منها مثلاً سيكولوجيا وأنثروبولوجيا وسوسيولوجيا. وكل منها عبارة عن مصدر صناعي منقول إلى الهجائية العربية عن طريق التعريب أو تحريف منطوق ”لفظه” من لغته الأجنبية ليناسب اللغة العربية. وحسب هذه الطريقة، نُقلَت كلمة psychology من منطوقها الأجنبي إلى الحرف العربي فأصبحت سيكولوجيا، وهكذا دواليك.. إذا، كلمة ديجيتُولُوجيَا هي المصدر الصناعي للكلمة الأجنبية المركبة digitology، والتي تتكون أولا من كلمة digit أو digito، والأخيرة مشتقة من الاسم digit بمعنى رقم أو عدد والصفة منه digital كما هو معروف.

والكلمة الأصلية digit أو digito تدل أساسًا على آلية التخاطب مع الأجهزة الكمبيوترية أو ما يسمى بـ”لغة الصفر ـ واحد”. كما تتكون ثانيًا من اللاحقة اللاتينية logy بمعنى علم أو مبحث أو فرع من فروع المعرفة. ومن ثم، تدل كلمة ديجيتُولُوجيَا عمومًا على الموضوعات التي تتصل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الكمبيوتر والإنترنت والبرمجيات”.

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد تحولت من مسألة محايدة إلى قضية وجود تتقاطع بشدة مع مختلف أنماط الحياة والإنتاج

يمزج الكتاب، الصادر عن دار العربي، بين أسلوب السرد الحكائي البسيط والحقائق العلمية المركّبة، في علاقتهما المشتركة بتفاصيل حياتنا المعيشة وواقعنا العربي، بحيث يتناسب مع طبيعة القارئ غير المتخصص، عموماً، ويلبي احتياجات المهتمين بقضايا التكنولوجيا المعاصرة والمستقبل، في الوقت ذاته.

يؤكد محتوى الكتاب على عدة حقائق مهمة، من بينها أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد تحولت من مسألة محايدة إلى قضية وجود، تتقاطع بشدّة مع مختلف أنماط الحياة والإنتاج. وأنه أصبح للإنترنت تأثير مباشر على المجتمع العالمي من حيث خلق تحولاتٍ عميقةٍ في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأيديولوجية والهوياتية والعقلانية واللغوية… إلخ. وأننا أصبحنا نحيا في عالم جديد ما بعد صناعي تتلاشى فيه تدريجيّاً الحدود الفاصلة بين الأشياء المادية والبيولوجية، حيث يكون البقاء للأذكى وليس للأقوى.

كما يشير الكتاب إلى أن الثورة التكنولوجية المعاصرة والتي باتت تعرف بالثورة الصناعية الرابعة سوف تضعنا على مفترق طرق كمثل الذي وضعتنا عليه الثورة الصناعية الأولى، والتي جعلتنا بصدد عالَمين لا يشبه أحدهما الآخر: عالم ما قبل البخار وعالم ما بعد البخار. وفي هذه الحالة، نكون بصدد عالم ما قبل الإنترنت وعالم ما بعد الإنترنت أو بالأحرى عالم ما قبل الذكاء الاصطناعي وعالم ما بعد الذكاء الاصطناعي. إلا أننا لا نعرف سوى القليل جداً عن التغيرات والتحولات المنبثقة عن: الإنترنت، إنترنت الأشياء، الرُوبُوتات، الذكاء الاصطناعي، الهواتف الذكية، السوشيال ميديا، المجتمع الورقي، روّاد الرأسمالية التكنولوجية، ما بعد الرأسمالية الصناعية، المحتوى الدِيْجِيْتَالِيّ، الواقع الفِيرشِوَالِيّ، الحروب السَيْبَرِيّة، ما بعد البشريّة، التطبيقات الذكية، التَهْكِير.. إلخ. وهذه القضايا جميعاً، وغيرها، يستلهمها محتوى كتاب ديجيتولوجيا.

الديجيتال الرقمي

وحسب المؤلف، فإنه وفي ظل تسارع التقدم التكنولوجي تضطر المجتمعات إلى التنازل عن فعلها الذاتي وسط زخم لحظة التحول العالمي الراهنة أو ربما يتخِذ أفرادها قراراً جماعياً بإنكار مظاهر التحول ومقاومتها والاصطدام بها. وكلا الحالتين كفيلة بالزج بنا خارج العصر.

مقالات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

ويضيف إن “الثورة التكنولوجية المعاصرة تفرز جملة متغيرات جوهريّة، تحاكي تلك التي نشأت مع الثورة الصناعية الأولى وأدت إلى ترسيم حدود صارمة بين البنيات المختلفة التي سادت في مرحلة ما قبل البخار، من جانب، ومرحلة ما بعد البخار، من جانب آخر”.

ويتابع “إذا تمخض الأمر عن وجود جديد لا يشبه الوجود في ما قبله، وإنسان جديد لا يشبه الإنسان في ما قبله، وموجودات مختلفة لا تشبه الموجودات الأخرى عبر التاريخ. وفي هذه الحالة، نكون بصدد عالم ما قبل الإنترنت وعالم ما بعد الإنترنت أو بالأحرى عالم ما قبل الذكاء الاصطناعي وعالم ما بعد الذكاء الاصطناعي.عربياً، نبتعد شيئًا فشيئاً عن إمكانية أن نصبح مكونًا فاعلاً في الثورة الصناعية الرابعة”.

فالتنافسية، في رأيه، تزداد حدّة، مخلّفة وراءها عالمًا متغيّرًا يكون البقاء فيه للأذكى وليس للأقوى. (…) من هذا الوعي التكنولوجي المتدني، تنمو جملة إشكاليات تعوق المجتمع عن النهوض والتقدم، وتعطّل مسيرة التنمية المستدامة.

لهذا كله، يهدف هذا الكتاب إلى تلبية احتياجات آنية تتعلق بفهم التحولات الدِيْجِيْتَالِيّة “الرقمية” digital transformations المعاصرة وطبيعة اللحظة التكنولوجية الحالية ومتغيرات المستقبل.

كذلك، دعمنا في تحديد أولوياتنا الاجتماعية والاقتصادية، وتعيين طبيعة وجودنا في هذا العالم الجديد المتغيّر باطّراد شديد واضطراب متواتر.

الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب رامي عبود هو أكاديمي وباحث مصري متخصص في فلسفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وصناعة المحتوى، ومجتمع المعرفة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>