المقالات -
هل تؤثر الشبكات الاجتماعية في الهيبة والحصانة القضائية؟

: 4035
الاربعاء,8 فبراير 2017 - 11:54 ص
د.عادل عبد الصادق*
المصدر مجلة لغة العصر ،مؤسسة الاهرام ،عدد فبراير 2017

جاء قرار مجلس القضاء الأعلى في جلسته المنعقدة، يوم الاثنين 9 يناير ، "بحظر نشر أية أخبار تتعلق بشؤون القضاء على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي،وأيا كانت طبيعتها أو القائمين عليها.،والتأكيد على إن مخالفة الحظر سيترتب عليه توقيع الجزاءات التأديبية الواردة في قانون السلطة القضائية أو إخطار جهات التحقيق إذا لزم الأمر."

هل تؤثر الشبكات الاجتماعية في الهيبة والحصانة القضائية؟
اضغط للتكبير

 

ويكشف ذلك القرار عدد من التداعيات والتساؤلات حول فاعلية ومتطلبات تفعيل ذلك القرار ليس فقط في الوسط القضائي بل كذلك في الوسط الإعلامي وأوساط المستخدمين للشبكات الاجتماعية ، وطبيعة الحدود بين ما يعد داخلا في حرية الرأي والتعبير وبين ما يعد جريمة أو انتهاكا للخصوصية أو  أن  يدخل في اطار السب والقذف .بالاضافة الى كيفية الفصل بين أن يمارس مستخدمي الشبكات الاجتماعية دور رقابي على أداء السلطة القضائية وبين أن يتحول هذا الدور إلى أن يصبح تدخلا معوقا لعملها .

ويأتي ذلك بعد أن أصبحت الشبكات الاجتماعية تتناول شئون القضاء  و  لإضفاء المزيد من  حالة الجدل العام حولها ،و بظهور فوضى في  استخدام المنتسبين للقضاء  للشبكات الاجتماعية على نحو يضر بمهام عملهم ويعرض حياتهم للخطر ويسيء إلى السلطة القضائية   .

ويأتي ذلك أيضا مع زيادة عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية والانترنت والتحول الرقمي قي الأخبار على حساب النشر الورقي  ، وزيادة حجم تأثير الشبكات الاجتماعية في  المجتمع و تحولها كمصدر للأخبار  وكمادة خبرية للصحف الورقية والفضائيات وتهافت مقدمي ومعدي البرامج  الفضائية لمتابعه ما يحدث خلالها بغض النظر عن مصداقية تلك الأخبار مع سرعة مجال انتشارها .

وأصبحت الشبكات الاجتماعية تلعب دور في وضع أجندة الرأي العام وبغض النظر عن مدى أولوية تلك القضايا لدية، ومن ثم غلب على التناول لبعض تلك الأحداث الطابع الفرداني والأحادي والاقصائي في تناول وجهات النظر الاخري المتعارضة .

ولعل الأكثر خطورة هو تلك الأخبار التي تتعلق بمؤسسة القضاء والتي يكون من شأن عملية انتشارها زعزعه الثقة بينها وبين المجتمع، وبدون المراعاة في عملية تناول المعلومات مهارات التعامل المهني ولا تعبر عن امتلاك الحس الوطني في عملية توجيه الرأي العام.

وبخاصة في ظل عملية النقل بين  ما هو خاص إلى ما هو عام  وما هو اختصاصي  أو جهوي إلى تركة للمجال العام للنقاش والجدل بين غير المتخصصين وهو ما يعمل على المزيد من تشويه المعلومات واستنفاد الطاقات وخداع الرأي العام . وبخاصة إن تطبيق استخدام الشبكات الاجتماعية في المجال القضائي سواء على مستوى رصد الجرائم أو سير التحقيقات أو مراحل التقاضي أو إصدار الأحكام أو فتح المجال للتعليق عليها قد اضر بالسلطة القضائية وبخاصة مع صعوبة نشر حيثيات الأحكام أو الوثائق إلى العلن لما تحمله من أضرار للقضية ذاتها وفاتحة للضغوط على الجهاز القضائي ،وتعلقها ايضا بأضرار أمنية تتعلق بسلامة رجال القضاء في ظل حالة الحرب على الإرهاب ومحاكمات الجماعات التكفيرية  .

ويأتي ذلك إلى جانب عشوائية  تحول مستخدم الشبكات الاجتماعية إلى "قاضي محتمل" ومن مصدري الأحكام دون روية مع سهولة فبركة المعلومات والصور والوثائق بل وقيام المتهمين في القضايا بشن حملات غسيل السمعة أو يشن حملات إعلامية مدفوعة للتأثير على توجهات الرأي العام بشأن قضية ما.

 أو عن طريق قيام الفرد دون دراية بالإضرار بسير التحقيقات عن طريق نشر فيديوهات أو وثائق على شبكات التواصل الاجتماعي.

 وحتى إن عملية حصر حالات انتهاك حظر النشر في قضايا بعينها يصعب إن يتم السيطرة عليها عبر الشبكات الاجتماعية بما يعطيها زخما اكبر من الصحف الورقية أو القنوات الفضائية .

وفي الواقع انه يجب أن يتم التفسير على عدة مستويات تتعلق بهذا الأمر يتعلق الأول منها بانخراط عدد من القضاة في استخدام الشبكات الاجتماعية وباستخدام أسمائهم الفعلية ومناصبهم القضائية وصورهم ومعلوماتهم الشخصية ، وهذا النوع كان أكثر خطرا حيث تم استخدام تلك المعلومات في استهداف رجال القضاء وتعرضهم للاغتيالات أو محاولة الاغتيال ، ومن جهة أخرى جاء عدم إدراك صاحب الحساب لحساسية ومقتضيات المنصب بنشر صور شخصية له وهو ما وفر مادة خصبة للهجوم على رجال القضاء وتحويل هذا التصرف من كونه عملا فرديا إلى توجه معادي للسلطة القضائية وتشكيكا في نزاهتها .

والجانب الأخر يتعلق بتناول أخبار القضاء والقضايا قبل أن يصدر القضاء حكمة وهو المعني أولا بها وهو ما أدى إلى خروج القضايا من رواق المحاكم إلى رواق الشبكات الاجتماعية وهو ما اثر سلبا على تناول تلك القضايا بهذا الشكل حيث طغى على عملية التناول التضخيم وتداول المعلومات المغلوطة وتشويه السمعة . 

وعلى الرغم من أهمية دور المواطنين أو المستخدمين للشبكات الاجتماعية في مكافحة الجريمة إلا انه توجد عده محاذير تواجه تفعيل ذلك الدور ، ولعل من أهمها على سبيل المثال إن عملية إطلاق الفيديو هات او الوثائق على شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعد مرتكبي الجريمة في التخفي أو الهرب أو تمويه الجريمة على النحو الذي يضر من سير التحقيقات ، ومن ناحية أخري إن عملية إطلاق الفيديوهات يمكن أن تلعب بها البعد الشخصي أو تعمد الواقعة أو محاولة تصفية حسابات شخصية أو نشر معلومات مضلله ، ويمكن أن يكون ذلك مدخل لانتهاك الخصوصية لبعض الأشخاص ، وقد تثبت التحقيقات براءة  من يتم  اتهامهم أو ظهورهم في الفيديو وهو ما يكون من الصعب بعد ذلك في إزالة الأضرار المادية والنفسية للمتهمين .

ويدفع ذلك إلى محاولة التوظيف الرشيد لدور الأفراد في مكافحة الجريمة عن طريق تعزيز دور الأفراد في التواصل مباشرة بينهم وبين الأجهزة الأمنية والعمل على حفظ سير التحقيقات والأدلة والتي تخدم في النهاية مكافحة الجريمة وتحمي استقلال القضاء وبخاصة إن تناول الإعلام  للقضية يعمل على الإضرار بها .   

ويكشف الأمر إن التعويل على نشر ثقافة مخاطر ذلك التناول الإعلامي بين المستخدمين للشبكات الاجتماعية من المهم حيث انه يرسخ الرقابة الذاتية ويساعد في مواجهة نشر الشائعات والمعلومات المضللة ،وما يزيد ذلك الأمر  وجود فراغ معلوماتي يمكن المواطن إن تصله المعلومات بشكل رسمي وسريع من الجهات الرسمية على نحو يقضي على الشائعات ،وأهمية تعزيز الجانب التشريعي لمواجهة التجاوزات من قبل العاملين  في السلك القضائي . و الفصل بين حرية الرأي والتعبير وبين أن تتحول تلك الحرية إلى تهديد لأمن المجتمع.

 وسيظل المخاطبين بذلك القرار  المتخذ من مجلس القضاء الاعلي بالدرجة الأولى هم العاملين في السلك القضائي ،ويدخل في إطار  الحفاظ على  حصانة العمل القضائي بحيث لا تتدخّل فيه أيّ سُلْطة ، و أن النظام يُطبّق بحقهم ولكن بإجراءات تضمن ألا يُفرض عليهم شيء يعود بإخلالهم في عملهم ، ويتضمن عدم محاباة أحد منهم لأي سُلطة أخرى. و أهمية الفصل بين السلطات والالتزام بالحيادية والنزاهة وتعزيز آليات الرقابة والتفتيش القضائي.وكل ما سبق وغيره حال وجودة سيعمل على توفير الحصانة والهيبة القضائية واتاحة بيئة عمل مثلى للتقاضي ،وتعزيز ثقة المجتمع  في القضاء وفي قيم العدالة والمساواة وسيادة القانون والدستور .

 *خبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ