المقالات -
قضية اللاجئين ودمجهم في النظام التعليمي للمجتمع المحلي

: 2432
الثلاثاء,6 سبتمبر 2016 - 04:43 م
د.عادل عبد الصادق*

من اهم القضايا التي تشغل بال المخططين للسياسات العامة في وقت الأزمات الإقليمية هي كيفية التعامل مع قضية اللاجئين وبخاصة ممن في سن التعليم الاساسي او الجامعي ،وبخاصة ان كان خلفياتهم الثقافية مختلفة عن بلد المستقبل لهم

قضية اللاجئين ودمجهم في النظام التعليمي للمجتمع المحلي
اضغط للتكبير

  وحتى في حالة التقارب يحتاج اللاجئين الى درجة عالية من التعامل الانساني الاخذ بعين اعتبارة الظروف القاسية والحالات النفسية اللاجئين وبخاصة الاطفال والمراهقين ،والذين يمكن ان يكونوا قوة ناعمة للبلد المستقبل لهم وكذلك جزء من قوة عاملة نشطة في المستقبل ، وربما تتحول تلك الاقامة الى ذكريات جميلة لهم تعمل على التقارب بين الشعوب وقت الازمات وتحسن من عملية التفاهم المشترك وبخاصة في بعده الثقافي وطالما شهدت البشرية موجات من الهجرة وقت الحروب او الكوارث الطبيعية وكانت في ذلك الوقت لا توجد حدود سياسية او سيادة اقليمية ،ومن ثم كانت الهجرات تاتي طبيعية وفقا لمتغيرات السياسة والجغرافيا بينما بعد ظهور الدولة القومية والImage result for ?قضية اللاجئيين?‎حدود السياسية بدأت عملية الحد من الموجات الطبيعية للهجرة واخذت عمليات تنظيم الدخول والخروج لاي بلد تحتاج الى اجراءات وتأشيرات للدخول ،والتي اصبحت في الوقت الحاضر تشكل عائقا امام تلبية حاجات انسانية للمهاجرين بحثا عن الامن او المأكل ، وزادت تبعات ذلك مع حالة التفاوت الشديد في الثروة وتنامي الاحتكارات العالمية وفشل نماذج التنمية في الجنوب خاصة في تلبية نداء الانسانية بحثا عن حياة كريمة وآمنة .
وبرزت قضية اللاجئين تعبيرا عن حالة التدخل السياسي الدولي في الاقاليم محل النزاعات بحثا عن مصالحها على حساب حياة البشر في تلك البلدان التي لا يكون لها دور الا ان تكون ملعبا للمتنافسين عليها وفي انتظار القادرعلى الانتصار ليفوز برماد ما تبقي من تلك البلدان .

 وعلى الرغم من ذلك مازالت هناك اصوات للممانعه تشكل جزء من الضمير الانساني متحررا من مصالح شركات السلاح والنفط والساسة الذين يقفون وراء ازمات العالم ، وباتت قضية اللاجئين تشكل اهتمام كبير لدى قطاع من منظمات المجتمع المدني والدول المتحضره والمتضررة في ذات الوقت من تصدير الازمة الى داخلها ، والاخطر في المشهد الدولي ان تحولت قضية اللاجئين السوريين على سبيل المثال الى ورقة ضغط سياسية تمارسها تركيا على دول الاتحاد الاوربي للاذعان الى رغبتها في الانضمام الى الاتحاد الاوربي .
ومن اجل التعامل مع قضية اللاجئين من البعد الانساني يجب ان تخلص الدول والحكومات في التعامل مع تلك القضية بعد تحولها الى ازمة انسانية كبري لم تشهدها البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وربما لم تتحرك الدول الاوربية والكبري لحل النزاع الدائر في الشرق الاوسط و اطفاء النيران التي دعموها بالوقود الا بعد ان اصبحت تلك الدول في موقف مستقبل للازمة الانسانية لللاجئين من محل النزاع ، واصبح يتم النظر الى تلك الدول انها فاعلة في الصراع ومن ثم فعليها دفع الثمن ،ودفع ذلك من جهة اخري  الى اهمية العمل على تسوية الصراع والتعامل مع قضية اللاجئين، والتي اقر القانون الدولي التزامات على الدول في استقبال هؤلاء اللاجئين ، ولكن واقع الحال يشير الى بعض التعنت الحاصل في استقبالهم ،ودون التركيز على ان تسوية الصراع هي الكفيلة بمنع تدفق اللاجئين ناهيك عن ضرورة قيام  تلك الدول بتمويل عملية التنمية  واعادة الاعمار في تلك البلدان، وان تدرك  الدول الغنية انها لن تستفيد وحدها من مكتسبات العولمة بل يجب عليها ان تدفع الثمن جراء تجاهلها لمصالح الشعوب وحق الجنوب في التنمية .
  وفي اطار مواجهة قضية اللاجئين من الجانب الثقافي تاتي اهمية الحديث عن اهمية دور المؤسسات التعليمية والثقافية في تلك البلدان التي تستقبل اللاجئين في دعم المواطنة والوعي والتنمية في تجمعات الهجرة في الدول المستقبلة لها ،
  وربما تحتاج عملية التعامل مع قضية اللاجئين تاهيل المؤسسات الحكومية والخاصة لاستقبالهم والتعامل الإنساني ،وتأمينهم قانونا في حال إقامتهم ، ويحتاج ذلك الى تبني سياسات جديدة للمؤسسات الثقافية والتعليمية سواء بانتهاج سياسة ثقافية تدمج اللاجئين محليا تجاه باقي المجتمع المستضيف ، والعمل من جهة اخري على تحسين البعد الثقافي من قبل اللاجئين تجاه الشعب الذي يستضيفهم ، ولعل من اهم عقبات الادماج المحلي للاجئين  محاولات توظيف قضيتهم سياسيا من قبل بعض احزاب المعارضة وبخاصة تيار اليمين في اوربا ، وتنامي مشاعر الكره تجاه الاجانب او نقص فرص العمل وانتشار البطاله او حدوث إمتدادات للصراع الى داخل البلد المستضيف او تعرض البلد المستضيف لإحداث إرهابية . 

    وتركت بلا شك الظروف القاسية التي مر بها اللاجئين آثار نفسية شديدة عليهم والتي عادة تغفل عنها برامج دعم اللاجئين أو لا تضعها في الحسبان،حيث ان فهم الخلفية النفسية للاجئين والتأهيل النفسي للاجئين لا يقل أهمية عن توفير المأوى والغذاء،وهو ما يجعلها مسئولية إنسانية يتعين على الدول المضيفة القيام بها لمساعدة اللاجئين على العودة إلى حياتهم الطبيعية.
وعادة ما يتكيف الأطفال بشكل أفضل من الاكبر سنا الا ان فرص الـتاثير طويل المدى تبقى محتملة ان لم يتم تدارك المعالجة الاولية ، ويفرض ذلك على  البلدان المضيفة ان تاخذ في اعتبارهم  ثقافة اللاجئين وديانتهم
، الابعاد النفسية للاجئين  الذين مروا بتجارب صادمة وقاسية تتطلب المعالجة النفسية مثل حوادث تتعلق برؤية أحبائهماو احد من اسرتهم   يقتلون،الى جانب حالة الشعور بالخوف في بيئة جديده ومجتمع جديد ، وتنعكس حالة الشعور بعدم الأمان في بلدهم الأم. على ادراكهم تجاه الواقع وعلى معدل الثقة في انفسهم وفي الاخرين .Image result for ?قضية اللاجئيين?‎
 وعندما يذهب اللاجئين إلى بلدان المهجر او الملجئ يكونون معرضين اما لاحتمال تعرضهم لمعاملة تميزية ضدهم او النظر اليهم كمجرمين او متسولين ,ولا ينفصل الدعم النفسي للاجئ عن الانماط الاخري من الدعم الصحي، والسكني ، والاجتماعي، والتعليمي.

وتمثل المؤسسات التعليمية والتثقيفية دور حيوي في تاهيل اللاجئين ثقافيا من جهة والعمل من جهة اخري على مواصلة مراحلهم التعليمية بعد حالة  التوقف ، والمساعدة في اكساب اللاجئين خبرة تاهلية لمجال وسوق العمل المحلي او الخارج ، ويعمل كذلك التعليم على اكساب اللاجئين القدرة على الاندماج داخل المجتمع المحلي من خلال التعريف بالثقافة المحلية .

ومن ثم فيجب على المؤسسات التعليمية ان تتبني برامج تعليمية خاصة بحالة الاطفال والمراهقين من اللاجئين وان يتم دمجهم في المجتمع التعليمي وبعدم شعورهم بالتمييز تجاه قرنائهم من الطلبة ، وان يتم تحسين رؤية المجتمع المحلي من البلد المضيف تجاه اللاجئين عبر تعريفهم بقضاياهم وبثقافتهم وابعاد قضيتهم الانسانية ،وهذا من شأنه ان يحد من حالة الاغتراب والعزلة ويحد من امكانية استغلال بعض من هؤلاء اللاجئين في اغراض ارهابية او اجرامية .

 ويجب أن تتضمن المواد التي يدرسونها في الثقافات المختلفة، تعلم اللغة الأم للدولة المضيفة بالاضافة الى لغتهم الاصلية، ومواجهة السياسات المتحيزة ضدهم التي تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي او الاعلام المحلي  ،ويجب ان تهتم المناهج التعليمية على الجانب التطبيقي بدعم  الطلبة اللاجئين  بمهارات يستطيعون من خلالها التعبير عن أنفسهم، كتعليم الرسم او مهارات الكمبيوتر او النشاط الرياضي والثقافي .

وان يتم توفير اساليب تربوية توفر مساحة للفنون التطبيقية الرسم والنحت والموسيقي والمسرح والتمثيل ،اضافة الى التدريب البصري من خلال التصوير الفوتوغرافي، وكل هذا من شانه ان يخرج الطاقة الابداعية لديهم ويخرج الطاقة السلبية المترسبة بداخلهم ، وهو ما يساعد في دفعهم للتعبير عن ما يجول بداخلهم وعن أحوالهم وعما يدور حولهم وما يختبرونه وكيف يرون العالم الخارجي الذي يعيشون فيه، وهي بمثابة طرق علاجية من تأثير الحرب والصراع ، والذين عايشوها كشاهد عيان وتعرضوا للنزوح القسري من مناطقهم التي يرتبطون بها انسانيا وثقافيا لينتقلوا بعد ذلك الى المجهول والذي ربما يتحول في لحظة الى بارقة امل في مستقبل وحياة افضل .

 وعلى المؤسسىات والهيئات والوزارت المعنية بالتعليم او المؤسسات الثقافية  ان تعمل على تأهيل المجتمع المحلي بقضية اللاجئين واهمية ان يتم دمجهم في الثقافة المحلية كثقافة فرعية عبر النظام التعليمي ، ويأتي ذلك الى جانب تاهيل البيئة التشريعية لاستقبال اللاجئين وان يتم العمل على تاهيل نفسي للاجئين للدخول في المنطومة التعليمية ،ومراقبة اداة النظام التعليمي فيما يتعلق بقضية اللاجئين من خلال  تحسين المناهج الدراسية لتلائهم احتياجاتهم المعرفية ،وفتح المدارس الرسمية امام الطلبة اللاجئين ، وتاهيل المدرسين كذلك لاستقبال اللاجئين وتدريبهم على التعامل معهم .

وفي حالة عدم توافر المدارس المحلية الرسمية يمكن الزام المدارس الخاصة باستقبال عدد من الطلبة اللاجئين ، ومن جهة اخري العمل على بناء مدارس جديدة لاستيعاب الطلبة الجدد اما بالتعاون مع القطاع الخاص او المؤسسات المالية المانحة ،وتبقي اهمية الدمج في اماكن الدراسة بين الطلبة اللاجئين وغيرهم من الطلبة من شأنه ان يحدث قدر من التعايش والاندماج الفعلي بين الثقافة المحلية والاخري الوافدة .
ان عملية تلافي مرحلة الصدمة الثقافية لمجتمع الاجئين في مجتمع مختلف تتطلب ان يتم ابداء الاحترام بثقافتهم المحلية وبخاصة ديانتهم وبلغتهم وان يتم اقرار المواطنة لهم وفق سيادة القانون والمساواة ، وتبقي قضية  ت
بني سياسات تعليمية جديدة تواكب مع قضية استيعاب الطلبة اللاجئين يجب ان تأتي في اطار تكاتف الحكومة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والقطاع الخاص في التعامل مع تلك القضية من خلال تعزيز الجهود المشتركة وتحمل العبئ والمسئولية داخل المجتمع  ولا ينفصل ذلك عن اهمية التعاون الدولي باعتبار ان قضية اللاجئين من ضمن قضايا الامن الانساني العابر للحدود وتتطلب التعاون الدولي  من كافة الفاعلين داخل المجتمع العالمي .

 

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • التهديدات السيبرانية المتزايدة تثير شواغل ملحة حول الاستقرار المالي
  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ