«دليل إلى ما وراء الذاكرة والذاكرة»

01-07-2015 02:21 PM - عدد القراءات : 13882
كتب خالد عزب
صدرت عن «جامعة الملك سعود» الترجمة العربيّة لكتاب «دليل إلى ما وراء الذاكرة والذاكرة» Handbook of Meta- Memory & Memory،
«دليل إلى ما وراء الذاكرة والذاكرة»

صدرت عن «جامعة الملك سعود» الترجمة العربيّة لكتاب «دليل إلى ما وراء الذاكرة والذاكرة» Handbook of Meta- Memory & Memory، الذي وضعه يوهان دونلوسكي وروبرت بجورك، وصدر عن دار النشر «بسايكولوجي برس» العالميّة (2008). وأنجز الترجمة د. سلطان العويضه ود. أحمد الغرابية، ووضع له مقدّمة وافية د. ناصر محارب الذي رأى أن الكتاب هو استكشاف لإشكاليّة العقل التي استحوذت على حيّز كبير من تفكير الفلاسفة الغربيين. وأشار محارب إلى أن إحدى أهم الملاحظات التي شغلت أولئك الفلاسفة في تلك الإشكاليّة، هي قدرة الفرد على أن يعرف الكثير عمّا يحدث حوله، وأن يراقب نفسه خلال عملية التعرّف نفسها أيضاً.

وفي الوقت الحاضر، تعرف تلك الظاهرة بـ «ما وراء الاستعراف». وتحظى باهتمام عدد كبير من الباحثين الذين يعملون في مجموعة كبيرة من العلوم. ووجدت تلك الظاهرة ضالتها في المنظور الاستعرافي للظواهر النفسيّة، بعد أن كانت المقاربات السابقة لها مقيّدة بجوانب القصور في المنهجين الاستقرائي والسلوكي، قبل أن تضعف هيمنتهما على البحوث النفسيّة.

ويقصد بـ «ما وراء الاستعراف» قدرة الفرد على مراقبة تفكيره والتحكّم فيه. وتشمل جوانب عدّة، منها ما وراء الذاكرة (وهو موضوع الكتاب) التي تتمثّل في قدرة الإنسان على تغيير سلوكه بما يجعله قادراً على تحقيق ما يصبو إليه. ووفق تلك الميزة، يعمل الفرد على تقويم أفكاره وتحسينها، ما يعني أنه يمارس وظيفة تنفيذيّة، بفضل «ما وراء الاستعراف».

وكذلك يمكن تعريف ما وراء الذاكرة (الوعي بالذاكرة) بأنها المعلومات التي يملكها الفرد عن قدرات ذاكرته، والاستراتيجيّات التي تساعد في تطويرها، إضافة إلى العمليات المرتبطة بالمراقبة الذاتيّة للذاكرة.

وتشير نتائج دراسات عدّة إلى أنّ سوء تقدير كفاءة الذاكرة ربما يؤدي إلى ضعف أداء الفرد في حياته اليومية، وهو أمر يلاحَظْ بدرجات متفاوتة على كثير من الناس العاديين، ويبرز أيضاً لدى المصابين باضطرابات الذاكرة في أنواعها المختلفة.

كذلك بيّنت دراسات عن ما وراء الذاكرة أن من يعانون من ضعف التحصيل الدراسي وبعض الاضطرابات النفسية (كالفصام والوسواس القهري)، يفتقرون إلى وجود استراتيجيّات لتحسين الذاكرة، أو أنّهم لا يستطيعون تطبيق تلك الاستراتيجيّات التي تعتبر من الوظائف الأساسيّة لما وراء الذاكرة.

ووفقاً لذلك، يؤدّي فهم ما وراء الذاكرة إلى تعميق الفهم لدور العوامل الاستعرافيّة في حياة الأصحاء، وسلوك الذين يتعرّضون للاضطرابات النفسية، الأمر الذي ربما يساعد في تحسين حياة الأصحّاء وتطوير العلاج والإرشاد النفسي. (الأمر الأخير هو مجال تخصّص د. سلطان بن موسى العويضة). وتشمل تلك المقاربة إعداد برامج تدريبيّة تهدف إلى تطوير الوعي بالذاكرة لدى من يعانون اضطرابات نفسيّة.

 

شراكة العقل والجسد

استطراداً، تشي أفكار كتاب «دليل إلى الذاكرة وما وراءها» بمسألة أخرى لا تقلّ أهميّة عما سبق، تتمثّل في شراكة العقل والجسد اللذين يستحيل فصلهما عن بعضهما بعضاً عند السعي لتحقيق فهم واسع للعلاقة التكامليّة في ثنائيّة الذاكرة وما وراءها.

واضطلع هذا الكتاب بتلك المسألة عبر التركيز على علم الأعصاب المتعلّق بما وراء المعرفة، ومسار الترابط بين عمليات ما وراء الذاكرة ودماغ الإنسان، وعلاقة أحكام التعلّم والشعور بالمعرفة وغيرها بالمخ، ونظام مراقبة الدوائر العصبيّة في الدماغ لجميع العمليات المرتبطة بالذاكرة وما وراءها.

ولا يقتصر الكتاب على ذلك، بل يذهب إلى موضوعات أخرى حظيت باهتمام المؤلفين، وهي لا تقل أهمية وجاذبية عن سابقاتها، كمراقبة الذاكرة، والوصول المتميّز للمعلومات، والحدس ما وراء المعرفي، وعلاقة ما وراء المعرفة مع التعلّم والمدارس.

وكذلك تناول المؤلفان التأثير السلبي لبعض العقاقير النفسيّة على الدماغ، وتالياً في عمليات ما وراء الذاكرة، بل قرعا ناقوس الخطر حيالها ووجّها تنبيهاً إلى جميع العاملين في مجال العلاج النفسي مفاده أن بعض الأدوية الشائعة في علاج القلق والأرق وتشنّج العضلات، ربما ساهم في توهين الذاكرة.

واستطراداً، لفت الكاتبان إلى أن ثنائيّة الذاكرة وما وراءها ربما مثّلت أحد أبرز الموضوعات في بحوث علم النفس المعاصر، في أصوله الأساسية وفروعه المُكمّلة على حدّ سواء.

وباختصار، من المستطاع اعتبار الكتاب مادة علميّة ثريّة تسدّ حاجة ماسة في المكتبة العربيّة في مسألة الذاكرة وما وراءها، خصوصاً أن مؤلّفيه متمرّسان في ذلك المجال.

وشارك في إعداد الكتاب كوكبة من خبراء علم النفس من تخصّصات متنوعة، وهم جاؤوا من جامعات ودول مختلفة ما أعطى موضوعاته شموليّة في الطرح تلامس بسهولة آفاقاً عالميّة.

وللتوضيح، يجدر القول إن الدافع الرئيس لوضع الكتاب تمثّل في الوفاء للعالم توماس نيلسون الذي كان رائداً في مجال الظاهرة الثنائيّة للذاكرة وما وراءها. وعند رحيله المفاجئ نسبيّاً في 2005، التقى تلامذته وزملاؤه في ندوة لمناقشة الطريقة التي أثّر بها نيلسون في أعمالهم. وأشار مؤلّفا الكتاب إلى أنه من الممكن اعتبار تلك الندوة العلميّة نقطة البداية في وضع الكتاب احتفاءً بذلك العالم.

واستطراداً، أشار المترجمان إلى أن اختيارهما للكتاب استند إلى إدراكهما أهميته للمكتبة العربيّة وأملهما بفائدته للباحثين وأساتذة علم النفس وطلاّب الدراسات العليا والمرحلة الجامعيّة في المنطقة العربيّة.

 

 

* كاتب مصري




© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>