مؤلف «الدواعش من الداخل» يروي تجاربه في العراق وسوريا

14-07-2015 01:29 PM - عدد القراءات : 13308
كتب لندن: رنيم حنوش
الاختباء أم الفرار؟ وما الخطوات التالية في الميدان؟ كانا من أهم الأسئلة التي تدور في ذهن بنجامين هول خلال زياراته المتكررة لمناطق النزاع في كل من سوريا والعراق،
مؤلف «الدواعش من الداخل» يروي تجاربه في العراق وسوريا
 
الاختباء أم الفرار؟ وما الخطوات التالية في الميدان؟ كانا من أهم الأسئلة التي تدور في ذهن بنجامين هول خلال زياراته المتكررة لمناطق النزاع في كل من سوريا والعراق، مع العلم أن مسافة 20 قدمًا فقط فصلت بين الصحافي البريطاني وعناصر «داعش» في أكثر من حادثة. لقد عاش هول وزميله المصور ريك فيندلر تجارب من الميدان تحت قصف جوي واشتباكات بين الفصائل المختلفة قبل أن يعود إلى أمان لندن ويروي قصصًا من «موقع الحدث» عن معاناة الأبرياء ودموية الصراع في كتابه «الدواعش من الداخل».
ADVERTISING
 

يسرد هول خلال الكتاب روايات في عمق تركيبة التنظيم، راسمًا صورة دقيقة لواقع مرير باتت تعيشه المنطقة المنكوبة جراء بطش التنظيم الذي يهيمن حاليًا على مساحات واسعة في كل من العراق وسوريا. وفي حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» يستذكر هول التجارب التي مر فيها هناك، وأول مرة تسلل إلى داخل سوريا عبر الحدود التركية. ويكشف الصحافي البريطاني عن شهادات عناصر «داعشيين» فروا من التنظيم أدلوا بها في لقاءات معه داخل أبنية مهجورة وأزقة مظلمة. كذلك نتمعن في تفاصيل الكتاب ولا سيما عن الحياة تحت سطوة التنظيم في الرقة وبوادر التململ بل التمرد بين المدنيين. ومن خلال الحوار وصفحات الكتاب، تتجمع صورة عن مجندي «داعش» والطبقية والتمييز بين المقاتلين المحليين والأجانب منهم الذين يتسللون من حدود تركيا. إلى ذلك، يشير المؤلف إلى التراخي على الحدود وأسرار السوق السوداء في ما يخص نفط «داعش». وأخيرا تستوقفنا مقترحات هول لإيجاد حلول ملموسة كونها نتيجة وجوده هناك. وبذا، لا يعود «داعش» مجرد «خبر ساعة» عابر، بل يغدو خطرًا حقيقيًا آن الأوان لتحرك قوي يتعامل معه.









يتسلح بنجامين هول بالأدرينالين المتدفق في جسده بعد أول مهمة صحافية له كمراسل من الخطوط الأمامية للقتال في معركة مصراتة بليبيا عام 2011، ثم يمضي قدمًا ليكرر التجربة في كل من سوريا والعراق وسط إطلاق الرصاص الحي والقصف الجوي. ويؤكد الصحافي البريطاني في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، أنه أثناء وجوده هناك تمكن من توثيق قصص المعاناة من قلب النزاع وكشف الغطاء عن أخطار «داعش» وقوة التنظيم الحقيقية على الأرض، وجمعها في كتاب مشاهداته الحية «الدواعش من الداخل».

سافر هول إلى العراق عدة مرات على مدى السنوات الست الأخيرة عن طريق إقليم كردستان العراق، إلا أنه بعد احتدام النزاع وتفشيه في سوريا أيضًا، باتت الطريقة الوحيدة للسفر إلى الداخل هي أن يستقل طائرة إلى مدينة إسطنبول التركية، ومن ثم يتوجه إلى مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في شرق تركيا، والتسلل من هناك إلى داخل سوريا. وفي كل المرات التي دخل هول فيها إلى سوريا، كان يستقبله عناصر من «الجيش السوري الحر» في مدينة أنطاكية (ذات الغالبية العربية) بمحافظة هاتاي (لواء الإسكندرونة) التركية، لتحديد المعبر الأكثر أمانًا في حينه للتسلل منه إلى الداخل السوري. وهنا يتذكر الصحافي البريطاني المرة الأولى التي هربه فيها عناصر «الحر» مع زميله المصور ريك فيندلر من الحدود السورية التركية في الساعة الثانية فجرًا وسط مناورات مع «شبيحة» نظام بشار الأسد، وكيف اختبأ هول وفيندلر في بلدة تفتناز بمحافظة إدلب.

مسافة لا تزيد عن 20 قدما فصلت بين هول وعناصر «داعش» في أكثر من مناسبة أثناء وجوده في المواقع المتقدمة في كل من سوريا والعراق. كذلك عاش هول ظروفًا خطرة، مثل أن يجد نفسه وسط تبادل لإطلاق الرصاص الحي والقذائف الصاروخية بالقرب من قاعدة جوية في ريف الشمال السوري عندما استحوذ «الجيش الحر» على «القاعدة» من أيدي النظام في يناير (كانون الثاني) 2013. وأيضا شملت تجاربه التي لا يمكن أن ينساها الاختباء مع كتيبة للمعارضة في مدينة حلب، والتعرض للتهديد من قِبَل عناصر من «جبهة النصرة» عند نقطة تفتيش للجبهة، والاقتراب من الموت تحت القصف الجوي إلى درجة أنه اضطر لاقتلاع شظايا من جسده في ما بعد. وأخيرًا، في آخر رحلة له، بعد أيام عصيبة في سوريا، يشير إلى إقدام القوات التركية على توقيفه واحتجازه مع زميله المصور داخل زنزانة قبل ترحيلهما إلى بريطانيا. وعندها اكتشف هول أن صحافي «نيويورك تايمز» الشهير أنطوني شديد كان قد اعتقل في الزنزانة ذاتها قبل أن يعود إلى سوريا حيث توفي بعدها بقليل.

هول يؤكد أنه اعتاد على الخطر، وبات التهديد بالموت أمرًا عاديًا يتقبله كل من أراد العمل من داخل مناطق النزاع، قائلاً: «على الأرض، أنغمس بتخطيط تحركاتي، ولا أتعامل مع الصدمات إلا عند عودتي إلى أمان لندن». ويتابع: «المواطنون الذين نحاول سرد قصصهم، ليس لديهم مهارب مثلنا، ولذا فإن قصص الناس الذين يعانون جراء النزاع الدائر هي القصص الرئيسية، أما تجاربنا كصحافيين، فتغدو قطرة في بحر كامل من الروايات».

وكما يشرح هول فإن «القصف أكثر خطرًا من إطلاق الرصاص، لأنه لا يميز بل ويطال الجميع متسببًا بقتل أعداد كبيرة من الأبرياء». ويستطرد: «أكثر القصص إيلامًا هي التي تروي فقدان الأحبة مثل المذبحة التي نفذها (داعش) بحق أيزيديي سنجار حيث فقد الناجون جميع أفراد عائلاتهم.. ولا تزال عالقة في ذهني صور مؤلمة مثل أم تحتضن جثة رضيعها».



- الحياة تحت سلطة «داعش»



تحتوي صفحات كتاب هول على وصف دقيق للحياة اليومية في المناطق الرازحة تحت سلطة «داعش». إذ يكتب الصحافي البريطاني من قلب الحدث «الحياة في عاصمة التنظيم - الرقة - مستمرة.. آلاف المجندون يجوبون في شوارع المدينة ودوريات شرطة الآداب لا ترحم أية حارة ولا محل ولا مواطن. الفعاليات اليومية في الرقة تتضمن قطع الرؤوس والقتل رجمًا بالحجارة وتحريمًا كاملاً للموسيقى والفن والرفاهيات مهما كانت». وتحت نظام مستبد يفرضه «داعش»، يصبح حيز التمرد ضيقًا. إلى ذلك، يضيف هول: «عند تحرير تل أبيض على أيدي (ميليشيات) الأكراد أخيرًا، تراكض أبناء البلدة في الشوارع وهم يدخنون السجائر احتفالاً بفرار التنظيم الذي حظر التبغ ومنع عنهم كل شيء تقريبًا». ويتابع: «بعض المواطنين داخل الرقة يتحلون بشجاعة عظيمة إذ حاولوا نشر (صور عن) حياتهم العصيبة وظروفهم المريرة على الإنترنت، لكن التنظيم لا يخاف، بل يتباهى، بعرض دمويته على العالم».

ومعلوم أن «داعش» ينشر في سياق دعايته صورًا وأفلاما عن فظائعه كأداة للتجنيد، ولديه فريق إعلامي متكامل. وهنا، يلفت الكتاب الانتباه إلى القوانين الصارمة التي وضعها التنظيم لإعلامييه ومنها أداء قسم الولاء لزعيمه أبو بكر البغدادي، وتدقيق عملهم من قبل المكاتب الرئيسة مع احتمال محاسبة الصحافي عند اتهامه بانتهاك الخطوط الحمراء والقواعد.



- المجندون والتنظيم «الطبقي»



لم يحتكَّ الصحافي البريطاني هول مع عناصر «داعش» أثناء وجوده في العراق وسوريا، بيد أنه قابل عناصر سابقين كانوا قد التحقوا بالتنظيم المتطرف واستطاعوا الفرار منه لاحقًا. ويكشف هول عن حالة التوتر الجمة التي كانت تتملكه أثناء توجهه لبناية مهجورة أو زقاق مظلم للالتقاء بهم مع مخاوف أن يكون اللقاء المدبر مجرد كمين نصبه التنظيم لاختطافه. وحول روايات مجندي «داعش» السابقين يقول هول إنهم سردوا له «فظائع التنظيم وأعماله الدامية على أيدي عناصره السفاحين المتعطشين لسفك الدماء». وحول أسباب التحاقهم، يشير الصحافي إلى أن «كثيرين منهم وجدوا في التنظيم فرصة لمجابهة أنظمة مذهبية اعتبروها ظالمة كنظامي الأسد والمالكي سابقًا»، وأردف: «كانوا ينضمون إلى (داعش) مبدئيا بعد خسارتهم أحباءهم، وإيمانًا منهم بأن التنظيم سيواجه النظام، ولكن سرعان ما تتضح لهم حقيقته فينشقون عنه».

يشرح هول في كتابه الفوارق ما بين مجندي «داعش» المحليين والعناصر الذين يلتحقون بالتنظيم من الغرب - أوروبا على وجه الخصوص. ويصف الصحافي المجندين الأجانب بأنهم الأكثر دموية لأنهم التحقوا بالتنظيم عن طريق غسيل الدماغ الإلكتروني. ويوضح هول هذا النقطة بقوله: «الأجانب هم الأكثر توحشًا لأنهم غير مرتبطين بالمنطقة (العربية)، وليست لديهم علاقات مع أهل القرى هناك، بل التحقوا بالتنظيم جراء إحباطهم إذ يكون البعض منهم سجناء سابقين أو قطاعي طرق. ومن ثَم، يتحول ذلك الإحباط إلى تمرد عن طريق التجنيد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي يجيد التنظيم استخدامها لترويج دعايته».

ويروي الكتاب عن التنظيم أنه لا يثق بالمقاتلين الأجانب بمقدار الثقة التي يمنحها للمجندين الآخرين. وحول هذا الجانب يكتب هول: «المجندون الغربيون الذين يلتحقون بـ(داعش) تكون معرفتهم بالإسلام ضئيلة عمومًا، ولذا يسلمهم التنظيم مهمات وضيعة وأشغالا بعيدة عن ساحة القتال». ويضيف: «لذلك، فإنهم يسأمون ويشعرون أنهم مواطنون درجة ثانية ويندمون لالتحاقهم في الأصل».

غير أن هذا الواقع «الطبقي» لا ينطبق على المقاتلين الشيشان، إذ تبلور هذا التميز مع التحاق أبو عمر الشيشاني، المقاتل الشيشاني وأحد زعماء جيش المهاجرين والأنصار، بـ«داعش»، ليصبح جيشه امتدادا للتنظيم ويحتل الشيشاني منصبًا قياديًا فيه. ويوضح هول السبب بقوله: «الشيشان خاضوا تاريخيًا حربًا ضروسًا ضد الروس، مما جعلهم مقاتلين أشداء ومخططين عسكريين بارعين». ويضيف: «التفرقة لا تنطبق عليهم بل يستفيد (داعش) من حنكتهم وغياب انتمائهم للمنطقة في معاركه الدائرة التي تؤدي إلى مقتل المدنيين».



- تركيا و«داعش».. الحدود والنفط



بالنسبة إلى تركيا، يقول هول في كتابه إن الأسد والأكراد يشكلون تهديدًا أكبر على مصالح البلاد وسيادتها من خطر «داعش». هذه الجملة سلط الضوء عليها بنجامين هول في كتابه، وكررها خلال الحوار معه. وبحسب الكتاب فإن الحدود التركية - السورية هي حبل نجاة التنظيم وضمان لحيويته. إذ ينقل هول عن عنصر سابق في «داعش» قوله إن «الحدود ليست مشكلة لنا، وتركيا لا تشكل عائقًا علينا أيضا». ووفقا لمشاهدات الصحافي البريطاني من قلب الحدث، يتحرك عناصر «داعش» بسهولة بين سوريا وتركيا، ويدخلون إلى أنطاكية أحيانا لتناول وجبة «كباب» تركية أو لتلقي العلاج بأحد مشافي المدينة. إلى ذلك، يعلل هول التراخي التركي إزاء «داعش» بقوله: «من الصعب التمييز بين مقاتلي (داعش) وعناصر مقاتلة من فصائل المعارضة كأحرار الشام أو جبهة النصرة». ويضيف: «لا نستطيع الجزم بأن تركيا تدعم التنظيم بشكل مباشر، لكننا رأينا صورا التقطت على الحدود التركية - السورية لحرس الحدود التركي وعناصر من (داعش) وهم يتشاركون أطراف الحديث ويختلطون في بلدة عين العرب (كوباني)».

الحدود التركية - السورية شاسعة ومن الصعب التحكم بها ومراقبتها، غير أنه بمقدور تركيا أن تفعل المزيد لتأمينها، حسبما يشرح الكتاب. وهنا يقول هول إن «التنظيم كان لتركيا في بادئ الأمر بمثابة أداة للتخلص من بشار الأسد، ولم تتوقع أن يغدو (داعش) لاحقًا بهذه القوة». ويستطرد: «لقد لاحظت أنقرة أخيرًا أن عليها أخذ دور أكثر فعالية في النزاع السوري، وحقًا نشهد مقترحات لتأمين الحدود وعزلها».

ولكن حتى إذا جرى تأمين الحدود في محاولة للحد من تجنيد «داعش» وتجفيف مصادر دخله، تظل المسألة الأكثر إلحاحًا مسألة النفط الذي يجني منه التنظيم الكم الأكبر من أمواله. هنا يقول هول إنه «أمر معلوم ثبت (لنا) من خلال الحديث مع مجندين فروا من التنظيم، ومن خلال صور التقطها الأقمار الصناعية لشاحنات تغادر المصافي الواقعة تحت سيطرة (داعش) متوجهة إلى معاقل النظام. إن جماعة الأسد تشتري النفط الذي يكرره التنظيم المتطرف».

ويتابع هول قائلا: «ما بعد الحدود السورية، هناك سوق نفط سوداء، إذ إن ظاهرة تهريب النفط موجودة قبل ظهور (داعش) وقبل اندلاع النزاع السوري». ويشير إلى مشاهداته في سوريا، فيروي إذ رأى في بعض المدن التي يجري شحن النفط منها كميات النفط، وهي تضخ عبر الحدود وتعبأ في براميل سرعان تختفي بالسوق السوداء في تركيا، بحسب قوله.



- نظرة مستقبلية



وفق الكتاب ومؤلفه، أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش» ليس أعلى قوة في التنظيم المتطرف، فهو يخضع لنظام بيرقراطي وتصدر قوانين إدارة التنظيم من سلطة أعلى منه، تحت اسم مجلس الشورى.

كتاب «داعش من الداخل» يشير إلى أن هناك نحو 10 قيادات في المجلس انتقاهم البغدادي بنفسه أثناء احتجازه في معتقل بوكا بالعراق بعد الغزو الأميركي. كذلك يشير الكتاب إلى أن «داعش» بات كيانًا منظمًا مع تحديد سلسلة خلفاء للبغدادي في حال سقوطه ومنهم أبو مسلم التركماني وأبو علي الأنباري. وبالتالي، مع توسع التنظيم وازدياد نفوذه على الأرض، تصعب مهمة القضاء عليه.

أخيرًا، ماذا عن الحلول المطروحة إذن؟ يجيب هول: «علينا انتظار تحركات تركيا وما إذا كانت ستنجح في تطبيق حظر جوي. كذلك علينا تقييم انتصارات الأكراد على «داعش» وتقييم العوامل الأخرى التي تساعد على بقاء التنظيم، مثل استمرار دعم إيران للأسد. ويضيف مستطردًا: «على الغرب ألا يكف عن محاولة إيجاد حل للنزاع بدءًا بإزالة الأسد في سوريا وإعطاء صلاحيات للعشائر السنية في العراق».

وبحسب الكاتب الذي عايش الواقع على الأرض «في حال لم نتحرك في الوقت المناسب، قد تستمر الحرب إلى مرحلة تتدهور فيها الأمور وتصل إلى أدنى قاع بينما يستمر وجود تنظيم متطرف ودموي اسمه (داعش)»


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>