الانترنت ومنظمة الايكان

10-02-2015 02:43 PM - عدد القراءات : 1339
كتب باهر عصمت* مدير العلاقات الاقليمية لمنظمة الايكان في الشرق الاوسط
شهد النصف الثاني من القرن العشرين تطوراً مزهلاً في مجالي الإلكترونيات والاتصالات كان من نتائجه استخدام الهواتف الثابتة ومن بعدها الهواتف المحمولة وكذلك أجهزة الحاسب الشخصي،
الانترنت ومنظمة الايكان

مقدمة:

شهد النصف الثاني من القرن العشرين تطوراً مزهلاً في مجالي الإلكترونيات والاتصالات كان من نتائجه استخدام الهواتف الثابتة ومن بعدها الهواتف المحمولة وكذلك أجهزة الحاسب الشخصي، وما تبع ذلك من تطور سريع في النظم  والتطبيقات وكذلك الخدمات التي أصبحت متاحة للبلايين على سطح الكرة الأرضية. وشهدت ستينات القرن الماضي مولد فكرة اتصال أجهزة الحاسب ببعضها البعض من خلال »شبكة« تستخدم تكنولوجيا مختلفة عن تلك المستخدمة في أنظمة الهاتف. وهذه الفكرة تحديداً تبنتها وكالة الأبحاث المتطورة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، ونتج عنها أول شبكة حاسبات في التاريخ والمعروفة باسم أربانت. وكما هو معروف فإن أربانت هي النواة الأساسية للشبكة العالمية المعروفة باسم الإنترنت والتي يتجاوز عدد مستخدميها الآن 1,7 بليون مستخدم. ووفقاً لكلام من ساهموا في بناء وتطوير أربانت أنه لم يكن يخطر  ببالهم على الإطلاق أثناء قيامهم بعملهم في أواخر الستينات وفترة السبعينات من القرن الماضي أنهم يضعون البذرة الأولى لشبكة معلومات ستصبح يوماً ما حديث العالم. كان كل ما يفكر فيه هؤلاء الباحثون هو بناء شبكة معلومات تستخدم لأغراض البحث العلمي وإجراء عمليات حسابية معقدة تحتاج لحاسب آلي أو أكثر قد يتعذر وجودها في مكان البحث ولكن يمكن الوصول إليها واستخدامها من خلال الشبكة. وإذا كنا نتحدث اليوم عن الإنترنت على أنها من أهم اختراعات البشرية في القرن العشرين فلا بد أيضاً من الإشارة ولو سريعاً إلى حقيقة أن الإنترنت ما كان لها أن تحقق هذا الانتشار الواسع إن لم يكن هناك اختراعات وابتكارات أخرى قد ساعدتها على ذلك. فعلى سبيل المثال، يعتبر جهاز الحاسب الشخصي الذي قدمته شركة آي بي إم في أوائل الثمانينات واحد من أهم هذه الاختراعات، حيث تطور بعد ذلك  ليصبح في متناول يد الكثيرين الذين تسنى لهم بواسطته الدخول على الإنترنت واستخدامها. ومن الصعب طبعاً تصور انتشار الإنترنت بالشكل الذي حدث خلال العقدين الأخيرين بينما أجهزة الحاسب مازالت بنفس الحجم والتكلفة التي كانت عليهما من أربعة عقود مضت. ما أود أن أوجزه من خلال هذه المقدمة السريعة هو أن الإنترنت بالشكل التي هي عليه اليوم، بالانتشار الواسع الذي حققته والتأثير الكبير الذي أحدثته في شتى مناحي الحياة لم تأت نتيجة لجهد فردي خطط له شخص أو جهة ما، وإنما هي نتاج أكثر من عمل وتتويج لمجهودات عديدة ومتنوعة قامت بها مجموعات من الباحثين ومن ورائهم مؤسسات توفر الموارد اللازمة لدعم الأفكار وتحفيز الابتكار والسعي لإنجاز أعمال قد تقود إلى تقدم البشرية.‏

 

الخصائص الأساسية للشبكة:‏

             مع بداية السبعينات شرع فريق من الباحثين في وكالة الأبحاث المتطورة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكي في تحديث نظام الاتصال أو الـ »بروتوكول« كما  يطلق عليه في مجال شبكات الحاسب، شرع هذا الفريق بتطوير البروتوكول الذي كانت تعمل به أربانت في سنواتها الأولى. وكان أحد الأهداف الرئيسية لعملية التطوير هذه هو الوصول إلى تصميم يسمح للشبكات المختلفة أياً كان نوع بنيتها التحتية أو الوسيط الذي تستخدمه للاتصال؛ أن تتصل هذه الشبكات ببعضها البعض دون الحاجة إلى إدخال أي تعديل عليها. وتعتبر هذه الخاصية والمعروفة باسم » التصميم المفتوح للشبكة« واحدة من الخصائص الرئيسية لبروتوكولات الإنترنت والتي أدت فيما بعد أن تصبح الإنترنت هي »شبكة الشبكات« حيث يمكن لأي شبكة أن تربط عليها. كانت واحدة من الخصائص الفنية الأخرى التي اهتم بها فريق العمل المعني بتطوير البروتوكول هي ألا تكون الشبكة مركزية، أي ألا تكون هناك أي نقاط مركزية تتحكم في عملية ربط الأجهزة المختلفة على الشبكة أو فيما ترسله من بيانات، على عكس شبكة الهاتف مثلاً والتي تعتمد على نظام سنترال يتصل المشتركون من خلاله. عني كذلك فريق أربانت على الالتزام بالمعايير المفتوحة وتوثيقها من خلال المستندات المعروفة بـ »طلب للتعليق« والتي تولى فريق عمل هندسة الإنترنت إصدارها فيما بعد. الميزة الرئيسية لاعتماد بروتوكولات الإنترنت على معايير مفتوحة أنها تمكن أي شخص أو جهة من تطوير أي تطبيق وإتاحته للاستخدام على الشبكة، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات كالبريد الإلكتروني ونقل الملفات وغيرها من التطبيقات التي ظهرت في وقت مبكر على أربانت، وأيضاً ظهرت فيما بعد آلاف التطبيقات والخدمات على شبكة الإنترنت. ‏

وحتى بداية الثمانينات كان الاتصال بين الحاسبات المتصلة على الشبكة يتم من خلال عناوين مكونة من أرقام، لكل حاسب رقم فريد يعرفه ويميزه عن غيره من الحاسبات. وكان كل حاسب لديه ملف بالعناوين (الأرقام) الخاصة  بالحاسبات الأخرى لكي يتمكن من الاتصال معها. وكانت عملية تحديث هذا الملف تتم بطريقة بدائية من خلال تنزيله من أحد الخوادم المعرفة على الشبكة. ومع زيادة عدد الحاسبات المتصلة بالشبكة، تنبه الفنيون إلى أن نظام العناوين القائم وطريقة تحديثه قد يقف عائقاً أمام نمو الشبكة، نظراً لاعتماده على ملف وحيد يتحتم وجوده على أي جهاز يريد الربط على الشبكة، فشرعوا بتطوير نظام جديد يعتمد ليس فقط على الأرقام وإنما أيضاً على الأسماء، ويعتمد كذلك على الامركزية في التشغيل. هذا النظام هو المعروف باسم نظام أسماء النطاقات ومستخدم على الإنترنت منذ منتصف الثمانينات حتى يومنا هذا. ‏


 

:بدايات الإنترنت التجارية

كما رأينا فإن فترة السبعينات والثمانينات تمثل مرحلة البناء في عمر الإنترنت، فهي الفترة التي عمل فيها الفنيون على تصميم وتطوير البروتوكولات والأنظمة اللازمة لعمل الشبكة، وابتكار عدد محدود من التطبيقات التي قد تكون مفيدة للباحثين في استخداماتهم للشبكة. كانت مرحلة فيها الكثير من البحث والتطوير والقليل من السياسة والأعمال،  فلم تكن معالم الشبكة قد اتضحت بعد ليتنبه لها السياسيون وأصحاب المال. ولكن ثمة شيئين مهمين حدثا خلال الثمانينات وكان لهما بالغ الأثر في تغيير شكل الإنترنت خلال فترة التسعينات وما بعدها. الشيئ الأول كان تطوير نظام أسماء النطاقات في النصف الأول من الثمانينات، وهو النظام الذي يمكن مستخدم الإنترنت من كتابة عنوان موقع إلكتروني والوصول إليه أو بعث رسالة بريد إلكتروني إلى مستخدم آخر على الشبكة. نظام أسماء النطاقات خرج بالإنترنت من حيز العناوين القائمة على الأرقام إلى نطاق أوسع وأكثر ديناميكية يعتمد على الأحرف اللاتينية لكتابة العناوين المختلفة، وبالتالي أصبح للعنوان دلالة لغوية فقد يرمز العنوان لاسم شخص أو شركة أو دولة، أو قد يكون له معنى مفهوم للبعض وغير مفهوم للبعض الآخر، أو قد يكون للعنوان معنى مسيئ بالنسبة لبعض المجتمعات أو الثقافات. بالإضافة لذلك فقد خلق نظام أسماء النطاقات مجالات جديدة للأعمال وفرص كثيرة للإبداع، حيث شرع الكثيرين خلال النصف الأول من التسعينات في تسجيل عناوين على الإنترنت ففتح ذلك الطريق أمام البعض لجني المال من وراء تلك التسجيلات، بينما انزعج البعض الآخر من أصحاب العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية خوفاً على حقوقهم من الضياع في ظل عالم جديد لا تحكمه أية قواعد أو قوانين. هكذا كان نظام أسماء النطاقات في بداياته الأولى ينذر بالمزيد من التحديات التي لم تبدأ في الظهور على السطح إلا في النصف الثاني من التسعينات وإن تنبأ بها البعض قبل ذلك بسنوات. الحدث الآخر الذي غير مسار الإنترنت كان قرب نهاية الثمانينات وتحديداً سنة 1989 عندما قام أحد الباحثين في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية  المعروفة اختصاراً باسم سرن، ومقرها مدينة جنيف بسويسرا باختراع تطبيق الـ ورلد وايد ويب لتسهيل تبادل المعلومات بين الباحثين في المراكز والجامعات حول العالم. وكما بدأت الإنترنت أو أربانت كشبكة للباحثين والمتخصصين، جاء تطبيق الـ ورلد وايد ويب لتسهيل عملية تبادل المعلومات بين هؤلاء الباحثين، لكن ما حققه هذا التطبيق للإنترنت وما بني عليه من تطبيقات أخرى وخدمات فاق بكثير ما كان يدور بأذهان من طوروه في آواخر الثمانينات. ‏

وفي منتصف التسعينات بات واضحاً لأولئك الذين شاركوا في بناء وتطوير أربانت على مدار أكثر من عشرين عاماً، والذين عملوا على إدارة البنية التحتية لهذه الشبكة بأجهزتها وأرقامها وأسمائها قبل أن يبدأ أصحاب الأعمال الدخول إلى هذا العالم الجديد المليئ بالفرص، بات واضحاً لهم أن ما يجري على الإنترنت من تطور سريع وما يمكن أن يكون لهذا التطور من تأثير على شتى مناحي الحياة، قد يستدعي مراجعة بعض آليات العمل التي استمرت لسنوات طويلة على أربانت. هذه الآليات قد تكون غير ملائمة للإنترنت نظراً للشكل التجاري الجديد للشبكة سواء على مستوى تطوير وتقديم الخدمات، أو ابتكار نماذج أعمال جديدة، أو مجال تسجيل الأسماء وعلاقته المباشرة بالعلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية، وكلها آفاق جديد سيكون للقطاع الخاص فيها دور الريادة، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الإنترنت لا تعترف بالحدود الجغرافية وبالتالي فإن تأثيرها لا بد أنه سيمتد عبر الدول والنظم التشريعية المختلفة، وهو أمر وإن كان مألوفاً في الواقع نظراً لوجود قواعد وأطر تشريعية تنظمه، فإنه يبدو جديداً تماماً في ظل عالم افتراضي شيده الباحثون والفنيون في معزل عن أهل السياسة وأصحاب الأعمال. ‏

 

هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (الآيكان):‏

عناوين الإنترنت من الأرقام والأسماء هي بمثابة الدليل الذي يمكن المستخدم من الوصول من نقطة إلى أخرى على الشبكة. وأحياناً يطلق على نظام الأسماء والأرقام نظام المعرفات الفريدة للدلالة على أن العنوان على الإنترنت سواء كان من خلال اسم نطاق ورقم آي بي أو من خلال رقم آي بي فقط فإنه لابد أن يكون فريداً فلا يتخذ حاسبان على الإنترنت نفس العنوان. وقبل ظهور الأسماء في عناوين الإنترنت كانت عملية تخصيص الأرقام للحاسبات المتصلة على الشبكة تتم من خلال بعض الأكاديميين الذين أوكلت لهم هذه المهمة، ومع بدء العمل بنظام الأسماء في منتصف الثمانينات قام هؤلاء الأكاديميون بتشغيل النظام وصيانته وكذلك بعمليات التسجيل قبل أن يبدأ القطاع الخاص الدخول في هذا المجال في النصف الأول من التسعينات.‏

ومع بداية النصف الثاني من التسعينات كانت بوادر التغيير في عملية إدارة الأسماء والأرقام تلوح في الأفق، فإنترنت التسعينات ليست هي أربانت السبعينات والثمانينات. وكان دخول القطاع الخاص في مجال تسجيل الأسماء هو أحد العوامل التي استدعت التغيير في عمليات الإدارة، حيث زاد الإقبال على تسجيل الأسماء خاصةً تحت النطاق الأعلى .كوم، ونتج عن ذلك منازعات لها علاقة بالعلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية، في ظل غياب أي آلية لفض النزاعات. كذلك كان هناك احتكار في تسجيل النطاقات تحت .كوم، .نت، و.أورج من قبل شركة وحيدة هي نتوورك سولوشنس التي كانت قد حصلت من الحكومة الأمريكية على عقد يمكنها من تسجيل أسماء تحت النطاقات الثلاثة مقابل عائد مادي. فكان من الطبيعي أن يطالب آخرون بنفس الفرصة التي حصلت عليها نتوورك سولوشنس إما من خلال السماح لهم بتسجيل وبيع أسماء تحت النطاقات العليا المتاحة، أو من خلال استحداث نطاقات عليا جديدة، والهدف في الحالتين هو خلق بيئة تنافسية تمكن أصحاب الأعمال من الابتكار وتقديم ما هو أفضل، مع إتاحة فرص الاختيار أمام المستخدم النهائي.‏

هنا بدأت بعض المجموعات بالتفكير في آلية جديدة لإدارة أسماء النطاقات، من شأنها أن تؤدي إلى استحداث أسماء عليا جديدة، والسماح للقطاع الخاص بإدارة هذه الأسماء وعمليات التسجيل تحتها. وكانت جمعية الإنترنت العالمية قد تبنت اقتراحاً بهذا الخصوص في أواخر عام 1996 إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ. وفي عام 1997 شرعت الحكومة الأمريكية بتوجيهات من الرئيس الأمريكي آنذاك باستطلاع رأي العامة لوضع استراتيجية متكاملة للتجارة الإلكترونية بما فيها عملية إدارة أسماء وأرقام الإنترنت. واستغرقت هذه العملية حوالي العام أو أكثر قليلاً وشارك فيها الكثيرين ممن ساهموا في بناء الإنترنت بالإضافة للقطاع الخاص وعدد محدود من الحكومات بالإضافة للحكومة الأمريكية. وانتهت هذه العملية بالموافقة على إنشاء كيان جديد من القطاع الخاص، لا يهدف للربح، ويكون مسئولاً عن إدارة أسماء النطاقات العليا وعناوين بروتوكول الإنترنت (الأرقام)، من خلال سياسات يتم تطويرها من قبل القاعدة العريضة من أصحاب المصلحة المشاركين، وصولاً إلى القمة حيث يتم اعتماد هذه السياسات من قبل مجلس إدارة منتخب. وشهد شهر أكتوبر 1998 مولد هذا الكيان الجديد والمسمى بهيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة،  أو  اختصاراً  الآيكان، ومقره ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية. 

تقوم الآيكان بتوزيع مجالات العناوين في بروتوكول الإنترنت وتخصيص معرفات البروتوكول وإدارة نظام سجلات المواقع العامة عالية المستوى (مثل ) وسجلات المواقع عالية المستوى لرمز الدولة (مثل ) كما أنها تضطلع بمسؤولية تنسيق إدارة نظام الخوادم الجذرية للإنترنت. وتلتزم الآيكان بالمحافظة على الاستقرار التشغيلي لشبكة الإنترنت وتعزيز روح المنافسة وتحقيق تمثيل واسع النطاق لمجتمعات الإنترنت العالمية، إضافة إلى سعيها لصياغة سياسات تلائم رسالتها من خلال عمليات تعتمد على استطلاع الآراء من القاعدة إلى القمة مروراً بجميع المستويات.‏

 

:كيف تعمل الآيكان

 تعمل الآيكان من خلال التعاون بين أصحاب المصلحة من الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والأفراد، حيث يشارك الجميع في عمليات تطوير السياسات الخاصة بالأسماء والأرقام من خلال عدد من المنظمات الداعمة واللجان الاستشارية كما هو موضح في الرسم أدناه. وتبدأ عمليات تطوير السياسات في الآيكان من القاعدة من خلال المنظمات الداعمة واللجان الاستشارية، وتمر بمراحل عديدة من المناقشات وإعداد التقارير ونشرها على موقع الآيكان لأخذ تعليقات العامة، ثم تعرض التقارير على مجلس الإدارة لمناقشتها وإبداء الرأي وطلب المزيد من المعلومات إذا احتاج الأمر، أو اعتماد السياسات وإحالتها إلى موظفي الآيكان للبدء في تنفيذها. وتستغرق عملية تطوير السياسات وقتاً ليس بالقصير، قد يصل في بعض الحالات إلى بضع سنوات

وذلك نظراً لتداخل وتشابك أسماء نطاقات الإنترنت مع العديد من قضايا السياسات العامة للإنترنت، وأيضاً بسبب طبيعة عمل الآيكان من خلال مجموعات مختلفة من أصحاب المصلحة الذين يمثلون قطاعات مختلفة من مجتمع الإنترنت العالمي، كلٌ له اتجاهاته وأولوياته. ‏


ويمثل مجلس إدارة الآيكان السلطة العليا لاتخاذ القرار. وباستثناء الرئيس التنفيذي للآيكان فإن بقية أعضاء مجلس الإدارة هم أعضاء منتخبين من قبل المنظمات الداعمة واللجان الاستشارية المختلفة، أو مختارين من قبل لجنة الترشيحات وهي لجنة مستقلة مشكلة من خبراء، دورها هو البحث المستمر عن أشخاص مؤهلين وعلى استعداد للتطوع والخدمة في مجلس إدارة الآيكان. وتجدر الإشارة أن جميع المشاركين في الآيكان من خلال اللجان والمنظمات المختلفة وكذلك أعضاء  مجلس الإدارة لا يتلقون أي مقابل مادي لعملهم. ‏

 

وكما ذكرنا سابقا فإن وظيفة الآيكان تنحصر في تخصيص نطاقات المستوى الأعلى سواء العامة أو الخاصة برموز الدول، وتنسيق إدارة الخوادم الجذرية، وكذلك توزيع مجالات العناوين في بروتوكولات الإنترنت، وتخصيص معرفات البروتوكولات. وفي كل من الوظائف الأربع لا تعمل الآيكان بمفردها وإنما من خلال التعاون والتنسيق مع العديد من المجموعات والمؤسسات الأخرى. فالسياسات الخاصة بأسماء نطاقات المستوى الأعلى العامة يتم وضعها من قبل المنظمة الداعمة لنطاقات المستوى الأعلى العامة، والسياسات الخاصة بأسماء نطاقات المستوى الأعلى لرمز الدولة يتم وضعها من قبل المنظمة الداعمة لنطاقات المستوى الأعلى لرمز الدولة وإن ظلت سياسات التسجيل تحت هذه النطاقات أمراً محلياً يضطلع به المشغل داخل الدولة نفسها. بالإضافة لذلك فإن تنسيق إدارة الخوادم الجذرية يتم من خلال أحد اللجان الاستشارية في الآيكان والمشكلة من أعضاء في المؤسسات التي تقوم بتشغيل هذه الخوادم. أما تخصيص معرفات البروتوكولات فتتم بالتعاون مع فريق عمل هندسة الإنترنت وهي الجهة المسئولة عن وضع المعايير للبروتوكولات والتطبيقات المختلفة للإنترنت. وتقوم الآيكان كذلك بالتعاون مع خمسة سجلات إقليمية بتوزيع مجالات عناوين بروتوكولات الإنترنت وهي الأرقام التي يحتاج إليها مشغلي الشبكات ومقدمي خدمات الإنترنت للقيام بأعمالهم. ويوجد سجل إقليمي للأرقام في كل منطقة من المناطق الجغرافية الخمس كما هو موضح بالرسم أعلاه، حيث تقوم السجلات الخمسة مجتمعة من خلال المنظمة الداعمة لعناوين البروتوكولات  بوضع سياسات التوزيع العالمية، بينما يضطلع كل سجل على حدى بوضع سياسات التوزيع داخل الإقليم الجغرافي التابع  له ومن خلال أعضائه داخل الإقليم. ‏

  

:أسماء النطاقات الدولية

اعتاد مستخدمو الإنترنت على قراءة وكتابة أسماء النطاقات بأحرف لاتينية نظراً لأن نظام أسماء النطاقات الذي تم تطويره منذ أكثر من ربع قرن لا يمكن له أن يفهم غير هذه الأحرف. لكن مع الزيادة المستمرة في عدد المستخدمين وخصوصاً في بلاد لا تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة أولى كالصين واليابان والهند وروسيا والبلاد العربية وغيرها، ظهرت الحاجة لتطوير النظام لكي يسمح باستخدام أحرف غير لاتينية، وكان الطلب للآيكان بالقيام بتطوير نظام الأسماء لكي يسهل على الملايين الذين تقف الأحرف اللاتينية عائقاً بينهم وبين استخدام الإنترنت. وعملت الآيكان على مدار السنوات الخمس الماضية بالتعاون مع جهات كثيرة كفريق عمل هندسة الإنترنت الذي عمل على تطوير بروتوكول لأسماء النطاقات الدولية، وكذلك شركات تطوير متصفحات الإنترنت والجهات المعنية بإدارة الخوادم الجذرية، وغيرها من الجهات، لوضع القواعد والسياسات الخاصة باستخدام أسماء النطاقات الدولية لنطاقات المستوى الأعلى. وعملت الآيكان على محورين متوازيين هما نطاقات المستوى الأعلى العامة،  ونطاقات المستوى الأعلى لرموز الدول، حيث تم إدخال المحور الأول ضمن برنامج استحداث نطاقات عامة جديدة على المستوى الأعلى الذى لم تنته الآيكان بعد من وضع الخطة النهائية لتنفيذه، بينما تم تنفيذ المحور الآخر كبرنامج منفصل حيث عملت الآيكان مع الحكومات من خلال لجنتهم الاستشارية وكذلك مع مشغلي نطاقات المستوى الأعلى لرمز الدولة من خلال منظمتهم الداعمة، وغيرهم من المشاركين، على وضع الآلية التي تستطيع من خلالها الدول الحصول على أسمائها بلغاتها الرسمية كنطاقات على المستوى الأعلى. وقام مجلس إدارة الآيكان في اجتماعه في أكتوبر 2009 باعتماد الخطة التنفيذية للمشروع، وقامت الآيكان بفتح الباب في منتصف نوفمبر 2009 لتلقي طلبات من الدول التي ترغب في الحصول على أسمائها. وتعكف الآيكان حالياً على تقييم وتنفيذ هذه الطلبات حيث تلقت حتى الآن 19 طلباً يمثلون 11 لغة مختلفة. وتجدر الإشارة أن جمهورية مصر العربية تقدمت بطلب للحصول على ».مصر« كنطاق مستوى أعلى باللغة العربية. ‏

 

:علاقة الآيكان بالحكومة الأمريكية

كما ذكرنا فإن نشأة الآيكان عام 1998 جاءت بعد عملية مشاورات قادتها الحكومة الأمريكية مع عدد من الحكومات وخبراء في مجال الإنترنت، بهدف وضع عملية إدارة أسماء النطاقات وأرقام الإنترنت في إطار مؤسسي يقوده القطاع الخاص. كانت هذه إشارة واضحة من الإدارة الأمريكية آنذاك أن الحكومة إن كانت قد لعبت دوراً مهماً في دعم بناء وتطور الإنترنت على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاماً فإنه قد آن الأوان للقطاع الخاص أن يلعب دوره ويقود مسيرة التطوير في هذه الشبكة التي بات واضحاً ما يمكن أن يكون لها من تأثير في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ولا بد هنا من الإشارة إلي أن نموذج الآيكان في حد ذاته كان جديداً حيث أنه لا يعتمد على النموذج التقليدي للهيئة التي تلعب دور المنظم والتي بدورها تقوم بوضع السياسات من القمة وعلى الجميع (القاعدة) أن ينفذ، بينما يعتمد نموذج الآيكان بالأساس على مبدأ هام وهو أن عملية تطوير السياسة تبدأ من القاعدة (جموع المشاركين) وتنتهي عند القمة (مجلس الإدارة وهو سلطة اتخاذ القرار)، ويشارك فيها جميع أصحاب المصلحة من قطاع خاص وحكومات ومجتمع أهلي وأكاديميين وأفراد. ولما كان النموذج جديداً في ذلك الوقت كان من المنطقي أن تكون هناك فترة اختبار يبدأ فيها العمل وفي نفس الوقت يكون هناك مراقبة لما يتم إحرازه من تقدم وتقييم لما يتم إنجازه من نتائج. وعليه فقد قامت الآيكان عند تأسيسها بتوقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التجارة الأمريكية، تم تضمينها الأهداف التي من أجلها أنشأت والأولويات التي ستعمل عليها في مرحلتها الأولى، وكانت المدة الزمنية المحددة لمذكرة التفاهم الأولى سنتين مع إمكانية إدخال تعديلات عليها قبل انتهاء المدة إذا ما اتفق الطرفان على ذلك، وإمكانية تجديدها باتفاق الطرفين أيضاً.و طبقاً لمذكرة التفاهم الأولى، كانت إحدى أولويات هذه المرحلة بالنسبة للآيكان هو خلق وتشجيع المنافسة في مجال تسجيل الأسماء تحت النطاقات العليا العامة. وبالفعل قامت الآيكان بوضع  آلية لاعتماد الشركات التي ترغب في العمل في هذا المجال، وكذلك تطوير السياسات لاستحداث أسماء نطاقات عامة جديدة. ‏‏

وخلال العامين الأولين من عمر الآيكان كان هناك العديد من الصعاب والتحديات، سواء من الناحية المالية حيث لم تتلق الهيئة أي تمويل من الحكومة الأمريكية فالهدف من البداية كان أن ترفع الحكومة يدها، أو حتى من الناحية التشغيلية نظراً لثقل المهمة الملقاة على عاتقها. ولم يكن ما تم إنجازه في العامين الأولين بالقليل، فلقد قامت الآيكان بإنهاء الاحتكار الذي كان سائداً في تسجيل النطاقات وفتحت الباب أمام من يرغب من الشركات في دخول هذا المجال، وقامت كذلك بفتح الباب لتلقي طلبات الحصول على نطاقات عامة جديدة على المستوى الأعلى لتشجيع المنافسة وإعطاء المستخدم النهائي مزيد من فرص الاختيار. في نفس الوقت شرعت الآيكان بالتعاون مع مجتمع الإنترنت بالبدء في تشكيل المنظمات الداعمة واللجان الاستشارية من ضمنها اللجنة الاستشارية للحكومات. ومع ذلك فقد بقي الكثير على أجندة الآيكان ولم يكن من المتوقع إنجاز كل شيئ خلال العامين الأولين، خاصةً أن المطلوب ليس فقط إنجاز المهام وإنما أيضاً التقييم المستمر للنتائج والعمل على مراجعة الآليات وتحسينها. وجاء تجديد مذكرة التفاهم للمرة الأولى سنة 2000 مع إدخال بعض التعديلات عليها، وكان التجديد لمدة عام ثم توالت التجديدات عاماً بعد عام إلى أن جددت مرة أخرى عام 2003 لمدة ثلاثة أعوام.‏

ولابد من التوقف عند هذه الفترة قليلاً لسببين. السبب الأول هو أحداث سبتمبر 2001 التي كان لها بالغ الأثر في السياسة الأمريكية الخارجية والنهج الذي انتهجته الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب ثم غزوها للعراق. وبالرغم من أن الآيكان ليست لها علاقة مباشرة بذلك، ولكن لكونها هيئة أمريكية تقوم بوظيفة حيوية لضمان استمرار عمل واستقرار الإنترنت، فقد تصور البعض أن الآيكان ما هي إلا واحدة من إدارات الحكومة الأمريكية وتحول سخط البعض تجاه السياسات الأمريكية إلى سخط على الآيكان نفسها والدور الذي تقوم به. في نفس الوقت كان من الصعب في ظل السياسات الأمريكية في ذلك الوقت وتزايد الإحساس أن الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال مهددة، وأن الإنترنت قد تكون هي أحد مصادر التهديد بل وأحد الأهداف في نفس الوقت، كان من الصعب تصور أن تقوم الحكومة الأمريكية في هذا التوقيت بالذات بإنهاء العلاقة الورقية بينها وبين الآيكان، وهو رأي إن كان من الصعب إثباته بالدليل يبقى أقرب إلى الواقع العملى القابل للتصديق. السبب الثاني الذي دعاني للتوقف عند هذه الفترة هو أحداث القمة العالمية لمجتمع المعلومات والتي جاءت على مرحلتين: المرحلة الأولى من 2001 إلى 2003 في جنيف، والمرحلة الثانية من 2003 إلى 2005 في تونس. فقد استدعت قمة المعلومات قضية حوكمة الإنترنت حيث أثير الموضوع خلال المرحلة الأولى للقمة وكان التركيز منصباً حول الآيكان والدور الذي تلعبه ومدى أحقيتها كهيئة أمريكية مقرها ولاية كاليفورنيا  في أن تلعب هذا الدور. ثم انتقلت المرحلة الثانية من القمة لمناقشة الجوانب المختلفة من قضية حوكمة الإنترنت كالتأمين والتنوع الثقافي والخصوصية والأمور التنموية وإن بقي التركيز حول الآيكان ودورها. وأنا لن أتطرق هنا لتفاصيل ما جرى خلال قمة المعلومات حول قضايا الحوكمة، لكني فقط أريد أن أبرز أمرين مهمين من خلال متابعتي القريبة ومشاركتي في النقاش حول حوكمة الإنترنت خصوصاً في المرحلة الثانية للقمة. الأمر الأول الذي كان جلياً هو التفاوت الكبير في الرؤى بين أصحاب المصلحة المختلفين ودرجة استيعابهم للدور الذي تقوم به الآيكان وعلاقة هذا الدور وتأثيره على تشغيل الإنترنت. الأمر الثاني هو أن قضية حوكمة الإنترنت هي قضية سياسية بالدرجة الأولى، فمهما حاول الفنيون أن يشرحوا كيف تعمل الإنترنت ووظيفة الآيكان فيها، يظل السياسيون عند رأيهم أن ما تقوم به الآيكان يندرج تحت مسمى قضايا السياسات العامة التي هي حق أصيل للحكومات أن تكون صاحبة الكلمة فيها. ‏

وبغض النظر عما انتهت إليه قمة المعلومات بشأن قضايا الحوكمة، فقد كان أحد الدروس المستفادة بالنسبة للآيكان هو ضرورة العمل على توسيع نطاق المشاركة ليشمل جميع أصحاب المصلحة من جميع أنحاء العالم خاصةً الدول النامية، وتعزيز التعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية لتوضيح الدور الذي تقوم به الآيكان ودعوتهم للمشاركة في عمليات تطوير السياسات. من ناحية أخرى بذلت الآيكان جهداً خارقاً مع المجتمع الدولي والحكومة الأمريكية لإنهاء الحالة المستمرة من مذكرات التفاهم بينها وبين الحكومة الأمريكية. ففي عام 2006 وبعد مشاورات طويلة اتفق الطرفان على توقيع ما عرف آنذاك باسم اتفاقية الشراكة التي أقرت فيها الحكومة الأمريكية النجاح الذي حققته الآيكان على مدار ثمان سنوات، وتعهدت فيه الآيكان بمسئوليتها تجاه مجتمع الإنترنت العالمي وتحسين آليات المشاركة في عملياتها مع الالتزام بالشفافية خلال جميع مراحل تطوير السياسة. كانت اتفاقية الشراكة عام 2006 بمثابة الخطوة الأولى نحو بداية مرحلة جديدة سمتها الاعتراف بنجاح نموذج الآيكان. ثم جاءت الخطوة الثانية في سبتمبر 2009 بتوقيع اتفاق طويل الأمد تحت مسمى تأكيد الالتزامات حيث أقر الطرفان – الحكومة الأمريكية والآيكان - بانتهاء المرحلة الانتقالية من عملية التنسيق الفني لأسماء وأرقام الإنترنت، وبالتأكيد على نجاح نموذج الآيكان الذي يشارك فيه جميع أصحاب المصلحة في وضع سياسات تخصيص وتوزيع نطاقات وعناوين بروتوكولات الإنترنت. وتعد وثيقة تأكيد الالتزامات بمثابة البداية الحقيقية لمرحلة جديدة من عمر الآيكان، مرحلة تعطي مزيداً من المسؤولية لمجتمع الآيكان للقيام بدوره في الرقابة على الآيكان ومراجعة العمليات التي تضطلع بها الهيئة والقرارات التي تتخذها. ‏

وتبقى كلمة أخيرة، أن الإنترنت التي بناها الفنيون بواسطة المعايير المفتوحة، والتي تطورت عبر الزمن لتصبح منبراً متاحاً للجميع للابتكار والإبداع والمشاركة الإيجابية، تستحق من القائمين على تشغيلها وتطوير سياسات إدارتها أن يحافظوا على سلامتها واستقرارها، وأن تظل وسيلة فعالة لتمكين الأفراد والمجتمعات، لا أن تكون بنداً على مائدة المفاوضات بين الدول وحكوماتها. ‏

                

التخلي الامريكي عن منظمة "الايانا"و فرص التحول الى التعددية في ادارة الانترنت

  



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>