المقالات -
الكارثة التكنولوجية التي لم تحدث

: 477
الجمعة,19 ابريل 2019 - 12:35 م
ستيفن كارتر

يبدو الأمر مضحكاً. لم تحدث أي كوارث بسبب الكومبيوترات خلال عطلة نهاية الأسبوع. يذكر أنه قبيل حلول منتصف ليلة السبت، 6 أبريل (نيسان)، بوقت قصير، نفدت مساحة التخزين في الساعة الرسمية الخاصة بنظام التموضع العالمي «جي بي إس» ولم يعد بإمكانها حساب مزيد من الأسابيع. وعليه،

الكارثة التكنولوجية التي لم تحدث
اضغط للتكبير
عادت الساعة إلى «الأسبوع الأول». وظهرت مبالغات كثيرة في تداعيات هذا الإجراء، وقارن البعض بين هذا الوضع وما أطلق عليه من قبل «خطأ الألفية». وحذر البعض من أن «هناك احتمالات أن تصاب أجهزة (جي بي إس) بخبل»! ومع هذا، عندما قدت سيارتي صباح الأحد، عمل جهاز الـ«جي بي إس» على نحو جيد تماماً.
ومثلما ذكر آفي ناتر في «بلومبرغ نيوز»، فإن «العالم كما عهدناه لم ينتهِ». بالفعل، ظل العالم كما هو، ما عدا شيئاً واحداً أصابه الخبل؛ آلة الشائعات عبر الإنترنت.
بداية من الأحد، عجّت المنتديات الإلكترونية بشائعات حول أن بعض طائرات «بوينغ 777» منعت من الطيران بسبب عودة الساعة العالمية إلى «الأسبوع الأول». وظهرت شائعات مشابهة حول طائرات «بوينغ 787»، في تغريدة نشرت في حساب «هيئة مراجعة الطيران الصينية»، الذي يبدو أنه دون موقع إلكتروني تكميلي. بعد ذلك، التقط بعض المدونين التغريدة وشرعوا في الترويج لها باعتبارها حقيقة.
ومع هذا، ليس هناك أي دليل آخر على حدوث ذلك. بالنظر إلى الوضع الخطير الذي تعانيه «بوينغ»، فإن منع مثل هذا العدد الكبير من الطائرات من الطيران كان سيثير حمى من العناوين الإخبارية الرئيسية بمختلف أرجاء العالم، وهذا لم يحدث.
أما الجانب الأكثر إثارة في الأمر برمته، فيكمن في السبب وراء مثل هذا الاستعداد الكبير لتصديق قصص وجود كارثة تكنولوجية وشيكة. ويبدو الأمر أشبه بانتشار كثير من الشائعات حول أن الدكتور فرانكنشتاين يعكف على محاولة بثّ الروح في وحشه المبتكر، بينما يقف الناس على أهبة الاستعداد لتصديق أن هذا الوحش المزعوم يقف خلف الباب مباشرة على استعداد لإطلاق صافرات الإنذار والتهام الكومبيوترات.
من ناحية أخرى، لا يعبر مصطلح «تكنوفوبيا» بدقة عن هذه الظاهرة. عندما نعتقد في الأشخاص الذين يعانون خوفاً مرضياً تجاه التكنولوجيا، فإن الصورة التي تخطر على أذهاننا صورة شخص مثل أليشا كوروين، المسؤولة السابقة في البيت الأبيض، التي اضطلعت بدورها ببراعة فائقة الممثلة إليزابيث مارفيل في الموسم الأول من الدراما التلفزيونية «بيرسون أوف إنترست». كانت كوروين قد أصابها فزع بالغ من نشاطات المراقبة التي تنفذها الدولة. وقد وقفت كوروين على شفا الجنون، وانتقلت إلى غرين بانك، مدينة صغيرة تقع في ويست فيرجينيا لا توجد بها أبراج خدمة هاتف محمول، ولا يحبذ سكان المدينة الإنترنت اللاسلكي، وذلك كي تهرب من أجهزة الذكاء الصناعي التي كانت تعتقد أنها تراقب جميع تحركاتها.
ومع هذا، يبدو لي أن كوروين نسخة مبالغ فيها من غالبيتنا. وكلما تعمقنا أكثر في عالم مرتبط بعضه ببعض رقمياً، نواجه عجزاً متزايداً في السيطرة أو فهم التكنولوجيا المحيطة بنا.
على امتداد سنوات كثيرة، كنت أتولى تدريس دورة تدريبية مشهورة حول التنظيم القانوني للعلوم. وكنت أخبر الطلاب أنه خلال فترة شبابي، كان ما يزال يجري النظر إلى التكنولوجيا باعتبارها أمراً يمكنك تعلمه بصورة أو بأخرى. وكان الناس يتفاخرون بإصلاحهم سياراتهم أو اقتطاع جزء من جهاز تلفزيون لاستخدامه في إصلاح شيء آخر. وكانت التليفونات المنزلية، التي كانت مملوكة في معظمها لشركة «بيل سيستم»، مغطاة بملصقات تحظر على المستخدمين فتحها، لكن أحداً لم يتعامل مع هذا التحذير بجدية. في الحقيقة، لا تبدو التكنولوجيا مخيفة للغاية عندما تكون مدركاً لكيفية عملها.
أما اليوم، فنجد أن التكنولوجيا أصبحت مفيدة أكثر من أي وقت مضى، لكنها أصبحت متاحة على نحو أقل. واليوم، أصبحنا نتعامل مع فكرة أنه غير مسموح لنا بالاضطلاع بمهام بسيطة مثل استبدال بطارية هاتف ذكي، باعتبارها بديهية مسلماً بها. حتى بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على قدر جيد من المعرفة التكنولوجية، قليلون من يقدمون على إصلاح «هاردوير» داخل أجهزة «اللاب توب» الخاصة بهم.
ومن المحتمل للغاية أن يكون هذا العجز في فهم كيف تعمل الأشياء، سبباً وراء إثارة شعور بالعجز داخلنا، أكثر عن شعور بالفوبيا. يمكنك أن تطلق على الأمر خوفاً من التكنولوجيا؛ شعور بأن المرء يقف عاجزاً حال تعطل صور التكنولوجيا المحيطة به.
وأعتقد مع هذا الشعور بالخوف من التكنولوجيا، يأتي شعور آخر، يتمثل في شعور خفي بالسخط والكراهية، فنحن نقف عاجزين عن إصلاح أجهزة نستخدمها باستمرار، ولا نثق بأن من ابتكروا هذه الأجهزة لا يستغلونها في التجسس علينا، وعدد قليل منا على نحو متزايد يدرك كيف تعمل هذه الأجهزة. لذلك، لا عجب أننا منجذبون للغاية للثقافة الشعبية التي تغيب عنها التكنولوجيا المتقدمة أو يجري تصويرها كشرّ خالص.
في خضم كل ذلك، لا عجب أننا على استعداد لتصديق عناوين مخيفة حول قراصنة يخططون لقتلنا، من خلال السيطرة على سياراتنا الذكية ووقف عمل المكابح، أو سرقتنا عبر فتح الأقفال الذكية في أبواب منازلنا. الحقيقة أن مجرد تسليط بعض الخبراء الضوء على هذه الصور الممكنة من إساءة استخدام التكنولوجيا، فإن هذا لا يعني أنها على وشك الحدوث بالفعل. ومع هذا، تظل مثل هذه القصص تنتشر، وتتفاقم حالة الخوف.
وقد يحتج البعض بالإشارة إلى أن الأجهزة الذكية داخل منازلنا تتعرض بالفعل للاختطاف، على الأقل لا يجري تحديث كلمات المرور. هذا صحيح، لكن عادة ما يكون السبب ليس سعي البعض لغزو منازلنا، وإنما تمهيد الطريق أمام هجمات «بوت نت» ضخمة ضد مواقع أخرى. وللأسف، هذه مخاطرة لا يلتفت إليها كثيرون منا. كم منا ما زال يذكر هجوم «بوت نت» في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، الذي عاون فيه ما يطلق عليه «إنترنت الأشياء»؟ أو من منا يفكر في إمكانية استغلال قراصنة أجهزة «اللاب توب» الخاصة بنا في التربح من «بيتكوين»؟ ورغم أن هذا خطر قائم، فليس له مكان في المخاوف التكنولوجية الرئيسية التي يعانيها الناس.
خلاصة القول أن مخاوفنا هي ما تجعل القصص المرعبة مثيرة للاهتمام. أما التغيير الذي طرأ على «جي بي إس» فلم يشكل في حقيقة الأمر أي تهديد حقيقي على أي صعيد. كل الأمر أن مسؤولي الصحف سعوا بجد وراء الإثارة من خلال التظاهر بأن ثمة خطراً قد يتحقق.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ