المقالات -
حجب المواقع الالكترونية بين الابعاد السياسية والامنية

: 4329
السبت,3 يونيو 2017 - 05:38 ص
د. عادل عبد الصادق *

غني عن القول ان الفضاء الالكتروني وما اتاحة من ادوات للرأي والتعبير قد وفر فرص لممارسة القوة الناعمة سواء تستخدمها الجماعات الارهابية بغية نشر الكراهية والعنف .

حجب المواقع الالكترونية بين الابعاد السياسية والامنية
اضغط للتكبير

و تستخدم تلك المنصات من قبل بعض من المعارضة السياسية الداخلية ،او عبر قيام دول خارجية ببث كم هائل من المعلومات والأخبار بغية التأثير على الاستقرار السياسي الداخلي .
ولكون هذا المجال الالكتروني مفتوح امام الجميع فتبقي القوة فيه للطرف القادر على توظيف قدراته المهارية في مجال الاعلام والأخبار والى جانب القدرة التمويلية الضخمة ،ولكن تبقي فرص التحصين والوقاية الذاتية ممكنه في معركة لم تعد قاصرة على دور الدولة بل معركة يكون المجتمع بكل فئاته شريكا فيها .
وما يزيد من وطأه تلك التأثيرات السلبية عجز الدولة والمجتمع معاً في تسويق سياساتها الداخلية والخارجية والدفاع عن قيمها المحلية وتحويل تلك الثورة المعلوماتية من تحدي الى فرصة لتعزيز المكانه الوطنية وتحصين الداخل من التعرض لمؤثرات سلبية خارجية ،وهو التحدي الذي انعكس على ردات فعل من جانب الدول في تبني سياسات حمائية قد تحمل ابعاد سياسية وأخري ذات ابعاد اقتصادية وأخرى ذات ابعاد أمنيةbr> وشمل ذلك حتى دول متقدمة "ديموقراطيا"على النحو الذي يكشف عن تحول قضية تنظيم الاعلام الالكتروني الى تحديا عالميا في مواجهة اخطار عابره للحدود.
وجاء ذلك بعد ان استغلت الجماعات المتطرفة الإعلام الالكتروني كمنصة إعلامية مجانية وسريعة الانتشار ورخيصة التكلفة إلى جانب قدرتها على التشبيك عبر تحول المجتمع الافتراضي الذي تمثله من مجموعة قليلة من الأتباع متوزعه جغرافيا لتشكل مجتمعا خاصًا بها لدية القدرة على الالتحام والتواصل الدائم،وهو الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع غير محدد الأبعاد وهو ما كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة تلك المجموعات وحجم انتشارها وتأثيرها.
ومن خلال متابعه حركة ونشاط الجماعات الارهابية فإنها لم تعد تهتم كثيرا بإطلاق مواقع الكترونية كما هو الحال في السابق،وذلك مع التطور الحاصل في التطبيقات الالكترونية والتي تحولت من منصات المواقع الالكترونية الى غرف الدردشة وجيل المنتديات ثم المدونات ثم جيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية ، ومثل ذلك تحدي في تعقب نشاط تلك المنظمات الارهابية
والتي اصبحت تدرك انه في حالة التعرض للحجب في حالة الموقع الالكترونية فإنها تنطلق في بث خطابها عبر منصات اخري بديلة كالشبكات الاجتماعية ،والتي تشكل لها درجة ما من الامان ورخص التكلفة وتوفير الفرصة لاختراق القاعدة الشبابية الكبري المستخدمة كهدف للتجنيد .
وفي حالة تعرضت حسابات تلك التنظيمات الى الحذف فانه سرعان ما تظهر في شكل جديد في معركة كر و فر مستمرة .
وهجرت الكثير من الجماعات الارهابية المواقع الالكترونية للمشاكل التي يمكن ان تلاحقها ، ولم يتوقف الامر حول ذلك بل اصبح لتلك الجماعات الارهابية برمجيات خاصة بها للتشفير ناهيك عن الحماية التي توفرها بشكل غير مباشر شركات التواصل الاجتماعي عبر خدمات التشفير والتي تصعب من امكانية التعقب والملاحقة والاختراق.
ناهيك عن ان اتجاه عدد من الدول الي تنظيم الاعلام الالكتروني دفع تلك التنظيمات الارهابية الى الهروب الى الانترنت العميق وهو الغير مرئي ويمثل بيئة حاضنة للتحالف بين تلك الجماعات الارهابية والاخري الاجرامية .
وتجدر الاشارة الى ان عدد من المنظمات الغربية المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات قدمت دعماٌ تقنيا وسياسياً لعدد من الجماعات الارهابية بدعوى انها تمثل حركات معارضة سياسية .
وهو التطور الذي ساهم في بروز القوة الالكترونية للجماعات الارهابية الى جانب الحصول على التدريب وكيفية تامين المراسلات الخاصة.
والحصول على اجهزة ستالايت تعمل عبر الاقمار الصناعية لصعوبة التعقب من قبل الاجهزة الامنية ، وهناك دعما معلوماتيا تقدمة اجهزة استخبارتية لها اما بغية السيطرة عليها وتحريكها او عبر المساهمة في تشكيل مستقبل المنطقة او بالعمل على تنفيذ اجندات خارجية. ،
ونمت القدرات الذاتية الالكترونية لتلك التنظيمات كذلك عبر انضمام عدد من المبرمجين ومهندسي الكمبيوتر كنوع من الدعم والذي لا يقتضي بالضرورة المشاركة الفعلية في ارض الميدان ، وهو ما يتيح الفرصة الى اتساع فرصة المشاركة العابرة للحدود .
ولعبت على سبيل المثال شبكات التواصل الاجتماعي دورا محوريا في تبلور ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصراعات المحلية سواء عبر توفير المعلومات حول كيفية المشاركة أو الدعم المادي للراغبين في الانضمام ، إلى جانب توثيق دورهم في تطورات الصراع وقت حدوثها
ويتم استخدام حسابات لشخصيات دينية - قد تكون مزيفه لإقناع المتابعين بالجهاد ، وهو ما يمثل دعم روحي وديني لتلك التنظيمات .
إلى جانب القدرة على سحب البساط من المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية وليظهر قادة دينين جدد لا ينتمون فكريا أو تعليميا بالضرورة مع المؤسسات القائمة بما جعل هذا الخطاب الديني يغلب علية الفردانية والميكافيلية والانتقامية والتعصب بحثا عن التأثير والانتشار فقط.
وبذلك فقد أتاحت البيئة الالكترونية أساليب جديدة وتكتيكات ساهمت في تعزيز القدرات الالكترونية للتنظيمات الارهايية وذلك بالاعتماد على عاملين أساسيين : أولهما، الاستفادة من الثورة التكنولوجية .وثانيهما: الغطاء الديني للاستخدام والذي يعمل على الامتزاج بين القوة المادية والقوة المعنوية الروحية والتي تشكل جناحين أساسيين لنجاح التنظيمات الارهابية في خطابها المتطرف.
ودفع ذلك العديد من الدول في القيام بتنفيذ سياسات حمائية ضد تلك الاخطار بغية محاصرتها ودحض خطابها المتطرف وقطع الصلة بين تلك الجماعات والدعم الخارجي المقدم من حلفاء لها عبر حصولها على دعم اعلامي و تقني و مالي .وتواكب ذلك مع الفعل العسكري التقليدي على الارض ضد تلك التنظيمات ومن يتعاطفون معها .
ولعل من اشهر تلك السياسات العمل على تنظيم هذا المجال الحيوي عبر تبني قوانين جديدة لمكافحة الجريمة الالكترونية والإرهاب وتنظيم عمل الصحافة الالكترونية والإعلام الالكتروني ، ممارسة الرقابة والتجسس على النشطاء عبر الانترنت او عبر تقديم طلبات للحصول على المعلومات الشخصية للنشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي والذين يتهمون بالضلوع في عمليات ارهابية او اجرامية ، او عبر الملاحقات الامنية للنشطاء وتعرضهم للاعتقال والمحاكمة.
ومن ضمن تلك السياسات القيام بعملية حجب للمواقع الالكترونية التي يمكن ان تشكل تهديد للأمن والاستقرار او تحض على الكراهية والعنف ، وتعد سياسة الحجب من الابرز استخداما لدى العديد من النظم السياسية .
وفي الاونه الاخيرة قامت مصر بحجب 21 موقعا الكترونيا والغريب ان القرار لم يشمل موقع "حزب الحرية والعدالة المحسوب على جماعه الاخوان المسلمين ، وشملت المجموعه المعرضة للحجب مواقع لصحف الكترونية وأخرى لقنوات فضائية وصحف الكترونية لها نسخ ورقية ومرخصة من المجلس الاعلي للصحافة السابق ، "المصريون والبورصة "، والمفارقة الاخرى على الرغم من صدور قانون بإلزام الحكومة بحجب المواقع الاباحية إلا ان السلطة التنفيذية لم تلتزم ولم تطبق القرار .
والملفت كذلك في قرار الحجب هو اتساع عدد المشمولين بالإضافة الى عدم وضوح الجهة المنفذه لعملية الحجب والى ارتباط ذلك بأزمة خارجية بين قطر ودول الخليج ، ويأتي القرار كذلك في ظل التحول الى اطر مؤسسية لتنظيم الاعلام والصحافة تتمثل في الهيئات المشكلة، والتي خولها القانون امكانية الحجب وفق استثناءات لحماية الامن القومي.
ومن ثم جاءت سرعة تنفيذ القرار متجاوزا دور الجهات المختصة بتنظيم الاعلام والصحافة والى تجاوز كذلك دور القضاء في الحكم بصلاحية الحجب من عدمه .
وبخاصة ان القرار لم يحجب مواقع رسمية ناطقة باسم حركات ارهابية اللهم إلا "تنظيم حسم "، والإخوان المسلمين "، ويكشف القرار كذلك عن تحول عملية الحجب من الصراع التقليدي بين النظام و "المعارضة" الى اداة لفرض عقوبات دولية على دول خارجية وهي قطر والتي اتخذت ضدها اجراءات شبيه في دول الخليج العربية .
ان نجاعة الحل الامني غالبا في مواجهة التهديدات الامنية يتطلب ان يأتي في اطار مجموعه نظم متكاملة ويحفز دور الدولة في المشاركة مع كافة مؤسسات المجتمع في المواجهة.
وبخاصة مع اشكالية الموازنة بين ما يعد تهديدا للامن القومي وما يعد انتهاكا لحرية الرأي والتعبير ، ناهيك ان محتوى المواقع يتم اعادة بثه عبر منصات اخري بديلة فضلا انه عملية الحجب قد تكون داخل الدولة فقط بينما ان كانت الاستضافة خارجية فان الموقع يعمل في الخارج دون تأثر ، وهناك انتشار برمجيات كسر الحجب والتي تساعد في الوصول اليها .

ان عملية الحجب قد تحمل معالجة اقصائية بمعني انه يتم استخدام "الحل الأخير وهو ما يكشف بشكل ما عن حالة العجز في استخدام ذات المنصات في نشر فكر اخر مضاد ، فضلا عن اشكالية تحديد طبيعة المحتوى الالكتروني وكونه يدخل في اطار التحريض او التمجيد للإرهاب ،او انه يعبر فقط عن وجهات نظر متعارضة سياسيا وفي اطار حرية الرأي والتعييرbr>وتتوقف سلطة الحجب في حالة ان كانت المواقع الالكترونية مستضافه من قبل خوادم شركات محلية بينما تكون غير فاعله في حالة الاستضافة من قبل شركات اجنبيه بالاضافة الى اشكالية تنفيذ الحجب في التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي والتي تملك فقط الشركات المشغلة سلطة الحذف اما بارادتها او بطلب من الدولة او بابلاغ من المشاركين.
ومن جهة اخرى تؤثر عملية الحجب في سرعة الانترنت والى التأثير في العمل البحثي والمعرفي والصحفي من خلال انقطاع قنوات معرفية كانت حتى مفيدة للأجهزة الامنية في معرفة توجهات القائمين ، وتؤثر عملية الحجب كذلك في ثقة رجال الاعمال والمستثمرين في الاقتصاد القومي والى هروب رؤوس اموال كانت تدفع لشركات محلية في استضافة المواقع الى الخارج . ومن جهة اخرى فان شرعية الحجب سواء اكان ذو طابع سياسي او ارهابي ستؤثر في الفاعلية للحجب لانه ببساطة من سيروج للمحتوى هم هؤلاء المستخدمين لتلك المنصات عبر اعادة نشر المحتوى عبر تخزينها في هواتفهم المحمولة واعادة بثها عبر منصات التواصل الاجتماعي وقنوات "اليوتوب"، وهو ما يحد من تأثير عملية الحجب على منع نشر المحتوى
وتبقي عملية التحرك لترشيد وتنظيم الاعلام الالكتروني مرتكزا على حقيقة ان دخول الانترنت بما حملة من تغييرات ثورية داخل المجتمع بكل مداها ومجالها كانت اسبق من ان يتم ملائم واستيعابها مؤسسيا وقانونيا وثقافيا داخل النظام السياسي والمجتمع المصري كذلك .
وواجهت معالجة امتداد حقوق الانسان بشكلها التقليدي المعهود الى طابع رقمي صعوبات تشريعية وقانونية اما لإدراك النظام السياسي لخطورة الاداة الجديدة فكان التعامل معها بكل حزم عبر سياسات قمعية كانت تلائم فترات سابقة ، او لعدم استعداد المجتمع المصري المحافظ ثقافيا ودينيا واجتماعيا على استيعاب تلك الحرية المفتوحة والتي ان تم اطلاقها دون ترشيد قد تكسر من شبكة العلاقات القائمة داخل طوائف المجتمع وتنويعاته السياسية والدينية .
او لان الدولة اصبحت في مرحلة تحاول بلورة موقف واضح من تلك الحقوق الجديدة قانونيا وسياسيا ومدى امكانية التعامل معها على اساس الوسائل التقليديه ، او اهمية الحاجة الى التعامل بشكل غير تقليدي مع تهديدات امنية غير تقليدية وتلاءم طبيعة التغير في المنصات والفاعلين والمحتوى .
.وفي ظل التزام الدولة بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع تأكيد الامم المتحدة في سابقة هي الأولي من نوعها على أن حقوق الانسان في العالم الرقمي يجب أن تكون محمية ومصانة بنفس القدر الذي تحمى به حقوق الانسان في العالم المادي .
وفي هذا الاطار عالج الدستور المصري لعام 2014 لأول مره قضيه الثورة المعلوماتية حيث نص في عدد من بنوده على الحفاظ على الحريات والضمانات للحقوق
،وفتح بذلك قوة دستورية لتبني قوانين تنظم هذا المجال الحيوي الجديد،وبخاصة فيما يتعلق بالإعلام الالكتروني والصحافة الالكترونية ،
ونصت المادة (70) من الدستور على حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتباريه عامة أو خاصة ، وتنص المادة (71) على حظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الاعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها بأى وجهه
. وأجازت بشكل استثنائى فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة.وعزز الدستور دور النيابة العامة والقضاء في معالجة ايه تجاوزات مقابل تحديد دور السلطة التنفيذية في ذلكbr> وفي هذا السياق سعت الدولة الى تبني عدد من القوانين ذات العلاقة المباشرة او غير المباشرة بتنظيم الاعلام الالكتروني والتي منها، تبني مسودة لقانون مكافحة الجريمة الالكترونية الى جانب سن قانون لمكافحة الارهاب والذي نصت المادة (29) على السجن المشدد وبمدة لا تقل عن 5 سنوات كل من «أنشأ أو استخدم موقعا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة فى شأن أى جريمة إرهابيه أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو المعلومات المتعلقة بأعمال أو تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية فى الداخل والخارجbr> وقصرت المادة(49) من ذات القانون إصدار قرار بوقف أو حجب المواقع المنصوص عليها فى المادة(29) على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة.
ومن ثم فان توافر الشرعية والمشروعية في ممارسة الدولة لعملية الحجب للمواقع تمثل اطارا ملائما لتكاتف الدولة والمجتمع في مواجهة تلك الاخطار ، وأهمية احترام الملكية الخاصة للمواقع الالكترونية ذات الطبيعة الاخبارية او السياسية ، وإتاحة الفرصة امام المتضرر من المواطنين في ممارسة حقهم فى اللجوء إلى القضاء لرد ما يعتبره عدواناً للسلطة التنفيذية عليهم وهو ما يقوي في النهاية من سيادة الدولة والقانون.
ويتحرك ذلك من حقيقة ان السياسات الامنية لم تقف حائلا امام تأثير الانترنت على المجتمع وعلى المؤسسات وعلى تطلعات الافراد نحو مجتمع اكثر تحررا وعدالة ، وفي ظل تدشين الجسور والتواصل بين الداخل والخارج بصورة سريعة ودائمة
. وبرز من هنا جدل بين تحدي ان يتم اسر الانترنت في قبضة الامن في غير صالح الديمقراطية وبين ان يتحول الى فرصة عبر ممارسه الدولة وظيفتها ودورها الطبيعي كمكانيزم وضابط اجتماعي لحركة التفاعلات ومعبرا عن قيمة وثقافته وهويته ، وبما يأتي في صالح الفرد والمجتمع والدولة .
فقد اثبتت التجربة ان السياسة الامنية تجاه اعتقال المدونين والنشطاء او حجب المواقع او التأثير على الخدمة او الاجراءات الامنية على مقاهي الانترنت ، او وضع قيود على شركات الاستضافة للمواقع ، لم تسفر بمفردها في احراز تقدم جدي بل يحتاج الامر الى ان تتم معالجة القضية في اطار مواجهه شاملة تشمل بعدا ثقافيا وامنيا وقانونيا وسياسيا واقتصاديا، وتحمل كافة الفاعلين المسئولية في المواجهة ، وهو ما يعزز من رغبة الدولة في تطبيق الحكومية الالكترونية وزيادة الثقة لدى المواطن .
ورغبة الدولة في دفع الاقتصاد المصري عبر النمو المتزايد في قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وبين تلك السياسات التي تراها حتى الشركات العاملة في ذلك القطاع معوقة للاستثمار ، وتحد من اتاحة الفرصة للتعبير عبر الانترنت بما يشكله من فرص لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد والتي تدعم الاستقرار السياسي.
وقد تعدى الانترنت كونه وسيلة اتصال ليصبح خدمة للمواطنين ومن ثم فان تقديم تلك الخدمة يرتبط برضاء المواطنين باعتبارها واجب من واجبات الدولة والحكومة،
ويجب ان تمارس الدولة وظيفتها كضابط للمجتمع ومعبرا عن هويته وثقافته ومحافظا على وحدته ففي تلك الحالة لا تلقي تلك الممارسات اي معارضة من الرأي العام ، باعتبارها تصب في مصلحة عامة ،فمواقع الارهاب والتطرف والعنف والجريمة عبر الانترنت اصبحت في حاجة الى ضبطها ومعالجتها ، ومن ثم فان الدولة بحاجة الى الموازنة بين ما يعد ماسا بقيم المجتمع وأمنه وبين ما قد ينظر الية البعض انه يحمل فقط بعدا سياسيا فقطbr> ويقى القول إن الإنترنت بأوجهه العديدة هو التجسيد الافضل للأفكار الديمقراطية ولحرية التعبير والاتصال المفتوح‏.‏ انها الساحة المفتوحة لعرض الأفكار التي لا تتماثل مع اي ساحة وجدت من قبل لسوء الحظ‏,‏ أن الحرية التي قدمتها الانترنت وتطبيقاته المتعددة حساسة للاستخدام السيئ من قبل دول وإفراد وجماعات هم انفسهم عادة ما يكونون اعداء لحرية الفكر والتعيير
لكن اذا ما حدث خوف من تأثير ما يتم عرضه علي الانترنت فإن اي رد فعل تجاهها سيدفع الي تقليص حرية الاستخدام وسيمثل ذلك نصرا لتلك الجماعات وغيرها وضربة للقيم الديمقراطية‏.
لقد استغل السياسيون الخوف من الارهاب في تمرير تشريعات تحد من الحقوق والحريات الفردية‏،‏ فاستخدام التقنيات المتقدمة لمراقبة وبحث وتتبع وتحليل الاتصالات يحمل معه اخطارا أخري ملازمهbr> فعلي الرغم من ان هذه التقنيات قد تكون مفيدة للغاية في تتبع تحركات ذلك التنظيم وجمع معلومات عنة إلا ان الحكومات والمؤسسات السلطوية‏,‏ تستغلها كأدوات تنتهك بها الحريات المدنية بالداخل والخارج وتقليص حرية تدفق المعلومات وتقيد حرية التعبير
لذا يجب أن يتم نشر المعلومات بشفافية وموضوعية حتي يتم عزل تلك الافكار المتطرفة ومنعها من تضخيم حجمها وحجم المؤيدين لها فالتقييد والرقابة علي الرغم من الحاجة اليها في بعض الحالات إلا ان ظرفية ومشروطية ذلك قد ترتبط بأهداف سياسية دون غيرها فالأمر يحتاج لتخيل واسع للتعرف علي الآثار طويلة المدى التي قد تكون صعبة ومدمرة للقيم الديمقراطية‏،‏ وتضيف ثمنا باهظا فيما يتعلق بتدمير الحريات المدنية بالقياس إلي الضريبة المرتفعة التي يتطلبها الإرهاب ذاته‏.‏
وتبقي حقيقة ان عملية التشريع في حقل الإعلام الإلكتروني من جانب الدوله يجب ان يركز على فكرة التنظيم وليس السيطرة ، وبخاصة ان الدولة لم تعد الفاعل الرئيسي،وهو ما يتطلب ان لا يتم الاسراف في العقوبات لان قوة العقوبة تتطلب قوة التنفيذ،وبخاصة ان القانون المحلي لا يتجاوز حدود الدولة، وهو لا ينطبق مع الية عمل المواقع والتطبيقات الالكترونية.ولكن تبقي هناك فرص لقيام الدولة بتنظيم الاعلام الالكتروني عبر، اولا ، العمل على تحديث اجهزة الدولة بشكل يجعلها تتعاطى مع المجال السيبراني عبر الوجود المباشر للوزارات والهيئات الحكومية عبر الانترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ثانيا سعى الدول الى تحديث البني التعليمية والثقافية للعمل على تحقيق مناعة وطنية لمواجهة التحديات التي يفرضها الاعلام الالكتروني.
ثالثا،ان تسعى الدولة الى ان تعمل على تحديث الاطر التشريعية الخاصة سواء المنظمة لمجال الاعلام والصحافة او المتعلقة بمكافحة الجريمة وتنظيم الحريات العامة .
رابعا،:هناك مدخل محلي يتعلق بان العمل على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها الشباب هي الكفيلة بمواجهة مخاطر التعرض للإعلام الإلكترونيbr> خامسا،ان التقدم في عملية تنظيم الاعلام التقليدي وترسيخ ميثاق الشرف والمهنية هي السبيل امام الحد من التأثيرات السلبية للإعلام الالكتروني
سادسا :تعزيز عملية الفصل بين ما يعد ممارسة لحرية الرأي والتعبير وما بين يعد تهديدا لقيم وامن المجتمع والدولة اي الموازنة بين الامن والحرية .
وأخيرا ،ان تعزيز الحماية من الاخطار وإتاحة الفرصة للتحكم والسيطرة وحماية الامن القومي تتطلب الاستثمار في التوطين التكنولوجي ونمو الابداع والابتكار وفق سياسة وطنية للنهضة العلمية.
* خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ