المقالات -
التكريم الإلكتروني

: 1695
الثلاثاء,11 يوليو 2017 - 02:32 م
وارد بدر السالم

الشعراء صاروا أكثر من الشعر وأمست الشاعرات على قفا مَن يشيل وصارت كتابة الرواية موضة للتباهي، فانهالت الشهادات التقديرية والدروع الإلكترونية التي لا تكلف سوى تصميم بسيط وشعار برّاق.

التكريم الإلكتروني
اضغط للتكبير

تكريم المثقفين والأدباء والعلماء تقليد ثقافي معمول به في كل أنحاء العالم، وهو تقليد قديم ربما خرج من أروقة السلاطين والخلفاء والأمراء والرؤساء، ليكون حافزاً للمُكرّمين ومحفزاً لغيرهم، وربما قد بدأ هذا النوع مع الشعراء المتكسبين الضالعين في المديح، ولم ينتهِ حتى اليوم، مع الأخذ بتطور الصيغة التكريمية والاحتفالية بمرور الوقت والزمن حتى وصلت إلى صيغة المسابقات والجوائز التي لا تخلو من بواطن سياسية في الكثير منها، وفي البال شواهد كثيرة وأمثلة أكثر قديماً وحديثاً على هذا التكريم الشعري والأدبي بشكل عام، ونظن أن القارئ يعرفها ويدرك آلياتها التكسبية على مر العصور.

ولا بأس أن نصل الى المسابقات والشهادات التقديرية والتكريم العام ليخرج الشعر من خانة التدليس والتكسب والإدانة أيضاً وتنضم السرود المختلفة إلى محافل الجوائز بوصفها العام من دون اتهامات مبطنة ولا ظاهرة سوى ما نظنه (أحياناً أو في الكثير من الأحيان) بأن الجوائز الأدبية هي جوائز مسيّسة ولها أهداف غير معلنة، بدءاً من جائزة نوبل الكبيرة ولا تنتهي عند جوائز الدول لا سيما بنسخها العربية المعروفة. وهي ظنون تتقاذفها موجّهات متعددة ليس من الصعوبة معرفتها.

إزاء هذا نحن نؤمن بتطور الحياة الثقافية وآلياتها المستحدثة في الإلكترونيات التي داهمتنا كثورة ثالثة بعد الثورتين الزراعية والصناعية، مثلما نؤمن بالتحديث على المستويات كلها، ولا نشك لحظة واحدة بأن العلم وتكنولوجيا الحداثة وما بعدها تؤمّن الكثير من الأنساق الحياتية في ميدانها الثقافي العام على وجه التحديد، وما وجود الإلكترونيات الحديثة بجمالياتها المتعددة إلا تتويج أولي لثقافات اجتماعية متعددة فتحت نوافذ كثيرة للإبداع والتواصل بسرعة البرق، وهو أمر يغنينا عن مشاق كثيرة وإرهاصات أكثر ويجعلنا نتطلع إلى هذه الثورة الجبارة بعين اليقين إلى المستقبل الأفضل، لكن كنا نشير في مناسبات مختلفة إلى سوء استخدام هذه المرافق الجدية وتشويه جوهرها من قبل الكثيرين الذين يتواصلون مع الآخرين بطرق مشبوهة أو غامضة لا سيما بعد انحسار قراءة الصحف والمجلات.

ويمكن هنا أن نشير إلى شيوع ظاهرة “تكريم” إلكترونية غريبة من نوعها وهي منح “شهادات تقديرية” و”جائزة الإبداع” و”درع الإبداع” من جهات مجهولة وأسماء غريبة لا رصيد إبداعي أو ثقافي لها ومن قبل مواقع مؤسَّسة حديثاً لا ندري مَن يقف وراءها، تقدم مثل هذه “التكريمات” بطريقة عشوائية إما عن طريق المسابقات الإلكترونية لبعض مَن لا يعرف المبتدأ من الخبر وإما عن اختيارات عشوائية لنساء وفتيات بوصفهنّ شاعرات لم يعرفن بعد حتى كتابة الخاطرة، والغالب أنهنّ يحصلن على مثل هذه الشهادات المجانية والدروع العملاقة إلكترونياً .

والغريب أيضاً أن بعضاً من الأدباء المعروفين نسبياً استمرأوا هذه اللعبة وتقبلوا مثل هذه الشهادات والدروع الوهمية من منتديات وتجمعات تدّعي الثقافة والآداب والعلوم.. لكن من دون رصيد ثقافي ولا علمي!

مؤكد أننا مع الأجيال الأدبية الناهضة التي تستشرف ملامح المتغيرات الجوهرية في النسق الاجتماعي العام وتدرك المهيمنات الجديدة التي ولدت وغيّرت الكثير من المفاهيم الفكرية والثقافية في الحياة العربية، لكننا نشير إلى الغامض من المحسوسات التي تطالنا يومياً وتطالعنا في فذلكات خالية من روح الإبداع والقيمة الإبداعية لتجمعات وهمية، وفي الأقل نعرف بعضها من تلك التي صارت فخاً لاصطياد الشابات الموهوبات، فصار الشعراء أكثر من الشعر وأمست الشاعرات على قفا مَن يشيل وصارت كتابة الرواية موضة للتباهي، فانهالت الشهادات التقديرية والدروع الإلكترونية التي لا تكلف سوى تصميم بسيط وشعار برّاق لمؤسسة أو منتدى أو جمعية وما إلى ذلك.

الدروع الإلكترونية لا تخلق شاعرات والشهادات الوهمية لا تصنع روائيين وقصاصين وشعراء ورحم الله ذلك الزمان الذي كان الشعراء يتكسبون به بأروع القصائد ..!

كاتب عراقي


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ