المقالات -
المدونات كفاعل ونمط جديد في المشاركة السياسية

: 386
الثلاثاء,5 اكتوبر 2010 - 03:25 م
عادل عبد الصادق- خبير بمركز الاهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية - مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

أصبح للمدونات وما أتاحته من أدوات تعبير جديدة دور فاعل في المشاركة السياسية غير الرسمية في مصر، لما تتمتع به من ارتفاع سقف حرية التعبير، وكشفها لمشكلات بنيوية وتنظيمية وثقافية ودينية وقانونية داخل المجتمع وكونها أداة للتفاعل بين الفرد والمجتمع والدولة، وتأثيرها على طبيعة ونمط العلاقة بين مدخلات ومخرجات النظام السياسى. ويثير ذلك تساؤلات حول ماهية تلك الأداة وتأثيرها على الرأي العام وأدوات التعبير التقليدية؟ أو مدى تأثيرها على فاعلية دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمؤسسات السياسية الرسمية والبيروقراطية وعلى دور النخبة السياسية في صنع قرارات السياسة العامة وفاعلية التمثيل السياسي للمواطنين؟ وعلاقة ذلك بالمواطنة والتحول الديمقراطى؟

 

خصائص المدونات وأنواعها


تتميز المدونات بأنها إعلام فردي قابل لأن يصبح فعلا جماعيا غير حكومى عبر الفضاء الإلكترونى، من خلال قدرة الفرد على المبادرة فيما يتعلق بصياغة المادة الإعلامية وتشكيلها والعمل على انتشارها، مع الحرية في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وتوقيت النشر وسهولة البث وقلة التكلفة، بالإضافة إلى إمكانية تجاهل المصدر. كما أن أصحاب المدونات يكون متاحاً لهم استخدام كافة الوسائل التقنية في إخراج رسالة إعلامية تجمع بين الصوت والصورة والكتابة والخلفية الموسيقية بشكل يجذب إليها الجمهور، لتصبح المدونات بذلك أكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر أو التعليق عليه، ويكون لها دور في معالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار. ومن هنا تظهر العلاقة بين المدونات والصحافة الإلكترونية من جانب والصحافة الورقية من جانب آخر، حيث تقترب المدونات من مهنية العمل الصحفى، بل إنها قد تفوق الأداء الصحفي التقليدي بما يتوافر لها من وسائط إعلامية، فضلاً عن قدرة المدونات على الكشف السريع للأحداث وتغطيتها المستمرة بالمقارنة بالصحف الورقية ودرجة استجابة الحكومة ويمكن تقسيم المدونات لعدة أنواع :
1. مدونات ساخرة تعمل على إضفاء طابع كوميدي على الواقع من خلال رسائل معينه تأخذ أشكال سهلة الانتقال والتواصل والفهم، ومن بينها التعبير عن موقف من النظام السياسي في شكل نكته أو رسم كاريكاتيرى أو تلاعب بالألفاظ والعبارات أو استخدام برامج الكمبيوتر لتكون صورا ساخرة لشخصيات سياسية.
2. مدونات متمردة: تحاول التمرد على الواقع في محاولة لتغييره، ويتم استغلال كافة الأدوات الإعلامية التي توفرها المدونات من أجل حث الشباب والمتصفحين لاتخاذ موقف محدد تجاه قضية معينة، وتحاول أن تقدم رؤية مغايرة لما يتم تداوله في الصحف ووسائل الإعلام الرسمية.
3. مدونات عشوائية الهدف: حيث يتم عرض مادة ضعيفة ومتنوعة ولا تكون لها رؤية واضحة،وهى عبارة عن أشياء متناثرة ليس لها قيمة ثقافية أو معرفية حيث يجرى الاستغراق في تفصيلات لا تهم بالضرورة كل قارئ لها أو باحث عن معرفة.
4. مدونات ذات طابع شخصى: حيث تتعلق بسرد مذكرات شخصية لتدوين الأحداث المهمة في حياتهم، أو تعبيرات عابرة بخصوص موقف أو قضية ما، أو قصص روائية أو قصائد شعرية. ومن ثم تكون ذات طابع فردى فى الاهتمام والمحتوى.
5- مدونات تخدم مصالح حزبية سياسية أو دينية: حيث تنقل موقفها وأفكارها من النظام السياسي والحريات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها نمط جديد تعرف المشاركة السياسية بأنها النشاط الذي يقوم به الأفراد بصفتهم الشخصية بهدف التأثير على القرارات الحكومية، أي أنه تتعدى مجرد التصويت في الانتخابات أو العضوية في الأحزاب السياسية، ومن هنا تظهر قدرة المدونات في توسيع مفهوم المشاركة السياسية من خلال إعادة تعريف السياسي ليضم كافة التفاعلات اليومية المرتبطة بالتأثير على بنية القوة في المجتمع والتأثير على توزيعها،و كذلك في تكسير الحواجز بين العام والخاص، وبين النخبة والجماهير وبين الفرد والدولة،ويقوم المدونون بإنشاء قنوات خاصة خارج القنوات السياسية الرسمية للمشاركة بطريقتهم للتعبير عن آرائهم ومصالحهم، وتكون المدونات اقرب إلى عمل جماعي يهدف لتحسين الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والعمل على تغييرها، وخاصة من الأفراد المهمشين الذين يستخدمونها للتعبير عن حياتهم اليومية بعيدا عن الصراع القائم داخل المؤسسات الرسمية الحكومية. وتتم ممارسة السياسة على المدونات بهدف إحداث تغيير اجتماعي وحراك سياسي، ومن ثم تصبح فاعلا سياسيا ووسيطا بين الحاكم والمحكومين في مواجهة عدم كفاءة النظام البيروقراطي وجمود المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية التي تعاني من فقد اتصالها بالواقع السياسي والاجتماعي، فضلا عن تراخي النخبة السياسية وسيطرة المال على العملية السياسة، ويظهر دور المدونات في تفعيل المشاركة السياسية غير الرسمية على النحو التالى:
1- قدرة المدونات على إثارة نقاش عام حول القضايا وجذب العديد من الشباب للمشاركة في دعم الرأي أو الرأي الآخر من خلال المساهمة كتابه أو تنزيل مقاطع فيديو أو التعليق عليها وتبادلها بين الشباب
2- قدرة المدونات على التأثير على صنع السياسة الحكومية بدلا من الدور التقليدي للنظام السياسي والنخبة في صنعها لما تسببه من ضغط في اتجاه المطالبة بالشفافية وتوفير معلومات جديدة يتم الاستناد إليها، مما يؤدي لمزيد من الرشادة في صنع قرارات السياسة العامة.
3- القدرة على خلق روح معارضة ومختلفة عما تطرحه في الصحف ووسائل الإعلام التقليدية، مدعمة بالوثائق والوسائط الإعلامية والقدرة على الانتشار والوصول لكافة الأفراد والرأى العام
4- التأثير على دور الأحزاب السياسية وفاعليتها، والمؤسسات السياسية التقليدية حيث يتم استغلالها كوسيلة من وسائل الحشد والتعبئة والتنسيق بين الفاعليات السياسية
5- يستخدم نشطاء الإنترنت المدونات كأداة للاحتجاج على السياسات الحكومية، أو كعامل مساعد في تنظيم تلك الفعاليات والتأثير على تشكيل وتعبئة الرأي العام بعيدا عن دور النخبة التقليدي واحتكار بعض الفاعلين التقليديين للمعلومات.
6- أصبحت المدونات أداة اتصال للتعبير عن كافة الاتجاهات وصياغة المضمون المعرفي والثقافي وتنظيم الصلات والعلاقات لدعم كافة أشكال التعيير المختلفة داخل المجتمع في ظل حوار تكون ركيزته الندية بين الفرد والنخبة والجماهير الفاعلية السياسية تنتقل رؤية المدونين من التمركز حول الذات للاهتمام بالقضايا الاجتماعية العامة ودعم حقوق الانسان والمواطنة وسيادة القانون وتداول السلطة، عن طريق التواصل لتحقيق أهداف عامة. وهناك خصائص مشتركة للمدونات أهمها التركيز على الهدف وتماسك النقاش والانفتاح وقبول الاختلاف والاستمرارية والتواصل الايجابى.
وتجمع المدونات بين بعض سمات الحركات الاجتماعية والحزب السياسي وجماعة الضغط، وذلك لدور ها في الضغط على الحكومة وترشيد قراراتها، كما تتميز بوجود مجموعه من الأفعال لجماعة من المدونين، وتهدف تلك الأفعال لتحقيق أهداف معينة أو الحفاظ على امتيازات، ووجود عنصر الوعي في القائم بتلك الأفعال وتوافر حد أدني من التنظيم.
وتجمع المدونات بعض سمات الحزب السياسي باستهدافها التأثير على الحكومة والرأي العام، كونها قد تعد همزة الوصل بين الحاكم والمحكومين، والتي تظهر في الفعالية السياسية للمدونين من خلال دعم الفعاليات السياسية الواقعية، وتأثيرها على الحراك السياسي والرأي العام، وإن كانت لا تهدف الى الوصول للسلطة ولا تمتلك برنامجا سياسيا .
كما أثرت المدونات على الأحزاب السياسية سواء في استخدام المنتمين للأحزاب السياسية لها أو قدرة المدونات على تجاوز الحدود الفكرية الجامدة للحزب لتخرج إلى مساحات تجمع كافة المهتمين بالشأن العام من الذين تحركهم فقط قضية ما أو مصالح معينه تحمل في طياتها قيماً مجتمعية ومصالح عامه، ويتم التعبير والاشتراك في المدونات دون أي رسوم عضوية أو منازعات قيادية حزبية لمطالبهم والتعبير عنها وتوافر درجة عالية من المصداقية في عملها ولا تحتاج إلى تمويل يؤثر على توجهها السياسي بل أنها عبارة عن عمل تطوعي ووسيلة رخيصه التكلفة فضلا عن جاذبيتها كأداة ومنبر إعلامى يتمتع جميع أفراده بالندية. وترتبط المدونات أيضا بكونها جماعه ضغط بقدرة أفرادها على حمل مصالح ومطالب معينة والتعبير عنها تجاه النظام الحاكم بالاتصال المباشر والتأثير على أعضاء المجالس النيابية أو تعبئة الرأي العام.
وقد اكتسبت المدونات أهميتها لعدة أسباب:
أولها لعدم قدرة المؤسسات السياسية الموجودة على امتصاص مطالب الجماهير وسيطرة رجال المال السياسي،
أما الثاني فهو عجز النخبة عن القيام بدورها في توزيع الموارد داخل المجتمع على نحو عادل،
أما ثالثها فهو العجز عن تحسين نوعية العملية الديموقراطية بإتاحة الفرصة الأكبر للمواطنين في صنع القرار،
ورابعها الانتشار الواسع للإنترنت واستخدامه وارتباطه بالتكنولوجيا الحديثة الأخرى، وهذا ما أدى إلى زيادة القدرة الإتصالية والتفاعلية بين الأفراد. وخامسا وجود فئات تريد التعبير عن مصالحها ومشاكل تحتاج حلول، فلا توجد أحزاب سياسية معبرة أو مجتمع مدني فعال أو سياسات حكومية قادرة على تقديم حلول لكافة المشكلات،
إلى جانب ذلك جمود المؤسسات السياسية والبيروقراطية، بالإضافة للبعد عن الاصطدام المباشر بالسلطة في محيطها الضيق داخل الآسرة. مؤشر للحرية أصبحت المدونات تؤشر لدرجة الحرية السياسية لدى المواطنين والانفتاح السياسي للدولة، حيث تعكس المدونات نوعا من التغذية الاسترجاعية تجاه القرارات الحكومية، ومن ثم فان كفاءة النظام السياسي تتوقف على قدرته على امتصاص هذه المطالب وإتاحة الحرية المناسبة. وهكذا فانه كما تتدرج الدول في درجات الحرية واحترام حقوق الإنسان أصبح موقف الدولة من المدونات يشير إلى درجة تمتعها بالديموقراطية والاستقرار السياسي، وخاصة وان تزامن الدخول للعصر الرقمي جاء مع تحولات اجتماعية كبرى فعملية إدماج الأفراد في المؤسسات التي تقوم تقليديا بدورها الوسيط بين الحاكم والمحكوم و بناء الانتماءات ودفع الحراك الاجتماعي والسياسي يبدو وقد أصابها الوهن على اقل تقدير، فلم تعد تقوم بدورها، وهذا ما دفع الأفراد للتأقلم لبناء انتماءات جديدة والتعبير عن مصالحهم بشكل يتجاوز تلك المؤسسات التقليدية، مستندين على ما أفرزه الإنترنت من أدوات تعبير وتواصل ومن ضمنها المدونات.
 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ