المقالات -
غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت تحول المعلومات إلى منجم ذهب

: 1022
الاحد,8 اكتوبر 2017 - 07:29 م
محمود القصاص

أحكمت 5 شركات أميركية عملاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات سيطرتها على حياة مئات الملايين من البشر بفضل استفادتها من شغفهم باستخدام كل أدوات التكنولوجيا الحديثة في كل تفاصيلهم اليومية، حيث تحول ما استقبلته محركات بحثها، عبر الإنترنت، من أسئلة واستفسارات إلى قواعد بيانات شخصية تعرف من خلالها اهتماماتهم ومشاغلهم وتستثمرها في تقديم خدماتها لهم.

غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت تحول المعلومات إلى منجم ذهب
اضغط للتكبير

تكفي إطلالة سريعة على القيمة السوقية لخمس شركات أميركية، تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، لأن يشعر المرء بالدهشة، إذ بلغت قيمة هذه الشركات، وهي فيسبوك وأمازون وأبل ومايكروسوفت وألفابيت (الشركة التي تمتلك غوغل)، مجتمعة نحو ثلاثة تريليون دولار، وهذا يعني أنها من أنجح الشركات وأكثرها قيمة في تاريخ البشرية.

وعلاوة على هذه القيمة السوقية الهائلة، فإن الزيادة المستمرة في استثمارات هذه الشركات تعني أنها على الطريق للمزيد من النمو والتوسع.

توظيف المعلومات يحقق أرباحا

أنفقت على سبيل المثال شركات مايكروسوفت وأمازون وغوغل في عام 2016 مبلغ 32 مليار دولار على التوسعات الرأسمالية، والتي تشمل شراء أصول جديدة وشراء مؤسسات أخرى، وذلك بزيادة تبلغ نحو 22 بالمئة عن العام السابق حسب ما أوردت صحيفة وول ستريت الأميركية.

وما يلفت النظر حقا في نجاح هذه الشركات ونموها الهائل والمستمر أنها لا تعمل في أي مجال تقليدي من المجالات الاقتصادية التي حققت، ولا تزال تحقق، لمن يعمل فيها أرباحا واسعة، مثل صناعة النفط والغاز أو صناعة البنوك أو الاستثمار في العقارات، بل تمكنت هذه الشركات من خلق خدمات وسلع جديدة، كلها تقوم بشكل أو بآخر على المعلومات وكيفية الاستفادة منها، وسيطرت على أسواق المعلومات، وحولتها إلى منجم ذهب.

الخدمات التي تقدمها شركات التكنولوجيا أصبحت الآن جزءا أساسيا من حياة الملايين من البشر

وعلى سبيل المثال يمكن للمستخدم من خلال محرك البحث غوغل أن يعرف ما يريده من معلومات عن سلعة بعينها، ويمكنه أن يشارك معارفه وأصدقاءه ما عرفه عن هذه السلعة من خلال صفحته على فيسبوك، ثم يشتريها إن أراد من خلال موقع شركة أمازون، ثم ينقل كل ما حدث عبر الآيفون الذي تنتجه شركة أبل.

ولم تكن كل هذه الخدمات، التي تقدمها شركات غوغل وفيسبوك وأمازون وأبل للمستخدمين، موجودة أصلا منذ سنوات قلائل، ولكنها أصبحت الآن جزءا أساسيا من حياة الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم، خاصة الفئات الأصغر عمرا، بحيث لا يمكن لهؤلاء تخيل الحياة الآن دون وجود الهاتف المحمول، أو دون استخدام تطبيقات برامج مايكروسوفت، أو دون الدخول إلى صفحاتهم على فيسبوك.

ولعل اللافت أيضا في قصة نجاح هذه الشركات أنها تقوم على تقديم خدمة “مجانية”، كما يبدو للوهلة الأولى، لمستخدميها. فمن يستفيد من محرك البحث غوغل، أو صفحات الفيسبوك، أو يقوم بالشراء من خلال موقع أمازون لا يدفع شيئا مقابل هذه الخدمات، ولكن في حقيقة الأمر يقدم مستخدمو هذه الخدمات سيلا هائلا من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها وتحويلها إلى أرباح واسعة.

واستخدمت هذه الشركات في البداية ما لديها من معلومات لتقديم قاعدة بيانات عن مستخدميها. وعلى سبيل المثال استطاعت شركات تكنولوجيا المعلومات أن تقدم لشركات إنتاج الأغذية أو الملابس أو السيارات أو غيرها، معلومات عن تفضيلات المستخدمين وميولهم حسب العمر والجنس والمنطقة وغير ذلك.

وتطور الأمر بعد ذلك مع اتساع شركات تكنولوجيا المعلومات، وأصبحت تستفيد مما لديها من قاعدة معلومات هائلة عن الملايين من الأشخاص في جذب المعلنين إليها.

ويمكن لأي شخص مثلا أن يذهب لشركة فيسبوك ويطلب الإعلان عن سلعة معينة بحيث يصل الإعلان إلى مدن بعينها وإلى فئة عمرية محددة وفي توقيت محدد.

نظرة عن قرب لما يريده المستخدم

وباستطاعته أيضا التوسع في حجم الجمهور الذي يمكن أن يصل إليه الإعلان عبر صفحات فيسبوك حسب ما لديه من ميزانية، إذ لا يصل كل إعلان إلى كل مستخدمي فيسبوك، بل إلى قطاع منهم، حسب المكان والتوقيت والعمر وغير ذلك من المؤشرات التي يتم الاتفاق عليها مع المعلن. بل أصبح من الشائع الآن أن يتم البحث عن فندق مثلا في بلد ما، ثم يفاجَأ من قام بالبحث بتدفق الإعلانات عليه عن الفنادق في هذا البلد لأن قواعد البيانات أوضحت أنه مهتم بذلك.

وواصلت شركات تكنولوجيا المعلومات تطورها لما هو أبعد من ذلك، وهو استخدام قواعد البيانات الهائلة التي تمتلكها في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل الشخصية أو اقتراح خدمات معينة، وهو مجال جديد نسبيا، ويمكن أن يتطور بشكل لا يدرك أهميته الكثيرون في الوقت الراهن، لكن شركات تكنولوجيا المعلومات أدركت أهميته منذ وقت مبكر وبدأت في الاستفادة مما فيه من تطورات يمكن بدورها أن تدر أرباحا إضافية لهذه الشركات.

ونتيجة ضخامة ما لدى هذه الشركات من معلومات، ومن قدرة على توظيفها، أصبحت في وضع شبه احتكاري في السوق الأميركية. والحصيلة أن تقريبا كل النمو في عائدات الإعلانات عبر الإنترنت في السوق الأميركية في عام 2016 كان من نصيب شركتي فيسبوك وغوغل، وذلك حسب الأرقام التي أوردتها مجلة الأيكونوميست البريطانية. أما شركة أمازون، فتم من خلال موقعها تقريبا شراء نصف المعروض عبر الإنترنت في السوق الأميركية في نفس العام، وهو إنجاز هائل بالنظر إلى ضخامة الاقتصاد الأميركي، الذي يمثل أكبر اقتصاد في العالم، وضخامة المعاملات في السوق الأميركية.

تحديات سياسية

غير أن الوضع شبه الاحتكاري الذي تتمتع به خمس شركات أميركية عملاقة تمكنت، بصورة أو بأخرى، من الهيمنة على سوق تكنولوجيا المعلومات وأصبحت تحظى بقدرات مالية هائلة، يجعل من الصعب منافستها، مما يثير مشكلات كثيرة لدى قوى اقتصادية أخرى ترفض هذه الهيمنة الأميركية، ومنها الاتحاد الأوروبي والصين.

ويتم حاليا الإعداد لقانون في ألمانيا يتيح لهيئة مكافحة الاحتكار التدخل لرفض سياسات شركة فيسبوك التي يمكن أن تخل بقواعد المنافسة العادلة. ومؤخرا بدأت هذه الهيئة التحقيق في سياسة الخصوصية التي تتبعها شركة فيسبوك لبحث ما إذا كانت تستخدم من قبل فيسبوك لإحكام سيطرتها عل سوق المعلومات ومنع أي منافسة حقيقية معها.

هدايا تستجيب للتطلعات

وسبق للاتحاد الأوروبي أن دخل في صراع طويل مع مايكروسوفت بسبب مشابه، وهو احتكار السوق بحيث لا تكون هناك قدرة لأي شركة أخرى على منافسة برامج مايكروسوفت بشكل عادل. وفي الصين يتم أيضا التجهيز لقانون يجبر الشركات العاملة في الصين على تخزين ما لديها من معلومات في قواعد بيانات داخل الصين. وكل هذه القوانين تعكس بوضوح رفض الاتحاد الأوروبي والصين الخضوع للهيمنة الأميركية على سوق تكنولوجيا المعلومات، ومحاولة البحث عن مخرج للتخلص من هذه الهيمنة.

وقود للنمو

هناك مشكلة أخرى سياسية داخل الولايات المتحدة نفسها، وهي المخاوف من استخدام شركات تكنولوجيا المعلومات، وما لديها من إمكانيات مالية وتكنولوجية، لصالح حزب أو مرشح بعينه، فعلى سبيل المثال لو أن المستخدم يتخيل أن شركة فيسبوك أو غوغل أعلنت أنها تدعم مرشحا معينا للكونغرس أو البيت الأبيض، وساندته بكل ما لديها من إمكانيات، فهل ستكون هذه منافسة سياسية عادلة؟ هل ستكون عملية التصويت والانتخاب نزيهة؟ 

بل لو تخيل المستخدم ترشح رئيس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، للرئاسة، واستخدم إمكانيات شركته العملاقة لدعم وصوله إلى البيت الأبيض، فهل سيكون السباق الرئاسي عادلا؟ هو بلا شك سؤال محير يدفع الكثير من الكتاب والباحثين في الولايات المتحدة إلى المطالبة بتنظيم عمل هذه الشركات لضمان الحد من قوتها السياسية والاقتصادية، بل ويطالب البعض بتقسيم كل شركة عملاقة منها لعدة شركات أصغر لضمان منافسة أفضل.

لكن في النهاية يبقى واقع الحال أن شركات تكنولوجيا المعلومات نجحت في أن تجعل المعلومات وقودا للنمو، ومصدرا هائلا للأرباح بشكل يشبه إلى حد كبير الدور الذي قام به النفط في حقب سابقة. ونجحت في تعزيز الهيمنة الأميركية على قطاع اقتصادي هائل، وعلى تفاصيل حياة الملايين من البشر. ويبقى الفارق الأساسي بين النفط والمعلومات أن النفط يمكن أن ينضب، لكن المعلومات تتزايد باستمرار، وتتسع معها المكاسب المالية والسياسية لمن يسيطر عليها.

كاتب مصري


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ